مشاورات الساعات الأخيرة حول مصير الحكومة التونسية: القرار مؤجّل

مشاورات الساعات الأخيرة حول مصير الحكومة التونسية: القرار مؤجّل

05 سبتمبر 2018
لم يتوصّل الحزبان الرئيسيان لقرار مشترك بشأن الشاهد(فرانس برس)
+ الخط -
تشهد العاصمة التونسية منذ يومين تحرّكات مكثّفة بين الأطراف السياسية والاجتماعية المؤثرة لحسم مسألة رحيل الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، من عدمه. وفي هذا الإطار، حصلت لقاءات بين الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، ثمّ لقاء بين السبسي وأمين عام "الاتحاد العام التونسي للشغل"، نور الدين الطبوبي، فضلاً عن لقاءات داخل الأحزاب ذاتها لمناقشة ما دار في هذه الاجتماعات. وألقت الأزمات الأخيرة بظلالها على هذه الاجتماعات، خصوصاً إقالة وزير الطاقة خالد قدور ومعاونيه، بما حملته من رسائل واضحة للسبسي والنقابيين في الوقت نفسه، وكذلك أزمة الباخرة التي تقلّ مئات التونسيين المهاجرين العائدين إلى أوروبا بعد إجازة الصيف بعد أن منعهم إضراب العاملين في الشركة التونسية للملاحة من السفر، وأيضاً ما ظهر من صراع مباشر بين الشاهد واتحاد الشغل وتلويح الأخير بالإضرابات.

وأصبحت مواقف هذه الأطراف معلنة وواضحة وخرجت عن تحفّظها المعهود وتلميحاتها بنصف كلمات حول بعض الملفات، إذ أعلن "اتحاد الشغل" صراحة عن رفضه الاتهامات التي وجهها الشاهد إلى الوزير، ابن العائلة النقابية الموسعة، وكتب على صفحته الرسمية بوضوح "لم تكذب فراستنا ومعرفتنا بنزاهة ووطنية السيد خالد بن قدور… آن الأوان أن يتوقّف العجز والارتجال والتآمر". وجاءت إقالة قدور لتوجّه أيضاً رسالة واضحة إلى عائلة السبسي مباشرة، بعد إقحام شقيقه المحامي صلاح الدين السبسي، في هذه القضية أيضاً، وهو ما يعتبره الرئيس استهدافاً مباشراً له ولعائلته من قبل الشاهد.

وترجّح مصادر مطلعة أن تتواصل حرب الملفات بين أطراف الصراع، فيما كشفت جهات حزبية لـ"العربي الجديد" أنّ حسم بقاء الشاهد من عدمه على رأس الحكومة، هو رهن إجماع داخل الحزبين الكبيرين، "نداء تونس" و"النهضة"، إذ تكفّل مجلس شورى "النهضة" بملف الشاهد منذ أعلن أخيراً أنّه رهن إعلانه عدم الترشّح للانتخابات المقبلة، وهو ما يعني ضمنياً سحب الملف من الإدارة الفردية للغنوشي. ورأت الجهات الحزبية أنه "إذا تعهّد الشاهد فعلاً بذلك، فلن يكون بإمكان الحزب التراجع عن موقفه الذي أعلنه للجميع، ولن يكون ذلك متاحاً لأنه سيضعف صورة الحزب وسيضرب مصداقيته ومصداقية مؤسساته، وسينعكس ذلك على الداخل الحزبي ويقود إلى صراعات داخلية، خصوصاً أنّ أطرافاً عدة داخل النهضة تنادي بضرورة القطع مع القرارات الفوقية ودمقرطة الحزب واحترام مؤسساته. ويعني ذلك أنّ إمكانية تغيير الغنوشي موقفه من الشاهد لن تكون كفيلة وحدها بتغيير موقف الحزب، وسيجد نفسه في موقف محرج أمام تيارات داخل النهضة، بعضها ينتصر صراحة لبقاء الشاهد ويدافع عنه بكل قوة.


أمّا داخل "نداء تونس"، فالأمر نفسه يتكرّر، حيث ينقسم الحزب بين مؤيدين لبقاء الشاهد ومعارضين له، وبين منتصرين بشكل قطعي للرئيس السبسي وبين آخرين متشككين. ولذلك جاء إعلان اجتماع ليلة أوّل أمس الإثنين، ليؤكّد في بيان مقتضب جداً أنّ الوزراء والقيادات المجتمعة "يؤكّدون التفاهم اللامشروط حول الرئيس المؤسس للحركة، رئيس الجمهورية الأستاذ الباجي قائد السبسي الضامن الأساسي لاستقرار الدولة"، معلناً "تفويض أعضاء الحكومة لقيادة الحزب لاتخاذ القرارات السياسية المناسبة في ما يتعلّق بالمسألة الحكومية".

وتعليقاً على النقطة الأخيرة، اعتبرت مصادر مطلعة في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ هذا الإعلان "يعني تلويح الحزب بآخر أوراقه لإسقاط الحكومة وإجبار الشاهد على التوجّه من جديد إلى البرلمان لنيل الثقة، ما يعكس نوعاً من الريبة في ما يتعلّق بموقف النهضة من هذا الأمر". وأكّدت المصادر ذاتها أنّ هذا الأمر يعني بالضرورة "عدم توصّل الحزبين إلى قرار مشترك بشأن الشاهد، وأنه تلويح صريح بعزل النهضة والشاهد، إذا أصرّت الحركة على بقائه وحسمت مؤسساتها هذا الأمر".

ولفتت المصادر إلى أنّ هناك جهات كثيرة داخل "النهضة" تدفع لوضع حدّ لتوافق السبسي والغنوشي، بعضها بهدف الدفاع عن الشاهد، وأخرى لإضعاف الغنوشي نفسه داخل الحزب والحدّ من سلطته، وتولّي المؤسسات رسم القرارات المهمة، في ما يبدو أنّه تواصل لصراع الخلافة واستعداد لمرحلة ما بعد الغنوشي. إلى ذلك، ترى جهات أخرى داخل الحركة أنّه لا بديل من التوافق في مرحلة التأسيس الديمقراطي لضمان حدّ أدنى من الاستقرار السياسي الهشّ الذي يمكن أن يسقط في أي لحظة، معتبرةً أنّ وضع الركود السياسي وتوقّف مؤسسات الدولة منذ تعليق العمل بوثيقة قرطاج، يؤكّدان أنّه لا بديل في المرحلة الحالية من هذا الخيار.

ويبدو أنّ لقاء الغنوشي والسبسي أول أمس، والذي شهد تأكيداً لعودة التوافق، بلسان الغنوشي نفسه، شهد أيضاً بعض الخلافات حول نقاط عدة. ويبدو أنّ السبسي يرى أنه لم يعد هناك مجال لأنصاف الحلول في ما يتعلّق بالشاهد الذي أصبح يستهدفه وعائلته بشكل مباشر، وأنه على "النهضة" أن تخرج من وضع التردّد في هذا الشأن، وتتّخذ قراراً واضحاً ونهائياً.

ويبقى السؤال متعلقاً بالغنوشي نفسه وقدرته على إقناع مؤسسات حزبه بهذا الخيار، وسط معارضة صريحة لتحمّل تداعيات معارك "نداء تونس" وصراعاته، بينما يتعدى الأمر مجرّد خلافات حزبية، على قوتها وضراوتها، إلى وضع الانتقال الديمقراطي نفسه ومصير التجربة التونسية برمتها، وسط وضع إقليمي يزداد تدهوراً ووضع داخلي تتزايد صعوباته الاجتماعية والاقتصادية، مع تزايد المخاوف من سيناريوهات بديلة قد تبدد أحلام الجميع.

المساهمون