لماذا التهافت العربي على أفريقيا؟

لماذا التهافت العربي على أفريقيا؟

03 سبتمبر 2023
+ الخط -

أفهم بواعث التهالك الروسي على قلب أفريقيا، غير أني أقف حائرًا حيال تهافت بعض العرب عليها، على غرار الإمارات والأردن، ولماذا في هذا التوقيت حصرًا؟

مفروغٌ منه أن روسيا تخوض صراع مصير مع الغرب من بوابة أوكرانيا، وتتطلع إلى إرساء عالم متعدّد الأقطاب، ما يعني أنها تحتاج إلى استمالة الدول الأفريقية لصالح قطبها قيد التشكيل، ولها العذر إن عقدت قممًا أفريقية في عاصمتها، أو ساعدت في حدوث انقلاباتٍ داخلية على أنظمة أفريقية تابعة للقطب المضادّ، فذلك يدخل في باب قطف الثمار، لأنها لن تحظى بالعنب ما لم تقاتل الناطور، ولا معنى لانتصارها، إن تحقق، إذا لم تحصد نتائج أبعد من جبهة الحرب.

ذلك مفهوم. أمّا المحيّر، فالتهافت العربي المتزامن مع نظيره الروسي. فمثلًا، يزور حاكم دولة خليجية نفطية دولة أفريقية فقيرة، ويعقد مباحثات مع زعيمها تحت عنوان معلن، قوامه بذل مساعٍ حميدة لحل الإشكال الناجم عن سدّ النهضة، بين إثيوبيا ومصر. أمّا العنوان الخفيّ، فيحتاج إلى تكهناتٍ كثيرة. والأردن يستضيف زعماء أفارقة في قمم مصغّرة، فضلًا عن لقاءات ثنائية، جديدها أخيرًا مع الرئيس الرواندي الذي زار عمّان قبل أسابيع. والعنوان المعلن "مكافحة الإرهاب"، أمّا الخفيّ فيحتاج هو الآخر إلى منجّمين ومتنبّئين، وإلا فما الذي يجمع بين دولتين فقيرتين بينهما ما بين المشرق والمغرب من مسافات وفوارق ثقافية؟

هل شعر العرب، مثلًا، أنهم "كبار"، ومن حقّهم أن يدخلوا اللعبة كما دخلها العمالقة، وبأن لهم نصيبًا من "كعكة" التعددية القطبية المقبلة، فآثروا أن يؤسّسوا قطبًا عربيًّا أفريقيًّا يكون ذا وزن في معادلة القوى العالمية؟ ربما، لكن كيف سيكون شكل هذا القطب الذي لا يجمع غير الفقراء، والمهمّشين، والمتخلّفين سنوات ضوئية عن ركب التطور العالمي؟ وهل يمكن أن يكون له ثقل وازن في "لعبة الدول" الكبرى؟

هل نلج باب السخرية فنسأل: إذا كان هذا التهافت العربي على أفريقيا يندرج في باب "المصالح"، فما الذي يحتاجه زعماء العرب من أفريقيا؟ بالتأكيد، ليس اليورانيوم، لأنهم لا يطمحون إلى دخول النادي النووي، ولا يحتاجون الألماس والذهب والأحجار الكريمة، فخزائنهم تفيض بها، بل في وسعهم أن يصدّروا الذهب إليها، أو يهرّبوه حتى، على غرار طائرة "الكنز" المصرية المحمّلة بهذا المعدن، وبأكوام الدولارات، التي حطّت في عاصمة زامبيا قبل أسابيع، ولم يبرُد الجدل بشأنها... فهل يبحثون عن "ملاذ" للمال الأسود لم يجدوه إلا في القارّة السوداء؟ محتمل، لكن بعض الزعماء باتوا، على الأغلب، يفكّرون بولوج مضمار تجارة العاج لزيادة أرباحهم، فذلك مسوّغ معقول يمكن التفكير فيه، على اعتبار أنهم لا يقيمون وزنًا للإنسان، فكيف بالحيوان.

ولئن كنا قد تجاهلنا رأي الشعوب العربية والأفريقية في هذا التحالف، إن صحّ فعلاً، فذلك لأن البدهية معلومة في هذه الحالة، فهي، أصلًا، شعوب "مجهولة" من أنظمتها، ولا رأي لها يؤخذ به من الأساس، فالتحالف دومًا في دول العالم الثالث يكون بين الأنظمة وليس الشعوب.

نعاود السؤال: لماذا يتهافت زعماء العرب على أفريقيا؟ نترك الإجابة لأحد العرّافين، الذي انطلق من بدهيّة مفادها بأن الزعماء العرب لا يتحرّكون وحدهم ما لم تحرّكهم قوى عظمى، ولا سيّما إذا تعلّق الأمر بقضايا أكبر منهم بكثير. وعلى هذا الأساس، يرجّح أن يكون سبب التهافت نوعًا من قطع الطريق على المحاولات الروسية لاستقطاب القارّة السوداء إليها، وهذا ما أميل إليه شخصيًّا؛ إذ من المستبعد أن يحدُث العكس، على الأقل في المدى المنظور، فمعظم الزعماء العرب لم يخرجوا بعد من العباءة الأميركية، ويستبعد أن يتحرّكوا لصالح روسيا بالوكالة في أفريقيا، لأن حربها مع أوكرانيا لم تُحسم بعد لصالحها.

والمعضلة في نبوءة العرّاف أن صدقها وكذبها سيّان، لأن النتيجة تعني إبقاء الحبل في يد أميركا أو تحويله إلى يد روسيا، ما يعني أن العرب لن يبدّدوا تبعيّتهم مائة عام أخرى على أقلّ تقدير، ما لم يفكّروا جديًّا في التخلّص من الحبل نفسه.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.