أزمة الجزائر بين حكم العسكر والفساد

أزمة الجزائر بين حكم العسكر والفساد

31 اغسطس 2016
سوق في الجزائر (Getty)
+ الخط -

تعد واحدة من أكبر الدول إنتاجاً وتصديراً للغاز، حيث تمتلك واحداً من أكبر احتياطيات الغاز في العالم وبما يعادل 30 ألف مليار متر مكعب، لديها احتياطي ضخم من النفط يقدر بحوالي 4 مليارات طن، وهو ما يفوق احتياطيات بعض الدول الخليجية النفطية.

تمتلك أيضاً احتياطات من الطاقة لمدة تزيد عن 54 سنة، لديها ثروات طبيعية لا حصر لها، تمتلك كذلك مناجم ضخمة للمعادن معظمها في الجنوب، لديها احتياطي ضخم من النقد الأجنبي تجاوز في بعض الأوقات 200 مليار دولار، تتوفر على واحد من أكبر الاقتصادات في أفريقيا، يقدر الدخل القومي لها بأكثر من 183 مليار دولار، حسب أرقام 2011.

تمتلك كذلك احتياطات كبيرة من الجبس والحجر الجيري والرمال والطين والإسمنت، تصنف على أنها أكبر بلد أفريقي وعربي من حيث المساحة، والعاشر عالمياً، والأهم من ذلك امتلاكها إمكانيات سياحية هائلة، خاصة الشاطئية، لامتداد سواحلها على البحر المتوسط، وكذا الكثير من الآثار لمرور حضارات عريقة بها.

والأهم من ذلك امتلاكها كوادر بشرية محترفة وأيدٍ عاملة رخيصة في كل المجالات، إضافة لفرص استثمارية لا حدود لها في كل القطاعات، بداية من البنية التحتية ونهاية بمشروعات إنتاج الطاقة.

ورغم ذلك يعيش مواطنو الجزائر أوضاعا اقتصادية ومالية ومعيشية صعبة، فهناك ارتفاعات قياسية في الأسعار، وبات المواطن الجزائري غير قادر على مواجهة أعباء الحياة، والبطالة تتفاقم في المجتمع، خاصة بين الشباب الذين يندفع المئات منهم هرباً نحو أوروبا لعله يجد بها فرصة عمل لا يجدها في بلاده حتى لو كلفته هذه الفرصة حياته والموت غرقاً.

وتشهد البلاد معدلات فقر مرتفعة، والعملة الوطنية (الدينار الجزائري) تتراجع بمعدلات سريعة مقابل الدولار، والبنية التحتية متدهورة، وهناك أزمة إسكان حادة.

وفي المقابل، ورغم كل هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطن الجزائري، تتوسع الحكومة في سياسة زيادة الضرائب والجمارك، وتوقف تنفيذ مشروعات كبرى يحتاجها المواطن والاقتصاد تحت بند ترشيد الإنفاق العام، كما تضع قيوداً شديدة على الواردات بحجة علاج عجز الميزان التجاري وتخفيف الضغط على سوق الصرف وزيادة إيرادات الدولة.

كما رفعت الحكومة أسعار الوقود منذ بداية العام الجاري، وتعتزم فرض رسوم ضريبية أخرى في الموازنة الجديدة، مع البحث عن مصادر تمويل جديدة للخزانة العامة التي تشهد عجزا يتوقع أن يصل إلى 30 مليار دولار بنهاية العام الجاري 2016.

وأجبر تهاوي أسعار النفط الحكومة كذلك على توديع فترة "البحبوحة المالية" والإنفاق غير المدروس، والسحب السريع من احتياطي البلاد الخارجي وتسييل بعض الأصول الاستثمارية، مع فرض قيود شديدة على الإنفاق العام، ورفع الرسوم داخل المؤسسات الحكومية.

ودفعت هذه التطورات الخطيرة البنك الدولي قبل أيام إلى إطلاق تحذير شديد لحكومة الجزائر، والتأكيد أن الاقتصاد الجزائري في انتظار "مرحلة عسيرة" في المدى القريب، تنهار فيه احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي لتصل إلى 60 مليار دولار فقط في العام 2018، أي في غضون أقل من عامين، مقابل 194 مليار دولار في العام 2013.

ما الذي أوصل البلاد لهذه الحالة المتردية رغم كل هذه الإمكانيات؟

نعم، تهاوي أسعار النفط لعب دورا في الأزمة الحالية بالجزائر، لكن الأزمة الأكبر تكمن في اجتماع حكم العسكر، الذي يحكم البلاد من وراء ستار، والفساد اللذين حالا دون استفادة الجزائر من فترة الرخاء الاقتصادي ومواردها المالية الضخمة وتدفق مليارات الدولارات عليها في ذروة ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية.

فالصحف الغربية تتحدث عن الصفقات والعمولات الضخمة التي يحصل عليها العسكر سواء الحاليين أو السابقين من تجارة كل شيء، بداية من السلاح والطيران وحتى الغذاء والقمح.

وعندما نتحدث عن الفساد فإن من أبرز مؤشراته احتلال الجزائر ترتيباً متقدماً في مؤشر الفساد للعام 2015 الذي كشفت عنه منظمة الشفافية الدولية، والكشف عن فضائح من عينة فضيحة رجل الأعمال عبد المؤمن خليفة، وفضيحة سونطراك البترولية التي تعتبر من أكبر شركات المحروقات في العالم، وتؤمّن 98% من عائدات الجزائر من العملات الصعبة، والمتهم فيها وزير النفط السابق، وفضيحة الطريق السيار شرق - غرب التي يحاكم فيها 16 شخصا و7 شركات أجنبية متهمة بالرشوة وغسل الأموال وتبديد المال العام.

المساهمون