سياسة الإنكار والانفجار.. في مصر

سياسة الإنكار والانفجار.. في مصر

25 ابريل 2016
+ الخط -
هناك تحليل أن السلطة الحاكمة في مصر تستخدم دائماً أسلوب الإنكار طريقة لحل مشكلات مصر المزمنة والمستعصية، فعلى الرغم من أن القاعدة العلمية تقول إن الاعتراف بوجود مشكلة أول خطوات حلّ المشكلة، وبعده يكون تحديد المشكلة وتعريفها وتوضيحها، ثم البحث عن جذورها ودراسة أسبابها، ثم جمع المعلومات، ثم اقتراح البدائل والحلول، ثم خطط التنفيذ بناء على تحليل المميزات وأوجه القصور والفرص والتهديدات، لكن النظام الحاكم في مصر يرفض تنفيذ أول خطوةٍ، وهي الاعتراف بوجود مشكلةٍ من الأساس، و"كله تمام يا ريس"، ليس هناك مشكلات في مصر، ولا توجد أزمات. فحديث من في السلطة والتابعين والإعلاميين والمطبلين، صراحة أو من بين السطور أو بالأفعال، لا يذكر وجود مشكلة من الأساس، فليس هناك، مثلاً، أزمة اقتصادية في مصر، كما أن ارتفاع سعر الدولار لن يؤثر كثيراً على المواطن البسيط، وكذلك لا يوجد تخبط إداري أو عشوائي في اتخاذ القرار، ولا خوف من زيادة الأعباء على المواطن، ومحدودو الدخل في العين والقلب ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وكل شيء تحت السيطرة وكله تمام.
لا توجد أزمة سياسية في مصر، ولا انقسام مجتمعي، ولا توجد كتلة ضخمة من المجتمع تعارض ما يحدث، لا توجد كتلة من الأساس، لا مظاليم، هناك فقط استقرار سياسي، تحت حكم الزعيم الملهم، وبالتالي، لا توجد أزمة ثقة، ولا أزمة في السياحة، ولا أزمة في الاستثمارات. وبالتالي، لا داعي ولا حاجة لأي حديث عن مصالحة، ولا لأي حديٍث عن عودة السياسة، فالسياسة موجودة وبخير، وأتممنا الاستحقاق الثالث، والإخوان المسلمون على وشك الاختفاء من الوجود، وسيناء تحت السيطرة الكاملة من الجيش، أما من يطلق عليهم شباب ثورة يناير، أو الشباب المحبوس، أو الشباب الغاضب، فليس لهم أي أهمية. لا وجود لهم سوى على الإنترنت، خليهم يتسلوا، لا داعي لأي تهدئة معهم، لا داعي للإفراج عن رموزهم، لا توجد أي أزمة، "وكله تمام يا ريس".
لا توجد مشكلات مع الديمقراطية، ولا مع الحريات، نحن في أزهي عصور الديمقراطية، وها هو مجلس النواب يزاول عمله بحرية، لا توجد انتهاكات لحقوق الإنسان، ولا تضيق ولا اختفاء قسري، أما عن هذه القوة الغريبة اللعينة، لماذا يتحدّثون عن انتهاكات واعتقالات وتضييق واختفاء، وهؤلاء النشطاء الملاعين، فليذهب الجميع إلى الجحيم، إن النشطاء الخونة يتحدثون عن انتهاكاتٍ، والغرب المتآمر يصدقهم، ويتحدث عن وقف معونات والمنح للحكومة والجيش. ولكن "كله تمام يا ريس". سيرضخ الغرب، في النهاية، لأن العلاقة بين الحكومات قائمة على المصالح. ولذلك، كالعادة يتم تجاهل تعهدات مصر باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان عند التوقيع على معاهدات المعونات والمنح الأجنبية.

تتمحور مشكلة مصر الحقيقية حول الطابور الخامس والجيل الرابع، إنهم المشكّكون الذين يتحدثون، طوال الوقت، عن السلبيات، ويتجاهلون معجزات الرئيس وكراماته، وهو الذي انتشل مصر من الضياع، فلتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم، فنحن في حربٍ أزليةٍ ومزمنةٍ، ولا نهاية لها، ولكن "كله تمام يا ريس"، ولا نحتاج أي أحد أو أي شيء.
ما سبق هو لسان حال من في السلطة، أو من يعبر عنها في وسائل الإعلام. إنه حديث المؤامرات الكونية، وكله تمام، ونصف الكوب الممتلئ الذي نسمعه كل يوم. ولكن، هناك وجهة نظر أخرى، وتحليل آخر لا يختلف كثيراً في شكل الخطاب، ولكن يختلف في المضمون. يدّعي التحليل الآخر أن السلطة الحاكمة، أو الائتلاف الحاكم، أو الأجهزة الأمنية التي تحكم مصر ليست، بالتأكيد، بهذه السذاجة التي تصدّق هذه الخرافات التي تسوقها عن "كله تمام"، وعن المؤامرات الكونية، لكنهم، في حقيقة الأمر، هم أول من يعلم، وأكثر من يعلم بحقيقة الأمر وحقيقة الكارثة، لكنها العنجهية والغرور والعناد وإدمان الكذب، فالأجهزة التي تحكم تعلم، بالتأكيد، أن الوضع فعليا على وشك الانفجار. ولكن، لا بديل عن سياسة حافة الهاوية.
إنه تفسير يزعم أن أجهزة السلطة تعلم حجم الكارثة التي تقترب كل يوم، لكن الغرور والخوف من فقدان المكاسب هو الذي يمنعها من التراجع. لذلك، هم في حالة انتظار لحدوث لحظة الانفجار، ويعملون بكل الجهد على السيطرة على الأمور في تلك اللحظة، والتقليل من آثارها، ومنع استغلالها قدر الإمكان.
لذلك، لا بد من استخدام سياسه الإنكار الدائم لوجود المشكلة، على الرغم من العلم بوجود كوارث، وليس مجرد مشكلة. لذلك، لا بد من إظهار القوة والبطش ومزيد من الإرهاب السلطوي، من أجل منع من قد تسوّل له نفسه أن يفعل أي شيء في وقت ما قد يقترب. لذلك، لا بد من مزيد من إضعاف المجموعات الشبابية، وإرهابها، وتشتيتها، ووضعها تحت ضغط دائم وحملات تشويه واعتقالات مستمرة، فاللحظة قد تقترب، ولا بد من ضمان عدم تكرار "25 يناير". ولذلك، تتعمد أجهزة السلطة التصعيد المستمر، وليس التهدئة، فالتهدئة لديهم قد تعطي الفرصة لأحد ما لتجميع شتاته وتنظيم نفسه مرة أخرى، أما الانتقادات الغربية، والتهديدات بوقف المعونات، ففزاعة الإرهاب لا تزال مجدية، وإن تأزم الأمر، وزاد تأثير المجتمع المدني الغربي أو منظمات حقوق الإنسان الدولية، فيمكن تقديم تنازلات طفيفة، شكلية، لا تترك فرصة لأي احتماليةٍ لفقدان السيطرة على الأمور.
أما الشباب، ومن يطلق عليهم رموز 25 يناير، فلا داعي، حتى الآن، للإفراج عنهم، وربما يكون هناك صفقة ما، أو فائدة ما، لخروجهم، وطالما لا توجد فائدة من خروجهم، وطالما لا توجد أزمة حقيقية في وجودهم في السجون، فدعهم في السجون، فلا نريد أي احتمال لأن يقوم أحد بتجميع صفوفه، قبل لحظة الانفجار التي قد تحدث.
أما عن هذه اللحظة، فهي متوقعة، فالإجراءات المؤلمة اقترب تطبيقها، فعجز الموازنة يزداد، ولا بد من رفع الدعم وزيادة بعض الضرائب. ولذلك، هناك احتمال لحدوث ما يشبه يناير 1977. لذلك، إن حدث لا بد من ضمان عدم تحوله إلى ما يشبه يناير 2011، فلا بد من استمرار القوة، ولو ظاهرية، واستمرار البطش حتى لو له آثار سلبية، فليس هناك مجال لأي احتمالاتٍ جديدةٍ، أو انفلات الأمور، كما حدث في 25 يناير. وهذا هو التحليل الآخر لتفكير من في السلطة. ولكن مهما كان أيهما الأصح، أعتقد فعلياً أن هذا النظام مخوّخ بالفعل من الداخل، وهذا البطش السلطوي يشبه الشخص الضعيف الذي يلجأ إلى الصياح وافتعال المشكلات، للإيحاء بقوة الشخصية، ولن يقودهم الجنون إلا إلى مزيدٍ من الجنون والتخبط، ولن يقودهم العناد والغرور إلا إلى مزيد من العناد والغرور واكتساب أعداء جدد.
وأخيراً، هناك شيء آخر لا يعملون له حساباً، وهو خارج عن السيطرة، وهو الأجيال الجديدة التي هي خارج الحركات والتنظيمات والمجموعات. إنها الأجيال التي لا تزال تتعاطف مع ثورة 25 يناير وشبابها، مهما كان التخوين أو التنكيل أو قصص المؤامرات الوهمية.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017