لاجئو تيغراي... السودان المنهك يرحب بالفارين من إثيوبيا

لاجئو تيغراي... السودان المنهك يرحب بالفارين من إثيوبيا

03 ديسمبر 2020
ظروف صعبة في مخيم أم راكوبة (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ اندلاع الحرب بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وإقليم تيغراي، يتوالى تدفق اللاجئين من الإقليم إلى السودان الجار، وسط ظروف إنسانية صعبة، لا يغيب عنها الوضع الاقتصادي الصعب في السودان

في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأت حرب في إثيوبيا، يخوضها الجيش والقوات الفيدرالية، ضدّ تنظيمات مسلحة تابعة لما يعرف بـ"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في إثيوبيا" التي يقودها دبرصيون جبر ميكائيل.
ويجاور إقليم تيغراي الإثيوبي، وهو ميدان المعركة، اثنتين من الولايات السودانية، هما القضارف وكسلا، شرقي البلاد، فلم يجد الفارون من جحيم الحرب سوى الولايتين الحدوديتين ملجأ، إذ بدأت موجات تدفق الفارين من الحرب منذ بدايتها، حتى وصل العدد يوم الجمعة الماضي إلى أكثر من 43 ألف لاجئ، 45 في المائة من بينهم من الأطفال والنساء، طبقاً لما أعلنته السلطات السودانية، التي تتوقع وصول العدد خلال الأيام المقبلة إلى 200 ألف لاجئ.

ولم يجد السودان، بالرغم من أزماته الاقتصادية والمعيشية الخانقة، بالإضافة إلى آثار السيول والفيضانات التي ضربت البلاد، بُداً من استقبال اللاجئين وفتح الحدود أمامهم، فجهز لهم عدداً من المخيمات الخاصة في كلّ من حمدايت بولاية كسلا، وأم راكوبة بولاية القضارف. لكنّ تلك المخيمات تفتقد لأبسط مقومات الحياة، إذ يواجه اللاجئون الذين وصلوا إليها نقصاً كبيراً في معدات الإيواء والغذاء، كما تفتقر المخيمات إلى الخدمات الصحية وخدمات مياه الشرب النقية ودورات المياه، ما ينذر بكارثة صحية كبيرة إذا لم يجرِ تدارك الأمر سريعاً، خصوصاً مع التوقعات بتدفق مزيد من اللاجئين الإثيوبيين.
وبسبب الإمكانات الضعيفة، خصوصاً في ظلّ الأزمة الوبائية العالمية، لم تجد الحكومة السودانية ما تقدمه من مساعدات للاجئين، بل وجهت نداءات متكررة للمجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة لتقديم كلّ ما هو مطلوب لهم. وعلى الرغم من تلك النداءات، تبدو الاستجابة بطيئة جداً لانشغال العالم بمكافحة فيروس كورونا، ولضعف ميزانيات المنظمات الدولية حالياً، كما أنّ هناك أسباباً إدارية تحول دون توفر المساعدات العاجلة، إذ إنّ كارثة الحرب وقعت في نهاية العام، وهي الفترة التي تنتظر فيها المنظمات إقرار موازنات مالية جديدة.

الصورة

من جهتها، كانت استجابة منظمات المجتمع المدني السودانية ضعيفة جداً، والسبب الأوضح هو ضعف الموارد لديها، بالإضافة إلى بعد المسافة بين الولايتين المستضيفتين والعاصمة الخرطوم التي تتركز فيها المنظمات، كما مشقة الوصول إلى اللاجئين لغياب الطرقات المجهزة. كلّ ذلك دفع أهالي المناطق السودانية الحدودية إلى التحرك الذاتي وتقديم المساعدات، بل استضافت بعض الأسر السودانية لاجئين إثيوبيين في بيوتها، خصوصاً النساء والأطفال، وتقاسمت المعيشة معهم.
يرسم الصحافي سليمان مختار، المقيم في ولاية القضارف الحدودية، صورة مأساوية للوضع في حديثه إلى "العربي الجديد". يقول إنّه عايش هذا الوضع طوال الأسابيع الماضية، مشيراً إلى أنّ اللاجئين يواجهون حياة قاسية عند الحدود بعد اندلاع الحرب، فلا غذاء ولا مياه صالحة للشرب، ولا مخيمات للإيواء، مع بطء واضح في أداء المنظمات الدولية العاملة في مجال العمل الإنساني. يشير إلى أنّ أنّ كل المؤشرات تؤكد إمكانية انتشار عدد كبير من الأمراض المعدية، بما في ذلك كورونا، بين اللاجئين، كما يلفت إلى أنّ وصول اللاجئين الإثيوبين سيترك آثاراً أخرى على المنطقة، سواء أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية، خصوصاً في ظلّ الوضع المعيشي الطاحن في السودان، مشدداً على أهمية التدخل الدولي الإنساني في هذه المرحلة الحرجة.

من جانبه، يوضح الطيب جعفر، الأمين العام لمنظمة التعايش السلمي في ولاية القضارف الحدودية، أنّ بطء التدخل الحكومي والدولي، دفعهم كمنظمات سودانية إلى تسيير عشرات القوافل، لافتاً إلى أنّ منظمته على وجه التحديد سيّرت أكثر من 20 قافلة جمعت كلفتها المالية من المواطنين والتجار والمزارعين وأهل البرّ والإحسان، مؤكداً أنّه لولا تلك القوافل لكانت الكارثة أسوأ حالاً مما هي عليه الآن، ولوقعت وفيات بالجملة من الجوع. يتابع أنّ المنظمة وفرت مساعدات غذائية تشمل الدقيق والعدس والبصل والزيت والحليب المجفف للأطفال والبسكويت والحلويات، لأكثر من 2300 أسرة، ووزعت عبر أطباء وصيادلة رافقوا قوافلها كميات من الأدوية، وكلّ ذلك في القرية الثامنة ومنطقة حمدايت الحدودية. وتنوي المنظمة في القريب العاجل إرسال 46 مليون قارورة مياه ومزيد من الدقيق. ويقول جعفر لـ"العربي الجديد" إنّ قدرة المنظمات المحلية أضعف بكثير من مواجهة كارثة اللجوء الحالية التي تحتاج بعد أيام قليلة إلى تدخل المنظمات الإنسانية الدولية. ويحذر من الأوضاع الصحية التي أدت إلى عدد من الوفيات وسط اللاجئين ومن احتمال إصابة الأطفال بأمراض سوء التغذية، لافتاً إلى أنّهم أحصوا 123 من اللاجئين الإثيوبيين مصابين بالتهاب الكبد الوبائي ويخالطون بقية اللاجئين، وليس من المستبعد أن ينقلوا المرض المعدي للسودانيين ولرفاقهم إذا لم يتم عزلهم في مراكز خاصة. كذلك، يشدد على أهمية حفر آبار جوفية بصورة عاجلة، مع الالتزام بنقل اللاجئين إلى المخيمات بوسائل نقل تحترم آدميتهم. ويطالب بأهمية حصر جميع اللاجئين حتى يتسنى للمنظمات تقديم الخدمات إليهم.
من جهته، وصل المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إلى السودان، يوم الجمعة الماضي، وأعلن ارتفاع عدد اللاجئين الإثيوبيين إلى 43 ألفاً. وقال غراندي، في تغريدة عبر حسابه في موقع "تويتر": "أنا في السودان لزيارة المناطق القريبة من الحدود الإثيوبية، حيث وصل حتى الآن 43 ألف لاجئ من منطقة تيغراي الإثيوبية". وأشاد في تغريدته بالسودان، وقال إنّ الخرطوم وفرت مرة أخرى الضيافة للمحتاجين، علماً أنّ السودان في حاجة ماسة إلى المساعدة الدولية لدعم جهوده. وفي تصريحات صحافية ميدانية، أضاف غراندي أنّه يزور الولايتين الحدوديتين ليومين من أجل تفقد اللاجئين الإثيوبيين، وأنّ المفوضية ‏ستعمل علي تحريك المساعدات والمجتمعات ‏الأخرى ‏حتى‏ يتم تقديم الخدمات للاجئين بصورة جيدة، معرباً عن قلقه من الأوضاع بالإقليم الإثيوبي.

الصورة

ومن المعروف أنّ السودان اختبر منذ سنوات عديدة ظاهرة اللاجئين من دول الجوار إليه، إما بسبب النزاعات والحروب أو بسبب المجاعات والكوارث المناخية، لا سيما الجفاف، سواء من إثيوبيا وإريتريا إبان الحرب بينهما في عام 2000 أو من تشاد وجنوب السودان، إذ يستضيف السودان أكثر من مليون لاجئ جنوبي هربوا منذ عام 2013 من الحرب الأهلية التي اندلعت في أحدث دولة في العالم. كذلك، فإنّ مخيم أم راكوبة المخصص حالياً للاجئين الإثيوبيين سبقت له استضافة موجات لجوء كبيرة من كلّ من إثيوبيا وإريتريا.
وفي هذا الإطار، يعتبر بشير مساعد، الخبير في شؤون اللجوء، أنّ موجة اللجوء الإثيوبي جاءت هذه المرة فيما السودان أكثر هشاشة في بنية الخدمات، وأقل قدرة على مستوى الجاهزية لاستقبال الأعداد المتوقعة، نتيجة للتدهور الاقتصادي الحاصل، لافتاً إلى أنّ تأخر منظمات العون الإنساني في الاستجابة سيزيد الأمور تعقيداً بالنسبة للاجئين الإثيوبيين، خصوصاً مع تزايد الأعداد في الأيام الماضية. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ هناك أيضاً مخاطر أمنية على المجتمع من تسلل عناصر مسلحة ضمن اللاجئين، خصوصاً في المحاور القريبة من المعارك العسكرية، إذ لا يستبعد دخول مسلحين فارين من تلك المعارك.
من جهته، يحذر الخبير بمنطقة القرن الأفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، من انتشار للسلاح غير الشرعي في مناطق الحدود، خصوصاً في ظل الهشاشة الأمنية في كسلا والقضارف مع بعض النزاعات القبلية فيهما. كذلك، يتوقع انتشار الاتجار بالبشر، خلال الفترة المقبلة، مع تصاعد تجارة المخدرات التي كانت موجودة سلفاً على الحدود السودانية - الإثيوبية.

أما يعقوب محمد يعقوب، المسؤول عن اللاجئين في منطقة حمدايت، فيتوقع استقراراً نسبياً في أوضاع اللاجئين الإثيوبيين في حال تمكن المنظمات الدولية من نقلهم جميعاً إلى المخيمات المخصصة لهم، ويوضح أنّ معظمهم الآن موزع في مناطق مختلفة ولم يستقروا في المخيمات. ويناشد يعقوب في حديثه إلى "العربي الجديد" المنظمات الإنسانية والإغاثية التحرك فوراً للمساعدة في توفير احتياجات اللاجئين، لا سيما مواد الإيواء والغذاء.

المساهمون