كنوز تدمر بين "النظام وداعش"

كنوز تدمر بين "النظام وداعش"

16 مايو 2015
آثار تدمر السورية (Getty)
+ الخط -

بات الخطر يحيق بآثار مدينة تدمر السورية مع اقتراب داعش منها، وسط معلومات عن سرقة النظام مجموعات كبيرة من هذه الآثار، ومخاوف من تكرار الأمر ضمن القرار الجديد المستعجل، الذي أصدرته المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة للنظام بدمشق، والموجه إلى دائرة آثار تدمر بنقل جميع المحتويات والقطع الأثرية الموجودة في متحف تدمر الوطني إلى دمشق خلال بضعة أيام. 

يحتوي متحف تدمر على آلاف القطع الأثرية المعروضة وأخرى كثيرة مخزّنة في مستودعات بسبب عدم وجود صالات كافية في المتحف لعرضها. وبالإضافة إلى القاعات الست في المتحف، يوجد أيضاً بهو واسع يحتوي على كهف يضم تماثيل للإنسان البدائي وأسلوب عيشه، ورواق فيه مجموعة من تماثيل مومياء الآلهة التدمرية مجتمعة ومنفردة، وهي ترمز إلى قوى الطبيعة وقد صوّرت بأشكال إنسانية وحيوانية.

كما تضم أيضاً مجموعة من الأواني الزجاجية المستخدمة في حفظ العطور والماء المبارك خلال الطقوس الدينية، وهناك النقود الذهبية والفضية والبرونزية التي تعود لمختلف العهود التدمرية والرومانية والبيزنطية والإسلامية. 
أما الطابق الأول، وكان قيد الإنجاز، فتضم إحدى قاعاته زخارف جصية تستخدم في تزيين النوافذ والأدراج المكتشفة في "قصر الحير الغربي" من القرن الثامن الميلادي، الذي بناه الخليفة هشام بن عبد الملك.

بعد اندلاع الثورة في سورية، اقتحم جيش النظام مدينة تدمر بحجة ملاحقة المجموعات المسلحة. وبالنظر إلى كونه يقع في وسط المدينة، وبسبب قربه من فرع الأمن العسكري، تمركزت قوات النظام في المتحف واتخذته منطلقا لاستهداف المجموعات المسلحة في بساتين المدينة القريبة من المتحف، كما تم نصب مدافع هاون وراجمة صواريخ صغيرة على سطح المتحف، وتمت أيضاً إقامة حاجز للجيش لا يبعد سوى أمتار قليلة عن حرم المتحف، لا يزال قائما حتى الآن.

وخلال تمركز جيش النظام في المتحف، تم منع الموظفين من الدوام وطلب إليهم التزام بيوتهم، واستمروا على هذا الحال شهوراً طويلة حتى انسحبت مجموعات المعارضة من بساتين المدينة ومحيطها. ولاحظ الموظفون، بعد عودتهم إلى أعمالهم في المتحف، فقدان وتحريك عدد من القطع الأثرية داخل المتحف، وتم حينها إبلاغ الجهات المعنية بالأمر، لكنها لم تتخذ أي إجراء لمعرفة مصير المفقودات، كما يقول ناشطون.

ويتخوف هؤلاء من فقدان المزيد من الآثار خلال عملية النقل، التي يعتزم النظام القيام بها لموجودات المتحف من تدمر إلى دمشق. ويقول العاملون في المتحف إن التعليمات هي أن تتم عمليات النقل بالطائرات حصراً، وبالتنسيق مع فرع الأمن العسكري بتدمر والقصر الجمهوري، دون أية مشاركة من مسؤولي الآثار والمتحف في المدينة، وهو ما يثير مخاوف من فقدان بعض الآثار خلال تلك العملية، التي لا تعرف تفاصيلها بدقة، وستكون مشابهة لعملية نقل محتويات متحفي دير الزور وإدلب، حيث لم تعرف حتى الآن الوجهة النهائية لتلك الآثار، وسط شكوك بأنها قد تكون انتقلت إلى إحدى الدول الداعمة للنظام، مثل روسيا أو إيران.

اقرأ أيضاً: متحف دمشق الوطني.. من حاضن للتاريخ إلى مقهى للعشّاق

كذلك ناشد المدير العام للمتاحف والآثار السورية، مأمون عبد الكريم، المجتمع الدولي بالعمل على إنقاذ مدينة تدمر، وطالبه بالاستنفار "اليوم لا بعد التدمير كما حصل حتى الآن"، في إشارة إلى تدمير التنظيم لآثار الموصل ومدينتي الحضر ونمرود في العراق . وأضاف عبد الكريم أن "تدمر مهددة. والمعركة تدور على بعد كيلومترين شرق المدينة بعد أن سيطر تنظيم الدولة على كل حواجز النظام بين السخنة وتدمر". واعتبر أنه "إذا دخل تنظيم الدولة الإسلامية إلى تدمر، سيدمرها، وستحصل كارثة دولية، إذ يمكن إخفاء أغراض لكن كيف يمكن حماية الآثار القديمة"؟

وتدمر مدرجة على لائحة تراث اليونيسكو، وتضم آثاراً قديمة بهندسة تمزج بين الحضارتين الرومانية واليونانية مع تأثير فارسي. وسبق لتنظيم "الدولة الإسلامية" أن خرب ودمر آثاراً في مناطق عدة في سورية، وكذلك في الموصل ومدينتي الحضر ونمرود في العراق.

كما ناشدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) الحكومة السورية، ومسلحي تنظيم الدولة، المحافظة على مدينة تدمر الأثرية. وقالت مديرة اليونيسكو إن تدمر تمثل كنزاً لا يعوض للشعب السوري وللعالم، وحثت أطراف الصراع السوري على حماية تدمر والحيلولة دون تدميرها، وذلك بعدما بات مسلحو التنظيم على بعد كيلومترين من الآثار.

اقرأ أيضاً: بيروت - برلين - دمشق

وكانت مخاطر تخريب آثار تدمر، التي تعود إلى القرنين الأول والثاني، موضوع مؤتمر عقد في القاهرة قبل يومين للنظر في التخريب الذي طال آثار نمرود والحضر في العراق، على يد تنظيم الدولة .

تقع تدمر على بعد نحو 215 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة وحوالى 160 كيلومتراً عن مدينة حمص ونهر العاصي، وهي بهذا الموقع تتوسط البلاد، وتعد بالرغم من وقوعها في قلب الصحراء نقطة تقاطع بين العاصمة وحمص من جهة، ودير الزور وشرقي البلاد من جهة أخرى.

لذلك فإن سيطرة تنظيم الدولة عليها تعني تمكنه من إيجاد تواصل بين مناطقه من العراق فدير الزور والرقة ثم تدمر مخترقا البادية وصولاً إلى القلمون الشرقي ومنه إلى الحدود اللبنانية. وهي منطقة ليست غنية بالآثار، وعبق التاريخ، بل يفوح منها عبق النفط والغاز أيضاً، لذلك يستبسل كل من النظام والتنظيم في القتال للسيطرة على الحقول الممتدة من شرقي حمص إلى حدود الرقة ودير الزور.

وبعيداً عن التاريخ والنفط والغاز والموقع الاستراتيجي، فإن تدمر في الذاكرة القريبة للسوريين، هي مجرد سجن رهيب. فقد اقترن اسم المدينة باسم سجنها، الذي ظل طوال عقودٍ رمزاً للموت والرهبة، وقلما دخل إليه شخص وخرج منه حياً، ولعل أشهر ضحاياه كانت المجزرة التي اقترن اسمها باسم شقيق الرئيس السوري السابق، رفعت الأسد، قائد "سرايا الدفاع"، آنذاك، والتي قتل فيها مئات السجناء من المتهمين بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وذلك إثر محاولة اغتيال فاشلة لرئيس النظام، حافظ الأسد، بداية الثمانينيات.

اقرأ أيضاً:"سكاكين".. تجسيد لمعاناة السوريين واللبنانيين

المساهمون