المسحّراتي: تقليد لم يلغه الزمن

المسحّراتي: تقليد لم يلغه الزمن

25 مايو 2017
المسحّراتي محمد فناس (العربي الجديد)
+ الخط -
يتميّز شهر رمضان المبارك بعاداته وتقاليده في مختلف البلدان الإسلامية، ويعتبر المسحراتي جزءاً من تراث وعادات وتقاليد شهر رمضان المبارك. ورغم التطور، إلا أن للمسحراتي نكهته الخاصة، وهو يقوم بإيقاظ الناس كي يتسحروا، مرتدياً زيّاً عربيّاً، ويحمل طبلته وينشد بصوته مردداً عبارة "يا نايم وحّد الدايم... يا نايم وحّد الله".

في مدينة صيدا القديمة (جنوب لبنان) مازالت ظاهرة المسحراتي موجودة. ومنذ نصف قرن تقريباً، يواظب الفلسطيني محمد فناس (72 عاماً) على إيقاظ أهل صيدا في ليالي رمضان ليتناولوا السحور، حاملاً طبلته التقليدية المعروفة بالـ "البازة" وعصاه الصغيرة، ومصباحاً يساعده في تلمس خطواته. يقول لـ "العربي الجديد": "أنا من مدينة عكا الفلسطينيّة لكنني عشت في مدينة صيدا، وأعمل منذ خمسين سنة "مسحراتي". بدأت داخل أحياء صيدا القديمة، وانتقلت بعدها إلى مدينة صيدا بأحيائها كافّة، وقد اخترت هذه المهنة "مرضاة لله" وحبّاً فيها، وليس لأيّ هدف آخر. ولكن في نهاية شهر رمضان يقوم الناس بمعايدتي كل حسب استطاعته".
يلفت إلى أنه في كل عام يقرر أن يعتزل هذه المهنة، لكن عند اقتراب شهر رمضان المبارك، لا يستطيع إلا أن يُسقط عباءته البيضاء فوق جسده، ويلفّ خصره بقطعة قماش خضراء ثم يعتمر قلنسوته البيضاء، ويعلّق سبحة طويلة حول عنقه، ويبدأ رحلته في تسحير الناس من الساعة الواحدة حتى الثالثة ليلاً.

يستخدم فنّاس "البازة" المصنوعة من النحاس والجلد طيلة شهر رمضان المبارك، ما عدا آخر أسبوع من رمضان، أي في الأيام التي لن تتكرر، فيقومُ باستخدام "الطبل" إيذاناً بانتهاء الشهر الفضيل.

وقال، إنّه في باقي أشهر السنة يقوم مع مجموعة من الرجال بإحياء المناسبات من أفراح تراثية وسيف وترس وغيرها من العادات القديمة. أما المسحراتي الخمسيني، عباس قطيش، فهو منذ عشرين عاماً يقوم بتسحير الناس ليلاً في مدينة صيدا، إذ يقوم بجولتين. الأولى، عند الساعة الحادية عشرة ليلاً ينشد خلالها بعض الأناشيد الدينية، وهو يتنقل بين المقاهي والأزقة في المدينة القديمة. أما الثانية، فتبدأ عند الساعة الثانية، وتنتهي عند الساعة الرابعة، وذلك لإيقاظ سكان المدينة لتناول وجبة السحور.
واللافت أنه خلال جولات قطيش بين أزقة صيدا القديمة يقوم الناس بتقديم الطعام والشراب والحلويات له، وحتى المخابز تقدم له المناقيش الساخنة.
لم يرث قطيش مهنة "المسحراتي" عن أبيه أو جده، إنما تعلمها من "شيخ المسحراتي" في صيدا الحاج خضر السالم "آخر الرعيل الأول"، إذ كان يرافقه في جولاته، وتعلّم منه هذه المهنة التطوعية.

ويقوم قطيش طيلة الشهر الفضيل بمهمته في تسحير الناس، حتى رؤية هلال العيد ليخرج صباح العيد معايداً الناس الذين يجودون عليه بالعيديّة التي تعتبر نوعاً من الشكر له على ما قدمه من تعب وجهد خلال الشهر.
كما في المدن، كذلك في المخيمات الفلسطينيّة، حيث يقوم حسن الشعبي (39 سنة)، وهو فلسطيني من قرية شعب، ومقيم في مخيم عين الحلوة (جنوب لبنان) منذ 13 سنة، بإيقاظ الناس وقت السحور في منطقة "البركسات"، داخل مخيم عين الحلوة، ليتسنى لهم تحضير وجبة السحور ثم التوجه إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، مستخدماً طبلاً ومنشداً أناشيد رمضانيّة. 
ويعتبر الشعبي المسحراتي الوحيد في المنطقة التي يقطنها، إذ يتطوع طيلة الشهر الكريم للقيام بهذه المهمة.

المساهمون