تونس: متاعب الصيد تتفاقم مع ازدياد الانتقادات من ائتلافه

تونس: متاعب الصيد تتفاقم مع ازدياد الانتقادات من ائتلافه

30 ابريل 2016
السبسي والغنوشي أبرز داعمين للصيد (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد خافياً على أحد أن الائتلاف الحاكم في تونس يمر بأزمة جدية على الرغم من التظاهر بالوحدة والتماسك. وفيما لا يزال رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، مصراً على الاستمرار في قيادة حكومته الائتلافية، إلا أن ذلك لا يعني أن الجسم معافى والحالة طبيعية. فجهود الصيد منصبة على التقليل من تداعيات الخلافات القائمة على العمل الحكومي، سواء بين الأحزاب الحاكمة، أو داخل كل حزب. ويخشى الصيد أن تتسرب المياه إلى مركب الحكومة فتغرقه، ولهذا يحاول وضع الحواجز لتأخير لحظة الغرق.
وتمثّلت آخر موجة قوية تلقتها سفينة الحكومة، في البيان الذي صدر عن كتلة حزب "نداء تونس" النيابية. هذا البيان تضمّن رسالة واضحة تؤكد عدم رضا الحزب الحاكم الرئيسي، الذي اختار الصيد، عن أداء الحكومة، إذ دعت الكتلة الحكومة إلى "إعادة ترتيب أولوياتها والتحلي بالشجاعة وسرعة الحسم"، وذلك من خلال "الانحياز إلى الجهات (المناطق) الداخلية والمناطق المهمشة، وخلق مشاريع للعمل وتفعيل البرامج ذات المردود السريع والمباشر"، كما عليها "أن تقنع على أرض الواقع بأنها في قيادة حرب على البطالة، لإعادة الأمل لشباب تونس العاطل عن العمل خصوصاً أصحاب الشهادات العليا"، وفق بيان الكتلة.
وجاءت هذه الرسالة في ظرف صعب ومعقد، يشهد نسقاً تصاعدياً للتحركات الاحتجاجية في العديد من المناطق التونسية، إلى جانب الاشتباك المتواصل بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة الحبيب الصيد بسبب أكثر من ملف. وقد بلغ الأمر حد مطالبة كاتب عام نقابة التعليم الثانوي، لسعد اليعقوبي، بإقالة وزير الصحة، سعيد العايدي، وإعادته إلى فرنسا حيث كان يقيم قبل عودته إلى تونس، بحجة أن أداءه ضعيف. كما عبّر الأمين العام لاتحاد الشغل، حسين العباسي، عن رفضه القاطع لمن ينتقدون الاتحاد، في إشارة منه إلى أطراف رسمية وإعلامية. لكن ما أزعج رئيس الحكومة هو أن يجد الحزب، الذي أتى به إلى السلطة، وهو يتخذ منه مسافة في هذا الوضع الصعب.


كما لم يعد يخفى أيضاً أنه حتى داخل حزب "نداء تونس" توجد أصوات تطالب بتغيير رئيس الحكومة، واستبداله بشخصية أخرى قد تكون من الحزب، وبالتالي فإن حجم الاعتراض على الصيد يتزايد داخل محيطه الضيق، وهو أمر قد ترتفع مؤشراته خلال الفترة المقبلة.
من جهة أخرى، يبدو أن حزب "آفاق تونس" لم يعد مرتاحاً لأسلوب الحبيب الصيد في إدارة الشأن الحكومي، وهو ما يفسر تعدد مواقفه، التي لا يلتزم فيها بتوجّهات الحكومة وتعليمات رئيسها. وبدا هذا الحزب وكأنه نواة مستقلة عن الآلة الحكومية، إلى درجة عدم التصويت في البرلمان على مشروع قانون حساس جداً يتعلق بالبنك المركزي. وفي هذا السياق أصبح من الوارد جداً أن يترك حزب "آفاق" الائتلاف الحاكم، سواء برغبة منه أو بطلب من رئيس الحكومة أو بقية الأحزاب الثلاثة الشريكة في السلطة.
وحتى داخل الأسلاك الأمنية، يوجد لغط حول عدم رضا بعضها على الصيد. ولا يزال التونسيون يتذكرون أصوات بعض الأمنيين، الذين شاركوا في الوقفة الاحتجاجية في ساحة القصبة، وطالبوا برحيل رئيس الحكومة. وعلى الرغم من أن الأمنيين عموماً لا يزالون مصرّين على عدم الزج بهم في المجال السياسي، إلا أن هناك من أراد أن يستعمل البعض منهم لإرباك الحكومة والدفع نحو إسقاطها.
أما الطرفان الوحيدان اللذان لا يزالان يعبّران باقتناع عن تمسكهما بالحبيب الصيد، فأولهما هو رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، الذي عزز فريقه الاستشاري اقتصادياً وسياسياً استعداداً منه لاتخاذ القرار المناسب، عندما يصبح لا مفر من اقتراح البديل. أما الطرف الثاني فهو رئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، الذي يتعرض لضغوط عديدة من داخل حزبه ومن خارجه، من دون أن يصدر منه ما من شأنه أن يجعله يتخلى عن الصيد في غياب الشخص، الذي يمكن أن يملأ الفراغ، وفي الوقت نفسه لا ينقلب على الحركة. وفيما يبقى لكل منهما حساباته وسياقه الخاص، إلا أن ذلك لا يزال يمثّل ضمانة رئيسية لاستمرار الحكومة، على الرغم من العديد من ثغراتها وتعثراتها. لكن هذا الدعم قد لا يستمر طويلاً إذا لم يتمكن الصيد من تحقيق نتائج ملموسة، في أكثر من ملف. ولا يُعرف إذا كان الأخير سيتمكن من تحسين أداء الحكومة، خلال الأشهر القليلة الموالية، وإلا فإن رحيله قد يُحسم نهائياً في الخريف المقبل.

المساهمون