فساد وإهمال في مستشفيات الجزائر...أجهزة طبية معطلة منذ سنوات

فساد وإهمال في مستشفيات الجزائر... أجهزة طبية معطلة منذ سنوات

06 يونيو 2019
تغيب استراتيجية واضحة لصيانة العتاد الطبي في الجزائر(العربي الجديد)
+ الخط -
يتعرض اختصاصي جراحة الأورام السرطانية بمركز بيار وماري كوري الجزائري الحكومي مروان يعقوبي، للحرج في مواجهة مرضاه المحتاجين لإجراء تشخيص عبر جهاز التصوير الومضي Scintigraphy، مع كثرة مرات تعطله وآخرها في يناير/كانون الثاني 2017، ما يجبر المرضى على التوجه للعيادات الخاصة باهظة التكلفة، ومن بينهم الستيني محمد العربي فوزي والذي يعاني من التهاب البروستات، لكنه اضطر لدفع 20 ألف دينار جزائري (167 دولارا أميركيا) في مقابل الفحص المطلوب الذي أجراه في مركز خاص، "بعد أن نصحه مشرف الجهاز في بيار وماري كوري بذلك، إذ يأتي يوميا قرابة 10 من أقرانه مرضى البروستات للسؤال دون جدوى عن موعد إصلاح الجهاز؟!"، كما يقول.

ظاهرة تعطل الأجهزة

تمتلك مشافي الجزائر 2003 أجهزة طبية متخصصا في مجال الأشعة، من بينها 30 جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي (Magnetic resonance imaging)، و207 أجهزة ماسحة متعددة الشرائط (scanner)، و1616 جهاز تصوير ثابتا (fixed radio) و150 جهاز تصوير الثدي الشعاعي (mammography)، وفق مديرة العتاد الطبي في وزارة الصحة فاطمة الزهراء إسماعيل. إلا أن ظاهرة تكرار تعطل بعض هذه الأجهزة تحديدا، لفترات طويلة تتسبب في معاناة كبيرة، وفق ما وثقه معد التحقيق في خمسة مستشفيات، هي مستشفى مصطفى باشا، وبارني بحسين داي، وسليم زميرلي في الجزائر العاصمة، ومستشفى قسنطينة شرقا، ومستشفى محافظة البويرة جنوبا، والتي حصر تعطل 6 أجهزة فيها منذ عام 2016 وحتى يناير/كانون الثاني 2019.


يقول الدكتور محمد طايلب رئيس تنسيقية الأطباء المقيمين والذي يعمل في مستشفى مصطفى باشا، إن جهاز ماسحا متعدد الشرائط (scanner) معطل منذ العام 2016 وجهاز التنظير الداخلي Endoscopy توقف في عام 2018، مضيفا أن الأطباء يتعرضون لحرج مع المرضى، الذين يحملونهم مسؤولية عدم توفر الأجهزة. لكن يمينة بيدار مديرة الصيانة بمشفى مصطفى باشا، ترجع المشكلة إلى وجود نقص في عمال الصيانة، قائلة لـ"العربي الجديد": "المصلحة كانت تضم 20 عامل صيانة في العام 2000، وتقلص هذا العدد تدريجيا في 2019 إلى عاملين فقط، بسبب نقص التكوين في هذا المجال، ما يحول دون التكفل بصيانة كل العتاد"، مضيفة أن مستشفى مصطفى باشا فيه 6 آلاف جهاز طبي تتنوع بين أجهزة بسيطة كمقياس ضغط الدم phygmomanometer ومقياس السكري Glucose meter وأجهزة تستعمل في المخابر للتحاليل، وأجهزة أكثر تعقيداً تستعمل في مجالات مختلفة من بينها التصوير بالأشعة.

وتأخرت إدارة مستشفى بارني بحسين داي في شراء قطع جهاز غسل الكلى (dialysis) الذي تعرض لأعطاب متكررة في العام 2018 بسبب ضعف المخصصات المالية بحسب تأكيد البروفيسور طاهر ريان رئيس مصلحة أمراض الكلى بالمستشفى لـ"العربي الجديد"، فيما توقف جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي MRI في مستشفى سليم زميرلي منذ يناير 2019. لكن إدارة المستشفى وعدت بإصلاحه وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" إلياس رايس الطبيب العامل في المشفى.

وتؤكد أخصائية الإنعاش والتخدير في مستشفى قسنطينة، الدكتورة إيمان بومدايس أن جهاز تصوير الثدي الشعاعي معطل منذ يناير 2019 لكنها تقول لـ"العربي الجديد" إن إدارة المشفى أعلنت بأن عملية إصلاح الجهاز ستتم قريبا.



فساد في القطاع الطبي

شابت قطاع الصحة في الجزائر، اتهامات بالفساد والمحسوبية في صفقات شراء المعدات الطبية، وفق نائب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد محفوظ بدروني، والذي سبق له أن شغل منصب نائب مدير معهد باستور الجزائر للتحاليل الطبية التابع لوزارة الصحة. يقول بدروني لـ"العربي الجديد" إن "صفقات شراء أجهزة لمراكز مكافحة السرطان كانت لصالح رجل الأعمال والرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات علي حداد (موجود رهن الحبس المؤقت بتهم فساد)، وهو ما أكده سليم بلقسام المستشار الإعلامي لوزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات السابق عبد المالك بوضياف والذي قال لـ"العربي الجديد": "في 2013 تعاقدت الوزارة مع شركة فاريون الأميركية وشريكها في الجزائر حداد بحكم القاعدة الاقتصادية 51/49 التي تعطي الشريك الجزائري امتلاك نسبة 51 بالمائة من أصول الاستثمار الأجنبي وفق المادة 58 من قانون المالية التكميلي الصادر في الجريدة الرسمية 26 يوليو/تموز 2009، التي تنص على أنه (لا يمكن إنجاز الاستثمارات الأجنبية إلا في إطار شراكة تمثل فيها المساهمة الوطنية المقيمة نسبة 51% على الأقل من رأس المال الاجتماعي، ويقصد بالمساهمة الوطنية جمع عدة شركاء).

ويتمثل العقد في شراء معدات طبية فقط دون صيانتها، لأن الأهم في ذلك الوقت وفق بلقسام هو إدخال الأجهزة الطبية التي كان المرضى بحاجة لها، ما جعل أجهزة مثل السكانير تتعرض لأعطاب بعد سنة من تشغيلها لافتقادها الصيانة. لكن في 2014 تم عقد مجلس وزاري خلص إلى ضرورة اشتراط الصيانة في العقود، لكن تم تهميش هذا الجانب وعدم احترام العقود" كما يقول. ويؤكد الدكتور محمد مبتول، مؤسس أنثروبولوجية الصحة في الجزائر إن هناك مركزية في شراء المعدات للمستشفيات، إذ إن وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، تحتفظ بصفقات الشراء على مستواها الضيق، دون فتح المجال لشركات أخرى من خلال مناقصة مفتوحة، ما يفسر وفق نائب رئيس جمعية مكافحة الفساد محفوظ بدروني حصول حداد وشريكه الأجنبي (شركة فاريون الأميركية) على الصفقات.


ويرد خالد بورايو محامي علي حداد، قائلا إن موكله كان يشارك في صفقة شراء معدات طبية بشكل عادي ويفوز، مضيفا أن شريكه (فاريون الأميركية) شركة عالمية مشهورة في مجال تجهيزات العتاد الطبي.

وجرى تقديم علي حداد يوم 2 إبريل/نيسان 2019 أمام قاضي التحقيق في محكمة بئر مراد رايس، الذي حوله للحبس الاحتياطي بالحراش في العاصمة، موجها له تهم مخالفة قوانين الصرف وتهريب الأموال ولا علاقة لها بالأجهزة الطبية وفق المحامي بورايو.



إجراءات بيروقراطية

عانى الدكتور محمد عدوان في مستشفى محافظة البويرة، كثيرا من تعطل جهاز ماسح متعدد الشرائط (scanner) منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، رغم أن هذا الجهاز هو الوحيد على مستوى المصلحة، والجميع مجبرون على التوجه للعيادات الخاصة، قائلا: "يحزنني ذلك، هناك عائلات فقيرة ولا تملك المال اللازم". وقبل إصلاح هذا الجهاز في يناير 2019، بحسب الدكتور عدوان، اضطرت الأربعينية فاطمة الزهراء (من محافظة البويرة) التي تعاني من آلام في الرقبة لإجراء كشف بالأشعة في عيادة خاصة بمبلغ 20 ألف دينار جزائري"، كما قالت لـ"العربي الجديد".

ويعزو البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي (منظمة غير حكومية) تعطل الأجهزة الطبية لغياب الصيانة، وهو ما يؤكده البروفيسور كمال بوزيد رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة السرطان، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن "الضغط على أجهزة التصوير يحصل بسبب كثرة المرضى، فضلا عن احتياج هذه العتاد لتغيير قطع الغيار خلال فترات مختلفة، وهو ما يؤدي لتعطلها في ظل غياب الصيانة السنوية". ويضيف خياطي أن الأجهزة التي توقفت عن العمل، نتيجة تعرضها لأعطاب، أبرزها أجهزة التصوير بالأشعة بجميع أنواعها.

وتبرز إلى جانب غياب الصيانة للأجهزة المعطلة، كثرة الاستعمال وعدم توفر قطع غيار، والكلفة المالية لبعض القطع، ما يؤخر استيرادها، فضلا عن الإجراءات البيرقراطية بحسب بيدار، التي ضربت مثالا بأنبوب أشعة السينية (إكس راي) الذي يشتغل به جهاز سكانير البالغ ثمنه 15مليون دينار جزائري (125 ألف دولار)، لكن إحدى الشركات تأخرت في جلبه للمشفى لمدة ستة أشهر كما تقول.



غياب استراتيجية صيانة العتاد الطبي

تغيب استراتيجية واضحة لصيانة العتاد الطبي في الجزائر، رغم استحداث مديريات صيانة، وفق مرسوم تنفيذي رقم 07/140 مؤرخ في 19 مايو/أيار 2007 في الجريدة الرسمية، تضمن إنشاء المشافي الحكومية وتنظيمها، وتنص المادة 21 من هذا المرسوم، على وجود مديرية لصيانة العتاد تقوم بتوفير سلامة الأجهزة، لكن ذلك لم يحدث وفق ما وثقه التحقيق، وهو ما ترد عليه المكلفة بالإعلام في وزارة الصحة، جويدة خمخوم، قائلة إن "الشركات التي تزود المستشفيات الجزائرية بالعتاد الطبي المخصص للتصوير بالأشعة والأجهزة المهمة هي المسؤولة عن عمليات الصيانة الفورية، في حين أن العتاد الصغير يخضع لمسؤولية مديريات الصيانة عن إصلاحه".


وتؤكد خمخوم لـ"العربي الجديد" أن توقف كل هذه الأجهزة سببه عدم توفر قطع الغيار محليا وتأخر مستوردي العتاد في جلبها، لكنها لا تنفي مسؤولية المستشفيات عن الصيانة السنوية التي يحتاج لها العتاد الطبي. وتمنح وزارة الصحة الجزائرية ترخيص استيراد الأجهزة الطبية، كما تعاين في الوقت ذاته شهادة مطابقة العتاد الطبي للمعايير العالمية المرفقة مع الجهاز، وهو ما يصفه الدكتور الياس مرابط رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية بـ"الخطأ التقني" إذ يجب أن تعاين جهة متخصصة في النواحي الهندسية الطبية مدى مطابقة الأجهزة للمعايير العالمية، لافتا إلى أن الشركات المستوردة ملزمة بتقديم شهادة خبرة في مجال استيراد المعدات وشهادة عن الجودة والمطابقة للمواصفات والمعايير القياسية، إضافة إلى توفير عمال صيانة لدى الشركة والتدخل في أول يوم يحصل فيه عطب للعتاد حتى لا تتعرض الأجهزة للتوقف كما تؤكد يمينة بيدار.