هكذا يوقف الأسد انهيار الليرة

هكذا يوقف الأسد انهيار الليرة

05 مارس 2021
الخلل بالعرض والطلب هو العنوان الأبرز لعوامل تهاوي سعر صرف الليرة (فرانس برس)
+ الخط -

هوت الليرة السورية إلى حضيض جديد، بتسجيلها 4000 ليرة للدولار، لتضيف، مؤشرات الانهيار وبطلان قبول التداول، إلى خسائر العام الماضي التي زادت عن 211% وقت هوت من 900 ليرة للدولار مطلع 2020 إلى 2800 نهاية العام وترفد سجل التضخم الحافل بتراجعها 80 ضعفاً منذ بداية الثورة، بينما لم يزد سعر الدولار عن 50 ليرة منتصف عام 2011.

ربما المخاوف من العقوبات الجديدة، أوروبياً وأميركياً، هي المستجدات السياسية والنفسية، ليكون الخلل بالعرض والطلب، هو العنوان الأبرز لعوامل تهاوي سعر صرف الليرة السورية. 

فبلد لا ينتج الدولار، بعد توقف السياحة وعرج الميزان التجاري وشلل التحويلات الخارجية، ويستهلك الدولار لشراء المواد الأولية والسلع والمنتجات، وبمقدمتها القمح والمشتقات النفطية، مصير عملته التدهور المستمر.

هذا بالظروف الطبيعية، فماذا إذا أضيف، أن هذا البلد يعيش حرباً منذ 10 سنوات، هربت خلالها الاستثمارات وتهدمت المنشآت وتراجع الإنتاج وتبدد الاحتياطي النقدي، وفرضت عليه عقوبات طاولت المنشآت والمسؤولين وحتى المصرف المركزي، فحينذاك، يبقى استمرار العملة على قيد التداول هو الغريب، وليس من غرابة بأي تدهور وقيعان جديدة، يصل إليها سعر صرف الليرة السورية. 

إذاً، بحال كما في سورية، لا أفق أمام نظام الأسد لبيع أو تأجير ما تبقى من ثروات، بعد صدور قانون قيصر وشلل حلم النظام السوري بتبديد مزيد من مقدرات السوريين، أو التطلع إلى طريق إعادة الإعمار، للرشى والاختلاط والاستمرار.

كما، بالوقت ذاته، لا أمل بإحياء الموتى، من استثمارات هاربة أو قطاعات مهدمة، ما يجعل سؤالين إثنين يتوثبان على الشفاه.

الأول، ما هي التوقعات للعملة السورية وأثر استمرار التراجع في حياة السوريين؟

والثاني، كيف يمكن لنظام الأسد أن يتدخل بالسوق النقدية، لمنع الجياع من النزول للشارع، أو تقليل نسبة الجريمة والسرقات والخطيئة، إذا استمر الفقر والحرمان وتهاوي سعر الليرة؟

في محاولة الإجابة عن السؤال الأول، أغلب الظن أن الليرة ستستمر بمشوار تهاويها، وربما ليس من قاع تستقر عليه، بواقع توفر جميع عوامل انهيار العملة، الاقتصادية والنفسية وحتى السياسية المرشحة للتصاعد.

هذا يعني أن نسبة الفقر لن تتوقف عند 83% بعد أن زادت الأسعار أكثر من 30% خلال الشهرين الماضيين وتراجع سعر الصرف بأكثر من 40% ولم يحدث تحسين للدخول التي أكلها التضخم النقدي ولم يعد يزيد متوسط الأجور والرواتب، عن 14 دولاراً، في حين تكاليف المعيشة ووفق مراكز من دمشق، تزيد على 175 دولاراً.

وأما كيف يمكن للنظام السوري التدخل لوقف انهيار الليرة، فثمة طرق تقليدية عدة، بعد تجريب تجريم كل من يتعامل بغير العملة السورية. بيد أن السؤال حول نجاعتها أو قدرة حكومة دمشق على القيام بها.

فمثلاً، يتم رفع سعر الفائدة المصرفية على الإيداع، فيذهب فائض السيولة إلى خزائن المصارف فيعتدل المعروض النقدي وتتحسن الليرة.

لكن هذا الحل مستحيل لأسباب كثيرة، أهمها أن سعر الفائدة مهما ارتفع، لا يمكن أن يوازي نسبة التضخم، ما يعني خسائر محققة لكل مودع، هذا إن فرضنا جدلاً أن نظام الأسد قادر على منح أسعار فائدة مرتفعة، أو لديه خطط لتوظيف إيداعات المصارف بأقنية استثمارية يفوق عائدها سعر الفائدة.

طبعاً إن لم نشر إلى أن نظام الأسد يعتمد عكس هذا التوجه من خلال التمويل بالعجز، عبر طبع عملات جديدة، كانت فئة الخمسة آلاف آخرها قبل شهرين، من دون أي معادل نقدي أو إنتاجي وخدمي.

أو، طريقة أخرى، أن يتدخل المصرف المركزي بالسوق بشكل مباشر، فيبيع الدولار بسعر منافس، عبر شركات الصرافة أو من خلال نوافذ المصارف الحكومية، فيكسر السعر تباعاً ويلحق الخسائر بالمضاربين، إن كان هناك مضاربون كما يبرر مجلس النقد والتسليف.

بيد أن هذا الحل غير ممكن أيضاً، لأن خزائن المصرف المركزي خاوية من القطع الأجنبي، بعد تبديد نظام الأسد نحو 18 مليار دولار، على الحرب والرشى منذ مطلع الثورة عام 2011، إذ ووفق البنك الدولي، لا يزيد الاحتياطي الدولاري بمصرف سورية المركزي، عن 700 مليون منذ عام 2016، وربما بتكليف حكومة الأسد رجال الأعمال استيراد القمح والمشتقات النفطية وانسحابه من التدخل بالسوق النقدية، دليل على إفلاس المصرف المركزي من العملات الأجنبية.

إذًا ما الحل الممكن بسورية، ليس فقط لوقف انهيار العملة وتوليد بارقة أمل، ببلد زاد نازحوه ومهجروه على نصف السكان، وبلغ بعد سنين من الحرب، المراكز الأخيرة في المؤشرات الدولية للتتمية والنمو وتبوأ أعلى قوائم التضخم والبطالة والفقر؟

ربما رحيل نظام الأسد هو الأمر الوحيد لبداية الحلحلة بسورية، سواء عبر توافق سياسي أو تدخل دولي أو ثورة جياع من الداخل، لأن أي اقتراح وحل، لن يجد طريقه للتطبيق والفائدة، ما دام نظام القتل والتفقير والتهجير، على كرسي أبيه.

أما إن زال النظام، فيمكن لرأس المال السوري المهاجر أن يعود وللاستثمارات أن تقلع ولأموال المانحين أن تتدفق، حينذاك، يكون من ضوء وأمل على طريق السوريين المظلم، وماعدا ذلك، تبقى الحلول تجريباً واستمرار معاقبة السوريين، من نظامهم والمجتمع الدولي، لأنهم تمادوا وتطلعوا إلى الآدمية والدولة الديمقراطية والكرامة.

المساهمون