حزب "مشروع تونس": أي رؤية وأي مستقبل؟

حزب "مشروع تونس": أي رؤية وأي مستقبل؟

29 يوليو 2016

من أجواء المؤتمر التأسيسي لحزب مشروع تونس (23يوليو/2016/Getty)

+ الخط -
منذ إعلان انشقاقه عن حزب نداء تونس، في مارس/آذار الماضي، حاولت حركة مشروع تونس، في مراحل تكونها المختلفة، أن تظهر بصورة القوة الصاعدة والمؤثرة في ظل توازنات القوى الهشّة في المشهد الحزبي التونسي. وهو ما يطرح سؤالاً رئيسياً: هل هذا المشروع قادر فعلاً على افتكاك موقع حقيقي في المشهد السياسي العام، أم إنه لا يعدو أن يكون سوى "فرقعة إعلامية"، كما وصفه يوماً أحد مؤسسيه الذين انشقوا عنه لاحقاً؟
كان واضحاً، ومنذ لحظة الحديث عن رغبة بعض المنشقين عن حزب نداء تونس في تأسيس حزبٍ جديد، أنهم بصدد محاولة الاستحواذ على جزءٍ من قاعدة الحزب الأم وهياكله، وهي رغبة معلنةٌ أبداها المنسق العام للمشروع حينها (مارس/ آذار 2016)، حيث صرّح محسن مرزوق: "قلت سابقاً، وفي محطات إعلامية متعدّدة، إن نداء تونس في شكله الحالي انتهى. ولم أغير هذا التصريح إلى يوم الناس هذا، لا في الشكل ولا في المضمون". ومن هنا، تسارعت الخطوات لتأسيس هذا الكيان الحزبي الجديد الذي أنجز مؤتمره التأسيسي هذه الأيام (يوليو/ تموز 2016)، وبعد أن اكتملت أركان هذا الحزب، على الأقل من الناحية الشكلية، يمكن أن نورد جملةً من الملاحظات الأساسية حوله، بنيةً ومنهجاً وغاية.
فمن الناحية البنيوية، يظل حزب مشروع تونس من الأحزاب غير ذات التوجه السياسي الواضح، فهو يكتفي بجملةٍ من الشعارات العامة التي طرحها في ميثاق التأسيس، واستعادها في اللوائح، ربما بشكل أكثر تفصيلاً، لكنها، في مجملها، تظلّ خطاباً إنشائياً عاماً لا يتضمن تفاصيل برنامج حقيقي، يمكن أن يتحول إلى قوة اقتراح، أو برنامج سلطة، وربما الجانب الوحيد الذي سيحاول حزب المشروع التركيز عليه هو الخصومة مع حركة النهضة، ومحاولة استعادة الخطاب التعبوي ضد الخصم الإسلامي، بصورة تبدو إقصائيةً، وقد تجلت مفاعيلها في افتتاح المؤتمر، حين أعلن أمين عام الحزب أنه رفض استدعاء "النهضة"، لأنه يرفض حضور حزب سياسي غير ديمقراطي، ولا يلتقي معه في شيء.
ويرتكز الحزب، بصورة مبالغ فيها، على شخصية صاحب الامتياز السياسي فيه، محسن مرزوق الذي تم اختياره أميناً عاماً، من دون منافسةٍ تُذكر، وهو نتاج لحالة الشخصنة المبالغ فيها، حيث يمكن، لكل من تابع حفل الافتتاح، ملاحظة الكم الهائل من صور الأمين العام، بشكلٍ يحيل، بصورةٍ لاواعيةٍ، إلى طريقة تلميع زعماء الأحزاب الشيوعية ذات المنحى الستاليني. وهذا ليس غريباً عن محسن مرزوق الذي ظل ناشطاً ماركسياً متشدّداً سنوات طويلة، قبل أن يعرف طريقه إلى "فريدوم هاوس الأميركية"، ويحاول الظهور بصورة "المتلبرل" الحداثي، المدافع عن مشروع الهوية التونسية المفترضة.
وكانت هذه المبالغة في تقديس الذات قد أثارت ردود فعلٍ لدى بعض الشخصيات السياسية التي
ساهمت في تأسيس المشروع ممن تعتبر أن هذا المنحى يشكل خطراً على مستقبل الحزب، وهو أمر عبر عنه علناً القيادي المستقيل، عبد الستار المسعودي، في قوله "إن مرزوق يقرّر بمفرده، ثم يدعو الناس إلى المصادقة على ما قرّر". وهو أمر قريب مما يذهب إليه القيادي الحالي في المشروع، مصطفي بن أحمد، إذ أكّد، في تدوينةٍ على موقع للتواصل الاجتماعي، بمناسبة المؤتمر التأسيسي، على أهمية "اعتماد علوية المؤسسات على الأفراد، مهما كانت أهميتهم، وضمان توازي الشرعيات وتوازن السلط بين الهياكل القيادية للحزب، بمعنى أن تنبثق القيادات الوطنية من المؤتمر الوطني، لمنع تضخم السلطة الفردية، وترسيخ مبدأ القيادة الجماعية". غير أن مخرجات المؤتمر التأسيسي تؤكد أن المشروع يسير نحو مزيدٍ من تأكيد هيمنة الفرد (الأمين العام)، في ظل شخصياتٍ حزبيةٍ باهتةٍ، تحيط به، وتكتفي بدور التابع.
وبصورة عامة، يمكن القول إن الحزب الجديد قد ينجح جزئياً في إحراج الحزب الأم الذي انشق عنه، ونعني به "نداء تونس"، لكنه غير قادر على الاستحواذ على قاعدته برمتها، وهو ما يعني أنه سيكون مجرد إضافة إلى التشتت الحزبي والتنظيمي الذي تشهده تونس حالياً، وأن وجود كتلة من النواب تابعة للمشروع، وهي في الأصل ممن صعد إلى المجلس تحت يافطة "النداء" لا يعني قوة فعليةً، لأن كل مراقب يدرك أن "نداء تونس" استغل ظرفاً تاريخياً معيناً، كانت فيه قوى الثورة في حالة جزر، والترويكا الحاكمة تعاني من مآزق الحكم، ومن صعوبات المرحلة، بالإضافة إلى الشخصية الطاغية للباجي قائد السبسي، التي تمكّنت من استعادة صورة الزعيم/ الأب على النمط البورقيبي في المخيال الشعبي، وهو ما لا يتمتع به أيّ من القيادات الحزبية حالياً، سواء التي ما زالت في "نداء تونس" أو التي انتقلت إلى المشروع المنشق عنه.
تطورات المشهد السياسي التونسي، وخصوصاً في المحطات الانتخابية المقبلة (الانتخابات البلدية والمحلية) هي التي ستحكم عن مدى قدرة الحزب الجديد على التمدّد الفعلي، أو اكتساب الأنصار، والأهم هل سيكون لديه القدرة على تقديم برامج فعلية، تقنع الناخب في ظلّ حالة من اليأس الشعبي من الأداء السياسي للأحزاب.
وفي النهاية، يظل العمل الحزبي، على علاته، شرطاً لاستمرار العملية الديمقراطية وتطوّرها، بعيدا عن كل خطاب انقلابي، أو رغبة إقصائية، مهما كان مصدرها أو الداعون إليها.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.