دروس في أحداث تركيا

دروس في أحداث تركيا

26 يوليو 2016
+ الخط -
حتى الصباح الباكر كنتُ متابعاً للأحداث التي جرت ليلة السبت الماضي في تركيا، من انقلابٍ قاده "حفنة" من الضباط الحالمين بإعادة مجد الماضي المشؤوم، ماضي الانقلاب على الديمقراطية والشرعية، وحكم الشعب عنوةً.
ولكن، أثبت الشعب التركي أنّه استفاد من الدروس السابقة، وتحديداً من أخر انقلاب حدث في تركيا قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ووقف بوجه الذين أرادوا أن ينتزعوا منه الديمقراطية انتزاعاً، وأعطى درساً كبيراً، وجديداً على المنطقة، في "براغماتية" الشعوب.
وأستغرب من الأقاويل التي أكّدت أنّ مئات الآلاف من الشعب التركي خرجوا خلال دقائق إلى الشوارع من أجل "عيون أردوغان"، أو كما قال بعضهم بسبب "فيديو قصير" بثّه "السلطان!"، بل المنطق يقول إنّهم خرجوا من أجل مصالحهم العامة والخاصة، إضافةً إلى الحفاظ على العملية الديمقراطية برمتها، والتمسك بمدنية الدولة.
ودليل ذلك أنّ الغالبية العظمى ممن احتشدوا، في الساحات والشوارع العامة، كانوا من المعارضين الذين يصفهم أردوغان "أعداء"، وهنا درسٌ آخر على مفهوم المعارضة الحقيقي، فالمعارضة التركية ليس هدفها الوصول إلى "كرسي الحكم" بأيِّ طريقةٍ، بل تبيّن أنها حريصة، أشدَّ الحرص، في الحفاظ على العملية الديمقراطية ومكتسباتها.
وفَهِمَ الشعب التركي أيضاً بموقفه الشجاع، أخيراً، أن يضع السياسيين وخلافاتهم جانباً، ولم ينجر إلى "ازدواجيتهم" العجبية، فالأتراك على علمٍ أنّ الشخص الذي اتهمه أردوغان "بتدبير الانقلاب"، وطالب الولايات المتحدة الأميركية بتسليمه، بعد أن كانا صديقين وحليفين حتى عام 2012، وهو العام الذي شهد انفصال كلّ من أردوغان وفتح الله غولن.
ثلاث سنوات فقط جعلت الأتراك يفهمون أنّ المبدأ الأساسي لدى السياسيين هو"المصلحة". ولذلك، لم يسيروا خلف مصالحهم الضيّقة، بل فعلوا الأوْلى، وساروا وراء مصالحهم الاستراتيجية.
وليست هذه كلّ الحكاية، فالصور التي انتشرت على مواقع "السوشيال ميديا"، لمواطنين أتراك، وقفوا أمام "مدافع" الدبابات، وقبضوا على مئاتٍ من الضباط والجنود الموالين للانقلاب، بهدف منع "الانحلال الأمني" الذي كان من الممكن أن يفتحَ الفرص أمام أصحاب النفوس الضعيفة، على التخريب وسرقة المال العام، هذه الصور درسٌ لابدَّ من الوقوف عليه، وأن لا يمرَ مرور الكرام بالنسبة لنا.
لم تكن الانقلابات العسكرية التي يقودها القوميون المتزمتون، والحالمون بالانعزال عن الدنيا، والعيش بدولتهم الضيقة، التي يرغبون أن يسرحوا ويمرحوا بها، وسيلةً للانفتاح والحوار الحضاري البنّاء الذي يقوم على احترام "الآخر" المختلف في الدين والمذهب والعرق واللون.. ولا وسيلة للاستقرار والأمن، والازدهار والتقدم، بل كانت دائماً بمثابة جسرٍ يؤدي إلى انتشار الفوضى والجهل والتخلف والتراجع الفكري والحضاري والإنساني.
وفي الجهة المقابلة، وفي خضم ردود الفعل الإقليمية والدولية، كان العرب منشغلين "بتراشق" الاتهامات الفضفاضة، وانقسموا إلى فريقين: كان الأول مناصراً إلى "القائد" أردوغان، وهؤلاء يعرّفون أنفسهم بأنهم موالون للإخوان المسلمين. وكان الثاني موالياً للانقلاب (على شاكلة ردود فعل الصحافة المصرية "المخزية" صباح يوم السبت)، وهذا الفريق يُعرّف نفسه بأنه "ليبرالي!"، متناسين أنّ جوهر الليبرالية هي "الحرية" التي لا ترتبط بأصحاب "الفكر الانقلابي" بصلة.
إنّ ردود الفعل العربية إزاء الأحداث التي جرت في تركيا، تؤكد أنّنا أمةٌ لا تعرف الاتفاق حتى على مسلّمات الحياة البسيطة، فالخلاف هو شعارنا الأبدّي.
تعليقاً على ما جرى في تركيا، يوم السبت، كتبتُ على صفحتي في "فيسبوك": "تابعتُ عن كثب مُذْ الأمس الأحداث التي وقعت في تركيا، وبغض النظر عن تفاصيلها، فأكثر ما شدَّ أنتباهي هو الوعي النيّر الذي يتحلى به الأتراك، فاتضح لي أنه شعبٌ يعرف مصلحته أين تكمن، متغاضيًّا عن مصالح السياسيين الضيقة، فعلينا، نحن العرب، الاستفادة من هذا الدرس الكبير". فهل من مُجيب؟

5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
بشير الكبيسي (العراق)
بشير الكبيسي (العراق)