تونس .. "النهضة" متقدمة بغير حلفاء

تونس .. "النهضة" متقدمة بغير حلفاء

01 نوفمبر 2014

راشد الغنوشي مهنئاً الشعب التونسي بنتائج الانتخابات (27 أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

بدت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس متوقعة بما يتعلق بالحزبين الكبيرين، نداء تونس والنهضة. تلمس الحزب الأخير، الإسلامي، المزاج الشعبي، قبل نحو عام، حين وافق على أن تترأس شخصية مستقلة الحكومة (مهدي جمعة) بدلاً من الوزير الأول النهضوي، علي العريض، وإن جرت الموافقة بعد شد وجذب طويلين مع أحزاب أخرى، ومع الاتحاد التونسي العام للشغل، وهو قوة اجتماعية وسياسية وازنة لم تكن دائماً على وفاق مع عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، غير أن نزعتها العلمانية دفعتها إلى مساندة حزب نداء تونس في هذه الانتخابات، وفي تصدّره نتائجها. ويضم الحزب رموزاً من النظام القديم وليبراليين ورجال أعمال، وعلى الرغم من انتساب شخصياتٍ، بمن فيها زعيم الحزب، إلى النظام السابق، إلا أن هذه الشخصيات لم تلحق بها، بصورة مباشرة، اتهامات الفساد والاستبداد.

الوضع العام في المنطقة، واتخاذ الحركة الإسلامية وضعاً دفاعياً، أديا، من جهةٍ، إلى تغليب العلمانيين والليبراليين والوطنيين المستقلين، وإلى نزعة واقعية لدى حركة النهضة، مفادها الحكم بالشراكة، ونبذ سياسة الإقصاء، لا السعي إلى التصدّر. ومع هذا الميل إلى الواقعية، فقد لحق بالحركة اتهام، في السنوات الثلاث الماضية، بأنها وفرت بيئة إيديولوجية لازدهار جماعات التطرف، والتي لم تكن قد ظهرت من قبل، وهو ما أضعف من شعبية الحركة، من دون أن يؤدي بها إلى التقهقر. علاوة على ذلك، لم تنجح الحركة في توسيع دائرة تحالفاتها التي اقتصرت على التكتل الديمقراطي (مصطفى بن جعفر) والمؤتمر من أجل الجمهورية (المنصف المرزوقي).

التقهقر الذي مُني به هذان الحزبان، في الانتخابات الأخيرة، في واقع الأمر، من أهم نتائج هذه الانتخابات، والأكثر إثارة للانتباه. فبينما فاز حزب المرزوقي بـ31 مقعداً وحزب بن جعفر بـ21 في انتخابات عام 2011، فإن نتائج انتخابات هذا العام  2014، وإن لم تكن نهائية حتى  ساعة كتابة هذه السطور، تعطي الحزب الأول 4 مقاعد والثاني مقعداً واحداً. ولن يطمس أي تعديل طفيف على هذه النتائج واقع تقهقرهما. وكانت حركة النهضة قد تحالفت مع الحزبين في عام 2011، ما أدى إلى تقاسم السلطات بين الأطراف الثلاثة: المرزوقي لرئاسة الجمهورية، وبن جعفر لرئاسة مجلس النواب، والنهضة (حمدي الجبالي) لرئاسة الحكومة.

ينتمي الحزبان، في الأصل، إلى تيار ديمقراطي معارض في عهد بن علي. أفقدهما تحالفهما مع "النهضة" في الحكم أوراقاً لدى الشارع، في وقت لا يتمتعان فيه بماكينة حزبية قوية، خلافاً للنهضة ذات التقاليد الحزبية الصلبة والعصبوية. ومغزى ذلك أن النهضة لن تجد عدداً كافياً من نواب الحزبين للمراهنة على التحالف معهم، تحت قبة البرلمان الجديد. بينما يسعى حزب نداء تونس إلى التحالف مع أحزابٍ ليبراليةٍ ويساريةٍ ووسطيةٍ، وتشكيل قوة برلمانية لا تقلّ عن 150 نائباً، من أصل 217 نائباً يشكلون مجموع أعضاء المجلس.

تراجعت حظوظ حركة النهضة مما نسبته 41% في المجلس السابق إلى 31 % تقريباً في المجلس الجديد. وهذا بالفعل تراجع وليس تقهقراً، فالحركة تحتل الموقع الثاني بعدد مقاعد يناهز مجموع مقاعد القوى التي احتلت المراكز الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، غير أن فرص تحالفهما مع قوى أخرى شحيحة، مقارنة بحزب نداء تونس، ولعل هذا هو الاستخلاص الأهم للتحولات الجارية في البلد الذي أطلق شرارة الربيع العربي في خريف عام 2010، حين تصادف القوة التي تصدرت الانتخابات السابقة صعوبات جمة في العثور على حلفاء برلمانيين.

رفعت معظم القوائم المتنافسة في الانتخابات شعارات تنشيط الاقتصاد ومكافحة الفقر والبطالة. وسيكون التحدي الاقتصادي في مقدم تحديات العهد الجديد، غير أن هذه الشعارات، وحدها، لم تحسم نتائج الاقتراع، ولم تصُغ مزاج نسبة كبيرة من الناخبين. ولعب العامل الثقافي دوراً بارزاً في المدن، بتظهير حركة النهضة قوة سياسية محافظة، لا تؤمن بالمساواة في الفرص بين التونسيين والتونسيات كما شهدتها أكثر من خمسة عقود بعد الاستقلال. الضغط بهذا الاتجاه هو الذي فرض، بحكم القانون، أن تشمل القوائم المرشحة للانتخابات على مترشحات ومترشحين بالعدد نفسه.

يتصرف حزب نداء تونس الذي حاز على مقاعد (84) هي أقل من التي حازتها حركة النهضة في الانتخابات السابقة (89 مقعداً)، وفق النتائج شبه النهائية للانتخابات الجديدة، باعتبار أن النتائج زكّته باعتباره الحزب الأول والأكبر، ويتحدث المسؤولون فيه عن أنهم لن يحكموا وحدهم، من دون إشارة الى الشركاء المحتملين، وهل يشملون "النهضة" أم لا. أما "النهضة" فلا تكتم رغبتها بشراكة حكومية، مشدّدة على أن زمن الإقصاء قد ولى.
وترتفع أصوات قريبة منها تدعوها للعب دور المعارضة والامتناع عن المشاركة في الحكومة المقبلة. وليس من المستبعد، في ضوء ذلك، أن تسعى "النهضة " إلى الجمع بين الأمرين، المشاركة والمعارضة في الوقت نفسه، على طريقة تجارب عربية، وعلى الأخص منها، اللبنانية! وذلك بالنظر إلى براغماتيةٍ، يبديها مرشد النهضة، راشد الغنوشي، الذي يبدو مكتفياً ببركات نحو ربع قرن من المعارضة، أو الاقتصار عليها بعيداً عن الحكم.

الحال في تونس الخضراء شهد بالفعل تحولاً، وربما تصحيحاً في نظر بعضهم، غير أن آفاق هذا التحول وممكناته لا ينقصها الغموض، فهناك لعبة التحالفات والبرامج السياسية، وهي مسألة جديدة على الحياة السياسية التونسية، وهناك، إلى ذلك، انتخابات الرئاسة المزمعة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والتي ستقرر أموراً كثيرة، وزعيم حزب نداء تونس، الباجي قائد السبسي، هو أبرز المرشحين الـ 27، على الرغم من سنّه المتقدمة (88 عاماً). وقد لوحظ مسارعته، الأربعاء الماضي 29 أكتوبر/تشرين الأول، إلى دعوة منافسيه المرزوقي وبن جعفر لإخلاء منصبيهما، رئاستي الجمهورية ومجلس النواب في الأسابيع المتبقية على انتخابات الرئاسة، وهو ما بادر الرجلان إلى رفضه بعنف، بما يثير نزاعاً دستورياً وسياسياً يلهب معركة الرئاسة والمناخ السياسي العام. لكن، بالطبع في أجواء سلمية ودستورية هي الأفضل بين ثمرات الربيع العربي.