تجارة رخص المجاهدين... مخالفات قانونية وتلاعب بسوق السيارات بالجزائر

تجارة رخص المجاهدين... مخالفات قانونية وتلاعب بسوق السيارات في الجزائر

10 أكتوبر 2022
وفاة المجاهدين واستمرار سريان وثائقهم من أخطر التجاوزات (العربي الجديد)
+ الخط -

يكشف التحقيق كيف تفاقمت ظاهرة الاتجار برخص وامتيازات خاصة بالمحاربين القدامى في الجزائر والمعروفين بـ "المجاهدين"، إذ يجمع سماسرة رخص استيراد ممنوحة لهم ويعيدون بيعها بشكل غير قانوني للتلاعب بسوق السيارات المستوردة.

- يبدي الستيني الجزائري الطيب قديلة، استعداده لبيع 4 رخص حكومية تتيح اقتناء سيارات معفاة من الرسوم تمنح للمحاربين القدامى والذين يعرفون بـ"المجاهدين"، في مقابل 700 ألف دينار للرخصة الواحدة (أي ما يوازي 5 آلاف دولار أميركي)، بعدما حصل عليها من أصحابها بخمسمائة ألف، ليعيد بيعها بهامش ربح يصل إلى 200 ألف دينار (1423 دولارا).

ويصف قديلة ما يقوم به بأنه تجارة جملة تجعل أسعاره أفضل من غيره، إذ يقتني عددا كبيرا من رخص المجاهدين في ولاية المدية التي يقيم بها وتقع جنوب العاصمة، قائلا في اتصال هاتفي مع معدة التحقيق التي تحدثت معه باعتبارها زبونة أوصلها به وكيل سابق لاستيراد السيارات الصينية، أنه "رغم وجود نقص حاد في الرخص بالفترة الأخيرة، بسبب وفاة عدد كبير من المجاهدين خلال فترة كورونا، وكثرة الطلب عليها من المواطنين الراغبين في امتلاك سيارة من دون دفع الرسوم المقررة والتي تصل إلى 50% من سعرها، إلا أنه قادر على توفيرها عبر علاقاته الواسعة، التي سمحت له ببيع 4 آلاف رخصة طيلة 25 عاما من العمل".

كيف ظهرت تجارة رخص المجاهدين؟

تجدد رخص المجاهدين كل 5 أعوام، وتتضمن امتيازات وإعفاءات ضريبية تمكن أصحابها من اقتناء سيارة معفاة من الرسوم، على أن تكون السيارة غير قابلة للتنازل عنها لمدة 3 أعوام، وفق ما يوضحه عضو المكتب الوطني لمنظمة المجاهدين المناضل ذو الـ 89 عاما، عرباجي محمود، وكذلك رد مكتوب تسلمته معدة التحقيق من المديرية العامة للجمارك.

وتعد رخصة اقتناء سيارة أو ممارسة نشاط تجاري محدد مقابل رسوم مخفّضة تصل حتى 50 بالمائة من سعر السوق ميزة خاصة بالمجاهدين كما يوضح عرباجي قائلا: "في حال عجز المجاهد عن الاستفادة من تلك المزايا الحكومية، يمكنه التنازل عنها لأحد أصوله، أي أبنائه أو أحفاده، بحسب نصوص تنظيمية تتضمنها المادة 37 من قانون المجاهد والشهيد والمعدل عام 1999 بعد إقراره لأول مرة عبر مرسوم رئاسي بعد استقلال الجزائر بمدة وجيزة وتحديدا في عام 1963".

ولا يمكن إتمام عملية البيع دون الاتفاق مع موثّق وهو ضابط عمومي، مفوض من قبل السلطة يتولى تحرير العقود التي يشترط فيها القانون الصبغة الرسمية، كما يوضح قديلة، قائلا: "تكلفة التنازل عن الرخصة لدى الموثق تصل إلى 30 ألف دينار (213 دولارا)"، متابعا: "لا تقلقي، لدي علاقات مضمونة مع الموثق تمكنني من إتمام الأمر دون مخاوف أو مشاكل مع القانون".

لكن التنازل لغير أصول المجاهد يعد مخالفة قانونية بحسب تعليمات مشتركة صادرة عن وزارتي المجاهدين والمالية تحدد الأصول في الابن والابنة أو الحفيد، وذلك بتاريخ 1 إبريل/نيسان 2009، كما يشدّد رئيس الغرفة الوطنية للموثقين (تنظيم مهني معتمد من وزارة العدل) رضا بنونان، وكذلك القاضي السابق بمحكمة باتنة، والمحامي المعتمد لدى المحكمة العليا خميسي عثامنية والذي يصنف المخالفة ضمن فئة التزوير أو تزييف الوكالات، قائلا: "المادة 222 من قانون العقوبات الصادر سنة 2006 تنص على أن كل من قلّد أو زيّف أو زوّر رخصا أو شهادات أو كتابات أو بطاقات أو نشرات أو إيصالات أو جوازات سفر أو تصاريح مرور أو غيرها من الوثائق التي تصدرها الإدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وبغرامة من 1500 إلى 15 ألف دينار ويجوز علاوة على ذلك الحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من حقوق اعتلاء الوظائف السامية والترشح السياسي والمشاركة في الانتخابات والوصاية على غير أولاده".

وأوقفت السلطات 3 موثقين بعد تورطهم في اكتتاب رخص مجاهدين لغير أصولهم وتمت إحالة مخالفاتهم إلى القضاء بين عامي 2020 و2021، بحسب بنونان، والذي قال: "واحدة من المخالفات في الجزائر العاصمة، وتم فصل المتورط فيها عن العمل بعد انعقاد مجلس تأديبي للغرفة الوطنية للموثقين وقضيتين بولاية وهران 400 كم غرب العاصمة، ولا تزالان على طاولة القضاء".

الصورة
انتشار رخص المجاهدين عبر السماسرة

 

انتشار الظاهرة عبر السماسرة

يجري تداول رخص المجاهدين عبر السماسرة، وهم الوسطاء الذين يقتنون عددا كبيرا من الرخص ويعاودون بيعها للزبائن بهامش ربح كبير، في حين لا يستفيد المجاهد إلا بعائد ضعيف، رغم أن القانون يمنع ذلك، كما يرصد الناطق الرسمي لجمعية المجاهدين (مؤسسة أهلية) جمال مروان.

ورصدت معدة التحقيق 8 صفحات على موقع "فيسبوك"، تعلن عن بيع سيارات مستوردة عبر وثيقة رخصة مجاهد، من خلال وسطاء يطلبون أسعاراً عالية، كما يوفّرون خدمات التوثيق بالاتفاق مع مكاتب معتمدة، وتحتفظ "العربي الجديد" بأسمائها، إذ جرى التواصل معهم، وأكدوا إمكانية بيع وشراء الرخص بأي أعداد ممكنة، من بينهم 3 وسطاء أحدهم مقيم بولاية البليدة والآخر بالمدية والثالث بولاية المسيلة جنوب شرقي ولاية الجزائر، ومالكون لغرف عرض السيارات.

ويؤكد الخمسة المعنيون بأنهم يوفرون عملية التوثيق (غير القانونية)، مقابل مبالغ تتراوح بين 20 ألف دينار و30 ألفاً (ما بين 150 و210 دولارات)، وفي حال تنقل الموثق لكتابة العقود خارج الولاية يصل سعر عقد التنازل إلى 60 ألف دينار (420 دولارا)، وهو رقم ضخم بالمقارنة مع قيمة عقد التنازل في التعاملات القانونية والتي تعادل 6 آلاف دينار (42 دولارا)، كما يوضح رئيس غرفة الموثقين.

ويعترف سمسار في ولاية المسيلة (تحتفظ الجريدة باسمه) بقدرته على توفير رخصتي مجاهد للبيع في ظرف أسبوع، والتواطؤ مع موثق ليقنن عملية كتابة العقد، كما يقول وسيط آخر بولاية البليدة إن سعر الرخصة الواحدة يعادل اليوم 750 ألف دينار (831 دولارا).

ويقر صاحب معرض سيارات بولاية سطيف بتوفر سيارات "أودي" و"مرسيدس"  للبيع عبر رخصة مجاهد بسعر أقل بـ 50 بالمائة من سعر سيارة دخلت إلى البلاد دون رخصة مجاهد، قائلا توجد إمكانية لكتابة عقد التنازل لدى الموثق ودفع 30 ألف دينار(210 دولارات)، مؤكدا أنه حتى في حال وفاة المجاهد لديه حلول، بحيث يتفق مع عائلته لضمان استمرار سريان الرخصة، أي عدم التبليغ بإلغائها، لكن بمجرد التواصل مرة ثانية مع ذات المصادر السابقة وإبلاغها بالعمل على التحقيق الصحافي وما سبق وأن ذكرته في تسجيلات صوتية، نفت ممارسة النشاط أو أن لها أي علاقة به.

رخص باسم الموتى

تعد مشكلة وفاة المجاهدين واستمرار سريان وثائقهم، من أخطر التجاوزات التي يتورط فيها سماسرة الرخص، كما يقول المحامي عثامنية، بينما يؤكد الوسيط قديلة أنه يعقد اتفاقا مع عائلة المجاهد، للاستمرار في امتلاك السيارة بنفس الرخصة التي اقتناها، وعدم إلغائها حتى في حال وفاة المجاهد. ويعترف بأنه من إجمالي 4 آلاف رخصة باعها طيلة السنوات الماضية، فإن 50 مجاهدا تعرضوا للوفاة، ولكن لم تنتزع الرخص وإنما واصل مالكها استغلالها بطريقة عادية، وهو ما يؤكده مالك وكالة سيارات (طلب عدم ذكر اسمه)، قائلا إن عملية بيع السيارة لا تبطل حتى في حال وفاة المجاهد، نظرا لأن الاتفاق أثناء حياته يكون معه والعائلة، والرخص قابلة للتنازل من طرف مقتنيها، بشكل طبيعي، لكن لا يمكن التنازل عن الرخصة أكثر من مرتين، أي من المجاهد للوسيط ومن الوسيط للزبون النهائي، وهو ما يتم عبر تفاهم مع الموثق.

ويمكن استيراد السيارات دون رخصة مجاهد ولكن بسعر مضاعف، إذ تفوق الرسوم التي يدفعها المستورد أكثر من 50 بالمائة من قيمة السيارة، وهو ما أدى إلى أن سماسرة رخص المجاهدين صاروا يحتكرون نشاط بيع السيارات الجديدة بحسب رد مكتوب تلقته معدة التحقيق من تجمع وكلاء السيارات الجزائريين وهي منظمة تضم 70 وكيلا متخصصا في استيراد وبيع السيارات.

وجرى استيراد 26 ألف سيارة، عبر رخص المجاهدين وذوي الحقوق خلال العام الماضي، ومن إجمالي العدد السابق، تم تسجيل 50 رخصة مزورة وإحالة الملف للتحقيق لدى مصالح الأمن، بحسب بيانات من المديرية العامة للجمارك حصلت "العربي الجديد" عليها. 

تمّ استيراد 26 ألف سيارة عبر رخص المجاهدين في العام الماضي

ويقول المحامي عثامنية إنه في حال تزوير رخصة المجاهد، تصنف الجريمة باعتبارها جناية ويعاقب عليها القانون بالسجن حتى 20 عاما، مشيرا إلى أن قانون العقوبات الصادر عام 2006 عبر المادة 216 ينص على أنه "يعاقب بالسجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة، ومن مليون إلى 2 مليون دينار، (من 7120 دولارا إلى 14238 دولارا) كل شخص ارتكب تزويرا في محررات رسمية".

ويرد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد رقيبة في إفادة خاصة لـ"العربي الجديد" على هامش فعالية في مارس/آذار الماضي، بأن عدد المجاهدين في الجزائر في تناقص سنة بعد أخرى، مضيفا أنه منذ بداية وباء كورونا سنة 2020 "صرنا نخسر 5 آلاف مجاهد سنويا وهو رقم كبير".

وزير المجاهدين: نمتلك معطيات عن بيع رخص لغير المستحقين

وتابع أن رخص المجاهدين امتياز خاص، منحته الدولة للمجاهدين الذين قدموا الكثير للبلاد، وحتى إن كانت هنالك تجاوزات، أو قضايا استغلال لهذه الرخص، فالدولة لن تسحبها، حفاظا على كرامة وقدسية المجاهدين، الذين هم اليوم على عتبة النهاية، مضيفا: "نمتلك الكثير من المعطيات حول بيع الرخص لأشخاص لا يستحقونها، ولكن اليوم نحن بصدد توديع جيل من المجاهدين ولا يمكن محاسبتهم أو التحقيق معهم بشأن رخص قاموا ببيعها لأنهم عاجزون عن استغلالها"، وأردف قائلا: "وزارة المجاهدين لم ولن تلغي أي رخصة، أما قضايا التزوير، فالجهات الأمنية هي المخولة بالتحري فيها".