المناقصات الحكومية تعرّض شركات تونس للإفلاس

المناقصات الحكومية تعرّض شركات تونس للإفلاس

02 فبراير 2017
الحكومة تتأخر في سداد مديونياتها للشركات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال المناقصات الحكومية بالرغم من كل التحصينات التشريعية التي قامت بها الحكومة التونسية، محل تشكيك ونقد من قبل المساهمين فيها، بسبب ما يشوبها من تعقيدات أدت إلى تفشي الفساد وعزوف الشركات الكبرى عن المشاركة فيها. 

وينتقد مستثمرون تونسيون ومنظمات الأعمال المناقصات الحكومية، مؤكدين أن طول إجراءات سداد مستحقات الشركات التي تنجز المشاريع الحكومية أدى إلى إفلاس العديد منها ودخول أخرى في صعوبات مالية مرهقة.

وتمثل المناقصات الحكومية رافداً من أهم روافد التنمية، نظراً لتأثيرها المباشر على الاستثمار والتشغيل إضافة لكونها تشكل الوسيلة المثلى لتدخل الدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.

وتكتسب المناقصات الحكومية أهميتها من حجم النفقات التي تخصصها الدولة لإجرائها، حيث يذهب ما بين 13% و17% من الناتج المحلي الإجمالي للنفقات الاستثمارية وهو ما يمثل تقريبا 40% من الميزانية العامة للدولة.
وحذّر رئيس كونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" طارق الشريف، من تداعيات تأخير سداد مستحقات الشركات الحاصلة على صفقات حكومية، مؤكدا أن طول إجراءات السداد التي تصل إلى أكثر من سنتين أحيانا ستؤدي إلى إفلاسها واضمحلالها.

وأضاف الشريف في تصريح لـ "العربي الجديد" أن مؤسسات كثيرة فازت بصفقات لتزويد مؤسسات حكومية وإنشاء بناءات منذ سنة 2014 لم تتحصل على مستحقاتها، مما ضاعف فاتورة ديونها لدى المصارف، مشيرا إلى أن أغلب المؤسسات تقترض من المصارف لتمويل المشاريع التي تفوز بها، غير أن تأخير الحصول على مستحقاتها من قبل الدولة يجعلها تسدد هذه الديون دون تحقيق أي أرباح تذكر.

وأشار رئيس كونفدرالية المؤسسات إلى أن طول إجراءات سداد المستحقات يساعد على تفشي الفساد في المرافق العمومية، مؤكدا أن الشركات تضطر لدفع رشى وعمولات للحصول على مستحقاتها في غياب أي مقاييس وآجال واضحة للسداد.
ووفق بيانات رسمية، تتوزع المناقصات الحكومية إلى 3 أصناف رئيسية هي: الصفقات الخاصة بالأشغال وتمثل 37% من مجموع المناقصات و53% خاصة بالخدمات والتزود و10% خاصة بالدراسات.

أما من حيث مبالغ الصفقات، فتحتل صفقات الأشغال المرتبة الأولى بنسبة 52% وصفقات التزود بخدمات ومواد 46% وصفقات القيام بدراسات لفائدة المشترين العموميين 2%.

ويقول ممثل مؤسسة مختصة في تزويد المستشفيات بالغازات الطبية والصناعية، أن الشركة تواجه صعوبات لتحصيل مستحقاتها التي تناهز خمسة ملايين دولار من المستشفيات العمومية، مشيرا إلى أن المؤسسة التي تمثل المزود الأول للمستشفيات بهذه المادة لم تعد ترغب في المشاركة في مناقصات جديدة.
وأضاف المتحدث الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن المؤسسة لا تواجه مثل هذه الصعوبات لدى تعاملها مع القطاع الخاص، لافتا إلى أن المصحات التي يتم تزويدها بالغاز الطبي تسدد مستحقاتها في أجل لا يتجاوز 60 يوما مقابل فترة سداد تفوق السنتين في القطاع العمومي.

ويشير الخبراء المختصون في المناقصات إلى أن الشركات التي لا تحصل على مستحقاتها مقابل المناقصات العمومية التي فازت بها، تدخل في دوامة البحث عن حلول لتحصيل أموالها، مؤكدين أن دفع الرشى والعمولات من أكثر الحلول التي تلجأ لها الشركات، وهو ما خلق شبكات فساد داخل القطاع الحكومي من الصعب كشفها أو السيطرة عليها.
وقال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، في تصريحات إعلامية، إن الفساد في الصفقات العمومية يكلف الدولة ملياري دينار (900 مليون دولار) سنويا.

وأشار رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أول من أمس، إلى أن الهيئة أحالت نحو 120 ملف فساد إلى القضاء، وأن هذا الفساد الذي تم تسجيله بالأساس وقع في الصفقات العمومية.
وأوضح الطبيب أن المنظومة الفاسدة هي تلك التي يُقصد بها المنظومة التشريعية والتنظيمية التي تحمي في أغلب الأحيان الفاسدين ونهب المال العام، مؤكدا أن معظم المؤسسات العمومية شملها الفساد.

وبالرغم من الانتقادات الكبيرة التي تواجهها الصفقات العمومية تسعى الحكومة إلى الرفع من حجم المؤسسات المتوسطة والصغرى في المناقصات العمومية، معتبرة أن اقتصار المشاركة على المؤسسات الكبرى لا يساعد على تنشيط الحركة الاقتصادية بالقدر الكافي ولا يمنح المؤسسات الصغرى والمتوسطة من الاستفادة من المناقصات.

وتصف الحكومة مشاركة المؤسسات المتوسطة والصغرى في المناقصات الحكومية بالضعيفة جدا مقارنة بدول أوروبية، حيث تصل النسبة في دول مثل فرنسا وإيطاليا إلى 80%، مؤكدة مواصلتها لجملة الإصلاحات التي تحد من حجم الفساد في هذا المجال.

وحذر البنك الدولي في تقارير سابقة من أن حجم الفساد يظل مصدر قلق كبير في تونس، فيما تتابع جمعيات معنية بالشفافية المالية ومقاومة الفساد بقلق ارتفاع منسوب الفساد بعد الثورة، خاصة الفساد داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها، فيما خفضت منظمة الشفافية الدولية ترتيب تونس في مؤشر الفساد لعام 2015، حيث جاءت في المركز 76 من بين 168 دولة مسجلة تراجعاً بثلاث مراتب مقارنة بعام 2014.