"تويتر" بإشراف إيلون ماسك: حرية أكثر أم عنف أشد؟

"تويتر" بإشراف إيلون ماسك: حرية أكثر أم عنف أشد؟

28 ابريل 2022
يصف إيلون ماسك نفسه بأنه "مؤيد بالمطلق لحرية التعبير" (جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -

لم يهدأ الجدل منذ إعلان إيلون ماسك عن توصله إلى اتفاق للاستحواذ على شركة تويتر، إذ أثيرت مخاوف من أن تشهد الشبكة الاجتماعية سيلاً من الرسائل البغيضة والتحريضية، تحت ستار حرية التعبير التي ينادي بها الملياردير الأميركي، كما أشارت شخصيات كثيرة معروفة إلى تراجع كبير في عدد متتبعي حساباتهم، في اتجاه لا يبدو عرضياً.

ماسك الذي يصف نفسه بأنه "مؤيد بالمطلق لحرية التعبير" توصل إلى اتفاق مع "تويتر"، هذا الأسبوع، للاستحواذ عليها مقابل 44 مليار دولار أميركي. وسارع مسؤولون في الاتحاد الأوروبي وناشطون في مجال الحقوق الرقمية إلى التأكيد أن التركيز على حرية التعبير على حساب أمان المستخدمين على المنصة لن ينجح، بعد أن عزز التكتل الذي يضم 27 دولة مكانته رائداً عالمياً في مواجهة نفوذ عمالقة التكنولوجيا.

أما البيت الأبيض فأعلن أنّه بغض النظر عمن يمتلك "تويتر" أو يديرها، فإنّ الرئيس جو بايدن، الذي يستخدم هو نفسه المنصة، قلق بشأن قوة منصات التواصل الاجتماعي العملاقة، وأكد مواصلة العمل من أجل إلغاء القانون 230 الذي يحمي شركات الإنترنت من المحاسبة على المحتوى الذي ينشره المستخدمون، ويدعم تشديد إجراءات الشفافية ومكافحة الاحتكار على شركات التكنولوجيا.

وفضلت روسيا التأني في تحديد موقفها من المالك الجديد، إلا أن الكرملين عبّّر، الخميس، عن شكوكه في قدرة وسائل التواصل الاجتماعي الغربية على احتضان وجهات النظر المختلفة.

بين حرية التعبير وخطاب الكراهية

ينتظر خبراء ليروا كيف سيتعامل ماسك مع المعادلة المعقدة المتعلقة بالإشراف على المحتوى وضبطه. ولخص رئيس منظمة NAACP الأميركية للدفاع عن الحقوق المدنية، ديريك جونسون، هذه المخاوف قائلاً: "يا سيد ماسك: حرية التعبير عظيمة، وخطاب الكراهية غير مقبول".

وقال المدير المسؤول عن التكنولوجيا وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية مايكل كلاينمان: "آخر ما نحتاج إليه هو أن تغض تويتر الطرف عن الكلام العنيف ضد المستخدمين (...) وخصوصاً منهم النساء والأشخاص غير الثنائيين وغيرهم".

أما منظمة الصحة العالمية التي تعاني منذ عامين من تداول معلومات كاذبة عن وباء كوفيد-19، فدعت ماسك إلى تحمل "مسؤوليته الضخمة" حول هذا الموضوع، في حين رأى الاتحاد الدولي للصحافيين في هذا الاستحواذ "تهديداً للتعددية وحرية الصحافة" و"أرضاً خصبة للتضليل الإعلامي".

وفي تغريدة لماسك الثلاثاء على شبكة التواصل الاجتماعي التي ستكون ملكه قريباً، لاحظ أن ثمة "رد فعل شبيهاً بالأجسام المضادة من أولئك الذين يخشون حرية التعبير"، ورأى أنه "معبّر جداً". وأشاد المحافظون الأميركيون وأنصار الرئيس البرازيلي اليميني المتطرف جايير بولسونارو بمشروعه، معتبرين إياه نهاية لشكل من "الرقابة".

وثمة ترقّب لمعرفة الطريقة التي سيعيد بها الرجل الأكثر ثراء في العالم ترتيب الأمور على شبكة يبلغ عدد مستخدميها النشطين يومياً 217 مليوناً، أكثر من 80 في المائة منهم خارج الولايات المتحدة. وتحاول "تويتر" منذ سنوات وضع قيود لاحتواء خطاب الكراهية، عبر إخفاء المحتوى أو جعله أكثر اعتدالاً، وصولاً إلى حذف حساب المخالف، وهو السلاح الذي تلجأ إليه الشبكة في الحالات القصوى، على نحو ما فعلت مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني 2021، بعد هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول على خلفية اتهامات لا أساس لها تتعلق بتزوير الانتخابات.

وقال المدير المشارك في مركز دراسة وسائل التواصل الاجتماعي والسياسة التابع لجامعة نيويورك، جوشوا تاكر، إنّ "انتقاد المنصة من خارجها عبر القول إنها لا تدعم حرية التعبير أسهل بكثير من إدارتها وتنفيذ سياسات فيها تتعلق بضبط المحتوى".

وأشار تاكر، في حديث لوكالة فرانس برس، إلى أنّ إعادة إتاحة "تويتر" أمام "السياسيين المحافظين"، وفي مقدمهم ترامب الذي أعلن رفضه العودة إلى المنصة، ستكون بمثابة رسالة من مؤسس شركة تِسلا. لكنّه اعتبر أن ثمة "فرقاً حقيقياً بين هذا النوع من الخطوات المهمة وإدارة المنصة يومياً، التي تخضع لآليات إشراف هدفها التصدي للتعليقات المسيئة أو تلك التي تنطوي على تهديدات بالعنف". وسأل تاكر "بالنسبة إلى أي نوع من المحتوى سيتراجع ماسك"؟

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

ورأت استاذة التواصل في كلية أننبيرغ التابعة لجامعة ساوث كارولينا، كارن نورث، أنّ الموقع "سيفقد قيمته في حال أصبح مساحة لبث محتوى يحض على الكراهية ويطرد الصحافيين".

وقال نائب مدير مركز ستيرن للأعمال وحقوق الإنسان التابع لجامعة نيويورك، بول باريت، إنّ "أفضل طريقة لإنهاء تويتر هي في سحبه من البورصة وتقليص الإشراف على محتواه بطريقة غير منطقية". واعتبر باريت أنّ النتيجة الكامنة وراء هذه الإجراءات ستُترجم بـ"كميات هائلة من البريد العشوائي، والمواد الإباحية، وخطاب الكراهية، ونظرية المؤامرة، والكلام الفارغ عن الانتخابات المسروقة، وغير ذلك من محتوى مماثل، ما سيؤدي إلى مغادرة المستخدمين العاديين والمعلنين المنصة"، وفقاً لـ"فرانس برس".

لكنّ ماسك اعتبر في المقابل أنّ زخم "تويتر" يتراجع وأن الشبكة تحتاج إلى التجديد.

استفزازات متواصلة

لم يتردد ماسك في توجيه انتقادات علنية لمسؤولين في الشركة، وفي التحدث عنهم بطريقة ساخرة، مثيراً غضباً ترافق مع قلق بدأ يشعر به الموظفون.

وبعدما كتب تغريدة مسيئة في حق محامية "تويتر" المسؤولة عن القوانين والسلامة، فيدجيا غاديه، نشر الأربعاء صورة "ميم" ساخرة تستهزئ بقوانين المنصة المتعلقة بالإشراف على المحتوى وبالمسؤولة نفسها.

وذكر موقع "بوليتيكو" الإخباري أنّ فيدجيا انفجرت بالبكاء خلال اجتماع إلكتروني مع فريق عملها عُقد لمناقشة التغيير الحاصل على مستوى ملكية "تويتر". وأشار إلى أنها "تحدثت بالتفاصيل عن فخرها بعمل زملائها، وشجّعت الموظفين على مواصلة عملهم الجيد".

وعلّق ديك كوستولو الذي تولى إدارة تويتر بين عامي 2010 و2015 بأنّ "التنمّر ليس طريقة للإدارة".

وأكد المسؤول السابق عن السلامة لدى شركة فيسبوك والأستاذ في جامعة ستانفورد المرموقة، أليكس ستاموس، أنّ "إنشاء رسوم ميم ساخرة تستهدف مسؤولين كفيدجيا غاديه التي سعت خلال مسيرتها المهنية إلى تحقيق التوازن بين السلامة وحرية التعبير(...)، خطوة غير مقبولة على الإطلاق". وأضاف أنّ "على المسؤولين في شركات ماسك الأخرى أن يقولوا له إنّه يتجاوز حدوده".

ودعت منظمة ألترافايوليت غير الحكومية والمدافعة عن حقوق المرأة مجلس إدارة "تويتر" إلى التراجع عن الاتفاق المبرم مع ماسك.

ونقلت صحف أميركية عدة مخاوف يعبّر عنها عدد كبير من الموظفين داخل الشركة إزاء فكرة تولي إدارة "تويتر" من شخص معروف بتصاريحه الاستفزازية وصاحب شركات لا تحبّذ التجمعات النقابية.

وأشارت وكالة بلومبيرغ إلى أنّ "تويتر" تمنع منذ الإثنين موظفيها من إجراء تغييرات على الشيفرة الإلكترونية الخاصة بالمنصة من دون الحصول على موافقة نائب الرئيس، وذلك لتجنب أي عمل تخريبي.

من جهة أخرى، أصدر القاضي لويس ليمان، الأربعاء، قراراً يلزم ماسك بالاستمرار في الحصول على موافقة مسبقة قبل نشر أي تغريدة تتعلق بنشاط "تسلا"، وذلك على النحو المنصوص عليه في اتفاق كان الملياردير توصل إليه مع السلطات.

حركة المتابعين

أشارت شخصيات كثيرة معروفة عبر "تويتر" إلى تراجع كبير في عدد متتبعي حساباتها، بعد الإعلان عن شراء إيلون ماسك المثير للجدل منصة التواصل الاجتماعي هذه، وهذا الأمر لا يبدو عرضياً بحسب الشركة، ومقرها في كاليفورنيا.

ولاحظ حساب "أوشفيتز ميموريال" الذي يجذب 1.3 مليون متابع ويرسل تغريدات يومية مرفقة بصور لضحايا معسكرات الاعتقال النازية مع نبذة تاريخية عنها، أنه "من المستغرب خسارة نحو 35 ألف مشترك في ليلة واحدة". وقال الممثل مارك هامل الذي اشتهر بدور لوك سكايووكر في سلسلة أفلام "ستار وورز": "غريب! فقدت للتو أكثر من ثمانية آلاف متابع في غضون ساعتين. هل تفوهت بشيء غير مناسب؟".

وخسرت شخصيات عدة من اليسار الأميركي، من باراك أوباما إلى بيرني ساندرز، آلاف المتابعين، في حين زاد متابعو مسؤولين محافظين منتخبين بالآلاف أيضاً. وذكرت محطة إن بي سي التلفزيونية الأميركية أن أوباما الذي لديه العدد الأكبر من المتابعين عبر "تويتر" مع أكثر من 131 مليوناً، خسر 300 ألف متابع بعد نبأ شراء الشركة من قبل ماسك.

أما الجمهورية المؤيدة لترامب مارغوري تايلور غرين، فقد زاد عدد متتبعيها بنحو مائة ألف في غضون 24 ساعة. ورحبت البرلمانية الجمهورية التي تثير جدلاً ومُنع حسابها الشخصي عبر "تويتر" بشراء ماسك المنصة.

وعلّق ماسك على هذه التحركات قائلاً إن على "تويتر" أن تكون "محايدة سياسياً".

وفي اتصال أجرته "فرانس برس" مع شركة تويتر، قالت الأخيرة إن هذه التقلبات ناجمة خصوصاً عن زيادة في عدد الحسابات المستحدثة أو التي أوقفت، وليس إلى عمليات روتينية لشطب حسابات آلية.

قبل الاستحواذ، جادل ماسك بأن الرقابة - وليس السلوك التعسفي من قبل المستخدمين - هي المشكلة الأساسية للشركة، وهو موقف يتبناه أيضاً المحافظون، بينما دعا بعض الديمقراطيين إلى فرض ضرائب باهظة على المليارديرات، ورأوا أخطاراً في تركيز السلطة في أيديهم.

المساهمون