تعثر شباب الجزائر... غش تجاري يهدر تمويلاً حكومياًِ كبيراً

تعثر شباب الجزائر... غش تجاري يهدر تمويلاً حكومياًِ كبيراً

الجزائر

إيمان الطيّب

avata
إيمان الطيّب
14 يونيو 2020
+ الخط -
 
تعثرت الوكالة الإشهارية التي أسسها الثلاثيني الجزائري فلاح عبد النور، عام 2013، عبر تمويل الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب (أونساج)، والتي تدعم مشاريع الشباب العاطلين وتحديدا في أعمار تراوح بين 19 و35 عاما، بقروض تصل إلى 80 ألف دولار، ويرجع فلاح سبب فشل مشروعه إلى تعطل الآلات التي ابتاعها بقيمة 5 ملايين دينار جزائري (40 ألف دولار أميركي)، ليؤسس وكالته.

وتضمنت التجهيزات 4 آلات مستوردة من الصين، تستخدم في تصميم وطباعة الملصقات الإشهارية، لكنها لم تعمل سوى 10 أشهر فقط، وتحولت بعدها إلى "خردة"، بعد عجز الخبير الذي أوكله المستورد عن إصلاحها، كما يقول فلاح، والذي اتهم المستورد لمين جويني، الذي باعه المعدات، بالاحتيال، بينما يرفض الأخير اتهامات فلاح، مؤكدا أن الآلات ليست مغشوشة وسبب تعطلها يعود إلى سوء الاستخدام. وتابع: "لا يمكن الحصول على عتاد ذي جودة عالية بمبلغ 40 ألف دولار، والكثيرون حصلوا على التجهيزات نفسها ولم تتعطل".

لم يتوقف الأمر على خسارة فلاح لمشروعه، إذ وجد نفسه أمام مطالب "أونساج" والبنك، لتسديد أقساط القرض الذي بلغت قيمته 6 ملايين دينار (46 ألف دولار)، وتلقى إنذارات من الوكالة والبنك عام 2018، كما تلقى تهديدا بالمتابعة القضائية في 10 مايو/ أيار عام 2019 إذا لم يسددها، كما يروي لـ"العربي الجديد".



فشل 30 ألف مشروع

لم يتوجه فلاح إلى القضاء بسبب عدم امتلاكه تقرير الخبرة الذي يثبت أن العتاد الذي وصله غير مطابق للمواصفات المطلوبة، كما أن عقد وفاتورة الشراء لا يتضمنان أي تفاصيل، ليكتفي بتقديم شكوى لدى الاتحاد الوطني للمستثمرين الشباب، والذي كشف رئيسه رياض طنكة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حادثة عبد النور واحدة من بين 30 ألف قضية رصدها الاتحاد، موضحاً أن عدد مؤسسات أونساج الأخرى التي تمولها الحكومة الجزائرية فاق النصف مليون مؤسسة، بعد 24 عاما من استحداثها، لكن 90 ألف مشروع ممولة من الوكالة تعرضت للفشل، 30 ألفا منها بسبب المعدات المغشوشة وغير المطابقة للمواصفات المطلوبة.



ورغم التمويل الكبير التي تحظى به مشاريع الشباب، إذ بلغت القروض الممنوحة من طرف البنوك والوكالة منذ استحداثها 1200 مليار دينار، أي ما يعادل 10 مليارات دولار، لكن المعدات المغشوشة المستوردة بواسطة تجار جزائريين تؤدي إلى فشل المشاريع، وخاصة أن "أونساج" لا تقوم بالتأكد من مطابقتها للمواصفات المتفق عليها قبل شروع الشباب في استعمالها، بحسب طنكة، الذي يوضح أن معظم المستفيدين من القروض شبان تخرجوا حديثا، ولا يمتلكون الخبرة اللازمة، لذلك يغرقون بالديون ويصبحون مهددين بالحبس عقب فشل مشاريعهم وعجزهم عن تسديد القروض.

ويقرّ المدير العام للإدماج والتشغيل في وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، محمد شرف الدين بوضياف، باحتيال مستوردين على الشباب المستفيدين من قروض "أونساج"، قائلا لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة تجاوبت مع 159 شكوى تقدم بها أصحاب مؤسسات وقعوا ضحايا لهذا التلاعب، وتمكنت من الضغط على المستوردين لجلب المعدات المطابقة، وغالبيتها تخصّ قطاع الأشغال والنقل، وتتضمن شاحنات وزن ثقيل لنقل السلع والمواد الغذائية مع غرف تبريد، ورافعات تستخدم في ورشات البناء وناقلات للإسمنت والرمل، وأجهزة إعلام آلي وسيارات.
 

من هؤلاء الشبان الذين تعرضوا للتحايل محمد ميلايني، الذي استفاد من قرض "أونساج" لتأسيس مشروع لنقل البضائع عام 2014، واقتنى مركبة "فولكسفاغن كرافتر"، وبعد استعمالها لفترة، ظهرت فيها العديد من العيوب، وعلى الرغم من مطالبته بالتعويض من وكيل العلامة، لكنه لم يحصل على شيء.
 
 
 

الأمر نفسه حدث مع فارس بن حملاوي، من ولاية ميلة، شرق الجزائر، والذي تعرض للاحتيال من قبل المستورد الذي سلمه شاحنة تحمل علامة Camion Foton، علماً أنه تقدم بطلب لشراء شاحنة Camion Nacelle، لمشروعه المتخصص في مجال الأشغال العامة والبناء، الممول من طرف وكالة "أونساج"، وكان نوع المركبة وطرازها وصنفها وطولها، كل ذلك غير مطابق للمواصفات التي جرى الاتفاق عليها، كما تم تسليمه ملفاً قاعدياً لا يطابق المركبة، كما كشف له الخبير الذي عاين المركبة.







احتيال من المستورد


يحمّل رئيس جمعية التجار والحرفيين الجزائريين، الطاهر بولنوار، ضعف آليات وقوانين الرقابة على التجارة الخارجية المسؤولية عن تفشي ظاهرة استيراد تجهيزات مغشوشة لمشاريع الشباب الجزائري، مستدركا أن أصحاب المشاريع الممولة من قبل أونساج عليهم مسؤولية كذلك بسبب تعاملهم مع مستوردين مجهولي الهوية، بحثا عن السعر المنخفض على حساب الجودة والنوعية، قائلاً لـ"العربي الجديد": "المعدات المغشوشة موجودة في كل العالم، ولكن الشباب عليه جزء من المسؤولية".



تجربة فلاح و5 آخرون، وثقت "العربي الجديد" قصصهم، تؤكد تفشي الاحتيال من قبل المستوردين الذين يجلبون عتادا أسيويا مغشوشا. ومن بين الضحايا الثلاثينية خولة بلعباس، من ولاية تلمسان، غرب الجزائر، التي استلمت عام 2011 تجهيزات لمشروعها غير مطابقة من حيث العدد المتفق عليه، حين قررت الحصول على قرض من "أونساج" لإنشاء وكالة لتأجير السيارات، لكن وكيل السيارات الذي اتفقت معه على جلب 3 سيارات من الصين، اثنتان منها من نوع هيونداي أكسنت، والثالثة من نوع أتوس، لم يسلمها سوى سيارتين، وأخبرها بأن الثالثة سُلمت لزبون آخر بالخطأ، رغم أن المركبة بقيت مسجلة باسم خولة، كما تروي لـ"العربي الجديد".



وسارعت بلعباس لإيداع شكوى لدى القضاء الذي حكم بتعويضها من قبل المستورد بمبلغ 10 آلاف دينار (78 دولارا)، عن كل يوم ضرر، وذلك على مدى سنتين، بالإضافة إلى تعويض عن الضرر يعادل 3.200 دولار، بإجمالي مبلغ تعويض وصل إلى 50 ألف دولار، لكنها لم تتسلم منه شيئاً.

أما عامرية بن فراج، المقيمة في ولاية سعيدة، غربي الجزائر، فاكتشفت أن المستورد جلب لها معدات تجهيز روضة أطفال مختلفة عما اتفقا عليه، وبقيمة مالية أقل من التي صرح بها المستورد، ما دفعها إلى طلب تغييره، لكن المستورد لم يقم بذلك حتى اليوم.
 
 
 


940 ألف سلعة مغشوشة

تكشف إحصائيات صادرة عن الجمارك الجزائرية عن ضبط 940 ألف سلعة مغشوشة عبر المطارات والموانئ قادمة من دول آسيوية، تورط في تمريرها مستوردون جزائريون خلال الأعوام 2017، و2018، و2019.



ووفقا للإحصائيات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فقد تم حجز 56.564 سلعة مغشوشة في عام 2017، كانت عبارة عن ملحقات للهواتف النقالة وملابس وأحذية وتجهيزات رياضية، ومن بينها 322 من المعدات الصناعية المغشوشة، جميعها قادمة من الصين، وفي عام 2018 تم حجز 339.516 سلعة مغشوشة، تضمنت إكسسوارات للهواتف النقالة وتجهيزات كهرومنزلية، وقطع غيار وأجهزة حاسوب وملحقاتها وألبسة، وخلال 2019 تم حجز 544.718 سلعة، منها 6826 جهازا إلكترونيا مغشوشا، وهي سلع مستوردة في غالبيتها من الصين، تليها بنغلاديش ثم باكستان والهند وماليزيا ودول أخرى.



وتنص المادة 22 من قانون الجمارك لسنة 2002، على إلزامية حجز السلع المستوردة المزيفة، كا توضح رئيسة مكتب التأطير لمكافحة التقليد والغش بمديرية الجمارك نوال نصيب، مشيرة إلى أن الجمارك تتدخل بعد أن يتقدم مستورد السلع بطلب للمديرية العامة للجمارك، يتضمن وصفا مفصلا للمنتج الأصلي وكذلك المقلد مع إبراز الفوارق بينهما.
 
 
 

عقوبات صارمة

ينص القانون الجزائري على عقوبات صارمة بحق كل شخص يخدع المتعاقد في نوعية السلع أو كميتها، كما يوضح المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا عبد الرحمن بن عائشة، وتقضي المادة 432 من قانون العقوبات لسنة 2006 بأن "يعاقب بالحبس من شهرين الى 3 سنوات، وغرامة مالية من عشرين ألف دينار الى 100 ألف دينار (156 دولارا أميركيا وحتى 781 دولارا)، كل شخص يحاول أن يخدع المتعاقد معه، سواء في طبيعة العقد أو في نسبة مقومات السلع من حيث قيمتها أو كميتها أو هويتها".

ويؤكد بن عائشة لـ"العربي الجديد"، أن القانون الجزائري يضمن في مثل هذه الحالات تعويض الشخص الذي تعرض للاحتيال، ولكن يتوجب عليه أن يرفع شكوى كطرف مدني، وتتم بعدها متابعة القضية من قبل وكيل الجمهورية وتفرض العقوبات السابقة على المستورد، وخلال هذه المرحلة من حق الضحية طلب تعويض.

لكن عددا قليلا من المتضررين يلجأون للقضاء، بحسب رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي، إذ استقبلت جمعيته 92 شكوى خلال عامي 2018 و2019، 10% من مقدميها فقط أودعوا شكوى لدى القضاء، بسبب إلزامية تقرير الخبرة، الذي يعجز الضحايا عن توفيره نظرا لعدم إخضاع المعدات والأجهزة المتعطلة عن العمل للفحص لدى الخبير عند استيراده.

لكن الشاب فلاح يعتبر أن على الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب إيفاد خبير من قبلها لمعاينة المعدات المستوردة قبل الشروع في استعمالها، قائلا "معظمنا لا يخضع العتاد المستورد لتقرير الخبرة بسبب ثقته في المستورد وحتى لا يتكبد مصاريف إضافية"، المشاكل السابقة دفعت رئيس الاتحاد الوطني للمستثمرين الشباب لاقتراح تأسيس شركة توزيع حكومية للعتاد والآلات الصناعية عبر مختلف ولايات الوطن للشباب المستفيدين من قروض "أونساج"، بدل التعامل مع مستوردين خواص، بعد ثبوت تورط هؤلاء في تضخيم الفواتير والبيع بأسعار عالية وعدم الالتزام بتزويد الشباب بالعتاد المتفق عليه.