جيوب المواطن الجزائري تطلب الرحمة

جيوب المواطن الجزائري تطلب الرحمة

04 يونيو 2018
أعباء المعيشة تثقل كاهل المواطن خاصة في رمضان (Getty)
+ الخط -

أقرّت حكومة الجزائر رزمة من الإجراءات التقشفية نظرا للآفاق القاتمة التي رسمها انهيار أسعار النفط للاقتصاد منذ عام 2014. ومع بداية 2018 اعتمدت الحكومة جرعات زائدة من الضرائب.

فقد عرفت أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية ومواد الطاقة ارتفاعا كبيرا بسبب رفع الضريبة على القيمة المضافة من 17% إلى 19%، الأمر الذي لم يدخل البهجة إلى قلوب المواطنين الذين لا يكسبون رزقًا جيدًا، بل كان بمثابة إعلان حرب على قدرتهم الشرائية.

كما استيقظ الجزائريون في أول يوم من 2018 على زيادات في أسعار الوقود بعد رفع الرسم على المنتجات البترولية، ما أدى إلى اشتعال أسعار النقل والسلع والخدمات، وجاء القرار ليوفر للخزينة العمومية ما يفوق 600 مليون دولار على حساب جيوب ذوي الدخول المحدودة والمتدنية، بينما حصل رجال المال على هدية تمثلت في مزيد من الإعفاءات الجبائية والجمركية، وكل ذلك كان متوقعا مع تهاوي أسعار النفط وتقهقر مداخيل البلاد من العملة الصعبة.

إلا أن الحكومة لم تستطع أن تدير ظهرها بالكامل للمواطنين من خلال سياستها التقشفية، لذلك تضمنت موازنة عام 2018، على أساس سعر مرجعي لبرميل النفط 50 دولارًا، الإبقاء على دعم المواد الغذائية الأساسية والمحافظة على استقرار مستوى التحويلات الاجتماعية التي تقدر بـ23% من الناتج المحلي الإجمالي.



ومن ضمن المحاولات غير المجدية لوقف نزيف الاحتياطات الأجنبية، تمت زيادة الرسوم الجمركية 1% على كل عملية استيراد، أملا في تحسين الإيرادات وخفض العجز التجاري المقدر بـ2.98 مليار دولار خلال الثلث الأول من سنة 2017، كما قامت الحكومة بمنع استيراد 851 منتجاً بغية توفير مبلغ له تأثير ضعيف يقدر بـ1.5 مليار دولار على فاتورة الواردات والتي تهدف إلى تخفيضها لتصل إلى 30 مليار دولار مع نهاية السنة والذي يعتبر هدفا طموحا، ولكنه لا يمت إلى الواقع بصلة، لا سيما نظراً إلى الوضعية الصعبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة واعتماد الإنتاج المحلي على المواد الأولية المستوردة.

إلا أن الحكومة قامت أخيرا بتنقيح قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد ورفع الحظر عن بعضها نتيجة الشكاوى المقدمة من الشركات الصناعية التي عانت من شح المواد الأولية المستخدمة في إنتاجها جراء ذلك القرار الذي كان مجحفاً وانعكس سلباً على العرض.

وحمل مشروع قانون المالية لسنة 2018 بين طياته قنبلة موقوتة للأغنياء، حيث تضمّن إدخال الضريبة على الثروة، وحدد المبلغ الأدنى من الثروة الخاضعة لها بـ450 ألف دولار، وجاءت الضريبة التي من المتوقع أن تمس 10% فقط من الجزائريين ردا على أصوات المعارضة التي تنادي بتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق بين فئات المجتمع.

لكن يصعب تحصيل هذه الضريبة بالنظر إلى التخلف الذي يشهده النظامان المصرفي والجبائي في الجزائر، والافتقار للمصداقية والشفافية، وكذا افتقاد الحكومة لقاعدة بيانات بخصوص الأثرياء الناشطين في السوق السوداء.

هذا القرار من شأنه أن يدفع أصحاب المليارات لتهريب أموالهم إلى الخارج ويزيد من هروب رؤوس الأموال إلى القطاع غير الرسمي، كما سيفتح الباب لمزيد من التهرب الضريبي، وسيشجع الفساد أكثر وأكثر، وتبقى جدية الحكومة في تطبيق هذه الضريبة وقدرتها على إجبار أثرياء السوق السوداء على دفع ضريبة الثروة محل شك.



وحتى تكون هناك مصداقية في تحصيل هذه الضريبة ينبغي على الحكومة أولا وقبل كل شيء التحكم في الاقتصاد الموازي.

وكأن الحكومة تبين للشعب من خلال هذه الضريبة أنها ستجعل الطبقة الغنية تتحمل جزءا من ثقل الأعباء التقشفية التي أرهقت جيوب الفقراء الذين كان من الممكن أن يتقبلوها بشكل أكبر لولا مسؤولية الحكومة عن الفساد الذي أهدر الأموال الطائلة المجمعة خلال سنوات الرخاء المالي الماضية، ولولا إصرار المسؤولين على عدم خفض أجورهم ورفض التخلي عن بعض الامتيازات كتعبير عن استعدادهم لتقاسم أعباء السنوات العجاف مع الطبقات الفقيرة محدودة الدخل.

وفضلت الحكومة اللجوء إلى حل مؤقت يتمثل في التمويل غير التقليدي أو ما يعرف بطباعة النقود، حيث قام بنك الجزائر المركزي بإقراض الخزينة العمومية مباشرة من أجل المساهمة في تمويل عجز ميزانية الدولة وسداد الدين الداخلي، وتمت طباعة 2200 مليار دينار، أي ما يقارب 20 مليار دولار، مع نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

وجاء هذا الحل بعد صمود دام 3 سنوات كوسيلة للإفلات من قبضة الإفلاس بدل الوقوف تحت رحمة صندوق النقد الدولي، خاصة أن الجزائر سبق وعاشت مرارة هذه التجربة في تسعينيات القرن الماضي والتي أسفرت عن غلق عدة مؤسسات، تسريح عمال، تدهور العملة المحلية والرضوخ لعدة تبادلات اقتصادية، حيث ألقى رئيس الوزراء أحمد أويحيى خطابا حادا أمام أعضاء مجلس الشيوخ من أجل إعداد المواطن لشد أحزمة التقشف الحتمي.

وأكد فيه أن الجزائر لن تتمكن من دفع الأجور بدون التمويل غير التقليدي، وبرر ذلك باستخدام أكثر المصطلحات إثارة للقلق، كتشبيه الوضع المزري الذي آل إليه الاقتصاد بوصول السكين للعظم.

هذه الوسيلة التمويلية والتي تعتبر بمثابة صك من دون رصيد هي سيف ذو حدين ويجب أن يحدد لها سقف معين نظراً لمخاطر التضخم التي تسببها، حيث توقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل التضخم في الجزائر إلى 7.4% سنة 2018 و7.6% في 2019، وهو الأسوأ خلال فترة حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ 1999.



مع التذكير بأن معتركا رئاسيا وسباقا انتخابيا حساسين يلوحان في الأفق والحكومة حذرة من اضطرابات اجتماعية بسبب إجراءاتها التقشفية، وأول ما نتج عن هذا القرار الذي اعتبر إجراء تقشفيا بنكهة أخرى هو تواصل تراجع الدينار الجزائري مقابل أهم العملات الأجنبية‮‮ ‬في‮ ‬السوقين الرسمي والموازي وتفاقم التضخم الذي زاد من تدهور القدرة الشرائية للمواطن البسيط ومزق جيبه لا سيما مع استحالة الزيادة في‮ الأجور في‮ ‬ظل الأزمة التي‮ ‬تعصف بالاقتصاد الوطني.‬‬‬‬‬‬

من الواضح أن الحكومة سرعان ما نسيت أو تناست التزامها بخططها التقشفية عند أول بوادر لارتفاع أسعار النفط، حيث تضمن مشروع قانون المالية التكميلي 2018، والذي وافقت عليه الحكومة في 16 مايو/ أيار 2018، ميزانية إضافية قدرها 500 مليار دينار، أي ما يعادل 4.3 مليارات دولار، وستستفيد منها كل من وزارات: الدفاع الوطني، الشباب والرياضة، الصحة، الشؤون الخارجية، التعليم الوطني.

كما تضمن هذا المشروع زيادات في الرسوم الجمركية على عمليات الاستيراد قد تصل إلى 200%، وهذا الإجراء الجديد لن يرضي طبعا الاتحاد الأوروبي، وقد تمت إعادة صياغة فرض الرسم على القيمة المضافة على السيارات المجمعة محليا، وتقدر قيمة ذلك الرسم بـ19% من قيمة كل قطعة مستوردة.

كما أقر هذا المشروع زيادات جديدة وكبيرة في الرسوم على جواز السفر ورخصة القيادة وبطاقة التعريف الوطنية، فهذه الأخيرة مثلا ستخضع لرسم يقدر بـ21.5 دولارا بعدما كان لا يتجاوز الدولار الواحد، حيث تأتي هذه الرسوم لإجبار المواطن على الدفع مقابل الوثائق الأكثر استخداما والتي لا يمكن الاستغناء عنها.

يجب على الحكومة عدم المغامرة بإضافة ضرائب إضافية وتفادي التوجه في كل مرة إلى جيوب المواطنين من أجل الحفاظ على التماسك الاجتماعي وتجنب الغليان الشعبي، كما ينبغي عليها التوقف عن إضاعة الوقت ودراسة حلول واقعية لتجاوز الأزمة.

فسياسة الدعم وحدها تحتاج إلى أن يُعاد النظر فيها وتعويضها بتحويلات اجتماعية للفئات التي تحتاجها لأنها تخدم الأغنياء أكثر مما تخدم الفقراء، كيف لا وهي تمكن الغني من ملء سيارته المرسيدس بالوقود المدعم في الوقت الذي لا يملك فيه أغلب الفقراء سيارات، وتسمح لأصحاب المصانع الغذائية بالاستفادة من أطنان السكر والدقيق المدعمين بينما لا يتعدى استهلاك الفقير لهما كيلوغراما واحدا في اليوم، فرفقا بالمواطن البسيط الذي أصبح همه توفير قوت يومه.

المساهمون