سفّاح الجيل

سفّاح الجيل

14 يونيو 2015
+ الخط -
"هو الولع بسفك الدماء ولا شيء سواه"، هكذا قلت لصديقٍ، سألني عن تفسيري لغرام كثيرات ممن يعرف من السيدات بعبد الفتاح السيسي، لكني خالفته الرأي في كون "السيسيمانيا" ظاهرة مرتبطة بالنساء أكثر، ليس فقط لأن قمع نظام السيسي لم يفرق بين رجل وامرأة، بل لأن النضال ضد قمعه لم يفرق أيضاً بين رجل وامرأة، بل إنك ستجد لبعض النساء مواقف مشرفة ضد قمع السيسي، أكثر من بعض "ذكوره" الذين يؤمنون أن الرجولة هز أكتاف. لذلك، لا ينبع ولع الكثيرين بالسيسي وتعليقهم الآمال الجارفة عليه، في رأيي، من إعجاب برجاحة عقله أو لباقة حديثه أو قدرته على الإنجاز، فالرجل لا يفتح فمه مؤخراً، إلا ويصبح ما يقوله إضافة لصناعة الكوميديا التي تفوق فيها على أسلافه. لكن، ما يجعل مولعيه يتجاهلون ذلك هو أن للرجل سابقة إنجاز وحيدة وأكيدة، هي قيامه بقتل وقمع آلاف المصريين، من دون أن يظهر اضطراباً أو أسفاً. ولذلك، يتحملون عثراته، ويبلعون زلاته، على أمل أن يواصل إنجازه بشكل حثيث، فيأتي يوم المُنى الذي يصحون فيه، فلا يجدون في مصر صوتاً واحداً مختلفا يقض مضاجعهم، لتعود مصر عندها إلى زمن العفن الستيناتي الصامت الجميل. 
لكن ذلك كله لا ينفي أن هناك أغلبية عددية للسيدات بين جمهور السيسي، وهو أمر لم ينكره السيسي نفسه، بل وحرص على توظيفه في مناسبات عديدة، وكان قد سبقه إلى ذلك "زميله الكبير" أدولف هتلر، حين أطلق عبارته الشهيرة: "في السياسة، يجب الحصول على دعم النساء، أما الرجال فسيتبعونكم وحدهم". ولذلك، لم تر كثيرات من نساء ألمانيا في هتلر أضحوكة مزعجة وعابرة، كما كان يعتقد المتفائلون، بل اعتبرته نساء كثيرات: "الرجل المرسل من السماء، الرجل الكامل الأسمى"، وهو ما يرويه كتاب (نساء الطغاة) للكاتبة الفرنسية ديان دوكريه الذي يكشف أن هتلر تسلم رسائل من معجبات مفتونات، أكثر من فرقة البيتلز ونجم الروك ميك جاغر مجتمعين، وأن أغلبها كان رسائل حميمية، على الرغم من أنه "يصعب تخيل ذلك الديكتاتور ذا الشارب القصير رمزا لفتى أحلام حميمة"، وحتى حين تأكدت سمعة هتلر الدموية، وأصبحت أنباء محارقه على كل لسان، لم تنفر معجباته منه، بل ارتفع عدد الرسائل الغرامية التي تلقاها، ليفوق عددها العشرة آلاف رسالة في سنة 1941، بعد أن كان عددها يبلغ ثلاثة آلاف رسالة في مطلع 1933، وقد وجد الدارسون للرسائل التي تم حفظها في ارشيف خاص، أنه لا توجد بين آلاف الرسائل، ولو حتى رسالة واحدة، تحتوي على انتقادات أو لوم.
إذا ظننت أن هذا الولع بالقتل كان ابن ذلك العصر المضطرب الذي مضى وولّى، دعني أخبرك عن تقرير شاهدته على قناة "سي إن إن" قبل أيام، يتحدث عن ظاهرة الافتتان بالقتلة التي تشهدها السجون الأميركية، والتي تفجر الحديث عنها، عقب هروب قاتلين من السجن، بمعونة سيدة أحبت أحدهما، وانبهرت بجرائمه. وعرض التقرير نماذج لنساء مضطربات عاطفيا، وقعن في غرام قتلة ارتكبوا جرائم بشعة، من بينها قتل نساء وأطفال، وهو ما فسرته خبيرة نفسية درست الظاهرة، بأن فعل القتل إذا كان بشعاً ومتعمداً، يُكسب القاتل سلطة معنوية مبهرة، لدى الشخصيات المضطربة التي تعتقد أن القتل فعل قوة، بدليل أن إحدى السيدات اللواتي وقعن في غرام قاتل تسلسلي، بدأت بعد فترة في تقليد جرائمه، لتجرب مشاعر النشوة التي يشعر بها حين يقتل، ما أفضى بها إلى حكم بالسجن عشرين عاما، ليذكّرني ذلك بما نقله العظيم ممدوح عدوان، عن ويليام وودز مؤلف كتاب (تاريخ الشيطان)، الذي قال إن الرجل القادر على سفك الدماء بسهولة كان، في كل مراحل التاريخ، يجتذب النساء عاطفيا، أكثر بكثير مما يجذبهن الرجل المسالم.
في تحليلها للرسائل الغرامية التي تلقاها هتلر وموسوليني، تتساءل ديان دوكريه عن أسباب الغواية بهما، التي وقعت فيها نساء مثقفات مستقلات، مستبعدة تفسير ذلك فقط ببراعة الطاغية في التظاهر بالوداعة، أو ظهوره بمظهر الخطيب العظيم القوي الأنيق، فتجد نفسك بعدها تتساءل، عن سر الغواية التي أوقعت في غرام السيسي وتأييد حكمه، مثقفين ومثقفات لديهم دراية واسعة بالتاريخ، وأيضاً، معرفة يقينية بالجرائم التي ترتكبها أجهزة أمن السيسي، ليل نهار. ومع ذلك، لا يكفون عن تبرير تلك الجرائم، وتحليل تصريحات السيسي المضحكة، كأنها نصوص باطنية للإمام محيي الدين بن عربي، ومن يدري، فربما كان بعضهم يرسل إلى السيسي رسائل محبة سرية، قد يتاح لنا أن نقرأها يوما ما؟
ولنا عن غرام الطغاة والغرام بالطغاة، حديث آخر بإذن الله.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.