صوم طويل في فلسطين... جوع بلا إفطار في غزة وأرزاق محاصرة بالضفة

صوم طويل في فلسطين... جوع بلا إفطار في غزة وحصار الأرزاق يخنق الضفة

رام الله

محمود السعدي

محمود السعدي
غزة

العربي الجديد

سيف الخزاعي
العربي الجديد
العربي الجديد
10 مارس 2024
+ الخط -

يستقبل الفلسطينيون في قطاع غزة شهر رمضان هذا العام بجوع طويل بلا إفطار في ظل الحصار الإسرائيلي القاتل وغياب أدنى مقومات الحياة، في الوقت الذي تسبب ممارسات حصار الأرزاق من قبل الاحتلال بحق فلسطينيي الضفة الغربية في غياب مظاهر استقبال الشهر الفضيل في الأسواق.

وحذرت الأمم المتحدة من مجاعة "شبه حتمية" تهدد 2.2 مليون من أصل 2.4 مليون شخص، عدد سكان قطاع غزة، الذي تصل إليه مساعدات شحيحة جداً مقارنة بالاحتياجات الهائلة، ما دفع بعض الدول إلى إلقاء مساعدات إنسانية من الجو في ظل الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات إلى السكان.

في ربوع غزة، يواجه 90% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرا والنساء الحوامل والمرضعات فقرا غذائيا حادا، وفقا لتقرير صدر قبل أسبوعين عن مجموعة التغذية العالمية، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية المعنية بالتغذية وتقودها "يونيسف". أضافت المجموعة أن ما لا يقل عن 90 بالمئة من الأطفال دون سن الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية.

وقالت لجنة الإغاثة الدولية في بيان، الأسبوع الماضي، إن "الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب من خلال حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف، يعد جريمة حرب".

وفي بداية الحرب، دعا مسؤولون إسرائيليون، مثل وزير الدفاع يوآف غالانت، علناً، إلى فرض "حصار كامل" لحرمان الفلسطينيين من الغذاء والوقود والماء.

وفي ظل المعاناة الغذائية، فإن الفلسطينيين في غزة يستقبلون رمضان هذا العام بصوم بلا إفطار. وفي الضفة الغربية تبدو الأسواق شبه خالية، فتداعيات الحرب على غزة عمقت البطالة، ورفعت الأسعار، الأمر الذي أدى إلى العزوف عن الشراء والتجهيز سوى من الحاجات الأساسية جداً، وهو ما استطلعه "العربي الجديد" خلال جولة ميدانية.

الخضراوات والفواكه تنافس اللحوم

منذ سنوات عدة، يعمل الشاب الفلسطيني محمود جبارين في بسطة لبيع الخضار والفواكه في سوق مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، لكنه يؤكد في حديث لـ"العربي الجديد" أن أسعارها ارتفعت بشكل غير مسبوق وجنوني بعد الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

يقول جبارين: "لقد وصلت أسعار بعض أصناف الخضار والفواكه إلى أسعار تضاهي سعر كيلو الدواجن (نحو 3 دولارات)، كالبندورة والخيار اللذين وصل السعر إلى نحو دولارين للكيلو الواحد لكل منهما، والفراولة الآن 8 دولارت، وكانت تأتي من غزة إلى أسواق الضفة الغربية وتباع بنحو دولارين".

ويضيف جبارين: "الآن لا يوجد إقبال حتى قبل الاستعدادات لشهر رمضان، ومن يشتري أصبح فقط يأخذ ما يحتاجه بشكل أساسي وبكميات قليلة، فالأسعار مرتفعة جداً، لعدم تمكن المزارعين سواء بغزة أو بالضفة من تسويقها، حيث الحرب على غزة مستمرة، وفي الضفة تعيق حواجز الاحتلال واعتداءات المستوطنين وصول المنتجات الزراعية بسهولة، وربما أجرة توصيلها ترتفع، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخضار والفواكه بطريقة جنونية".

شراء السلع الأساسية

إقبال الناس على شراء التمور أصبح على النوعيات رخيصة الثمن، وهي بحسب مواطنين فلسطينيين وتجار لا غنى عنها، كونها تشكل وجبة رئيسية على مائدة رمضان، لكنهم يحجمون عن التمور متوسطة ومرتفعة الثمن، كما أنهم يشترون السلع الأساسية الخاصة بالطعام.

ويوضح بائع الخضار والفواكه محمود جبارين أن المواطنين أصبحوا يشترون التمور رخيصة الثمن التي تُباع على البسطات وبعض المحال التجارية، ويصل سعرها إلى (دولارين ونصف الدولار)، ويشتري القليل منهم التمور التي يصل سعرها بين (7-10 دولارات)، عدا عن أن الاستعدادات لشهر رمضان هذا العام ليست كما السابق.

ويشير جبارين إلى أن الحرب على غزة تأثر بها العالم، فكيف لا تتأثر الضفة الغربية وأسواقها؟ كما أن زيادة البطالة خاصة في صفوف العمال الذين كانوا يعملون في الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك استمرار عدم صرف الرواتب كاملة، كل ذلك انعكس على حركة الشراء، وأصبح المواطنون لا يشترون إلا حاجياتهم الأساسية فقط.

التاجر عيسى قلالوة صاحب محل لبيع المواد التموينية والعطارة في مدينة رام الله، يؤكد في حديث لـ"العربي الجديد" أنه لا يوجد إقبال على الشراء رغم تجهيز محله بالسلع الرمضانية. ويقول: "عادة أجهز محلي قبل أسبوعين من رمضان، وكان في السابق يشهد حركة شرائية قبل حلول شهر رمضان، لكن بسبب الحرب على غزة وانخفاض نسبة صرف رواتب الموظفين، لا يوجد إقبال".

ويعرب عن أمله أن تشهد الأسواق خلال اليومين المقبلين حركة، بعد صرف الحكومة الفلسطينية ما نسبته 60% من رواتب موظفيها، متوقعا في حال حدوث ذلك أن يستهدف الشراء السلع الأساسية والضرورية.

ويضيف قلالوة: "ليس قدوم شهر رمضان هو السبب بارتفاع الأسعار، بل إن الحرب على قطاع غزة وتداعياتها رفعت الأسعار، خاصة السلع المستوردة، بنسبة تصل إلى ما بين 10-20%، عقب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، كما أن بعض السلع المصنعة محليًا ارتفعت بسبب أن موادها الأساسية مستوردة".

الفلسطينية هبة فالح من رام الله تؤكد، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنها كانت تجهز مستلزمات رمضان قبل بدء الشهر الفضيل بأسابيع كل عام في السابق، لكنها حتى الآن لم تشترِ شيئًا هذا العام، وتقول: "لا يوجد أي بهجة للإقبال على الشراء، لكننا مضطرون على شراء المستلزمات الأساسية ومكونات الطعام".

وتضيف: "اعتدت كل عام على شراء زينة لاستقبال الشهر الفضيل، وإدخال البهجة على قلوب أطفالي، لكن هذا العام لن أفعل ذلك، احتراماً لدماء شهداء غزة، وأطفالي متفهمين للأمر، فلا يمكن لنا أن نعيش طبيعياً وأهالي غزة وأطفالهم يقتلون ويموتون من الجوع".

الحصار والحرب يخنقان أسواق نابلس

يرى المواطن الفلسطيني عبد الغني عبد ربه من نابلس، شمالي الضفة الغربية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحرب على قطاع غزة وتداعياتها عمقت الأزمة الاقتصادية في نابلس، وتلك الأزمة موجودة منذ نحو عام ونصف العام، جراء الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال على المدينة، بتشديد الإجراءات على الحواجز العسكرية المنتشرة، وهو ما أدى إلى إحجام الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948 عن دخول المدينة، ما أثر سلباً على الحركة الشرائية في الأسواق.

علاوة على ذلك، بحسب عبد ربه، فإن عمال الداخل أصبحوا بلا عمل، وهو ما زاد تعميق الأزمة، وبعض المنشآت التجارية الصغيرة كالمقاهي أغلقت أبوابها، ويقول: "في جولة واحدة بمدينة نابلس تدرك أن الأسواق تظهر أنها شبه خالية من المتسوقين".

ويؤكد عبد ربه أن الحرب على قطاع غزة يتألم لها الجميع، ويقتصر المواطنون على شراء الحاجيات الأساسية فقط استعدادًا لشهر رمضان، كما أن الأسعار المرتفعة جعلت المواطن يفكر جيداً ماذا سيشتري؟ وما هي الأولوية بشراء السلع؟

اقتحامات الاحتلال تدمر أسواق جنين وطولكرم

اقتحامات قوات الاحتلال شبه اليومية في مدينتي جنين وطولكرم ومخيماتما، وتدمير البنية التحتية فيها، كبدت الأسواق خسائر كبيرة، وكذلك بفعل الحرب على قطاع غزة وعدم دخول العمال إلى الداخل المحتل، وكذلك عدم تمكن أهالي الداخل الوصول إلى أسواق شمال الضفة الغربية، حيث إنهم مصدر حركة تسوق كبيرة.

يقول المواطن الفلسطيني محمد نجم من مدينة جنين شمالي الضفة، في حديث لـ"العربي الجديد": "إن المحال التجارية أصبحت تفتح أبوابها وقت الظهيرة، بعدما كانت تفتح في الصباح الباكر، وهو ما يؤكد ضعف التسوق، وتدمير الحركة الشرائية فيها".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ما يجري في غزة، بحسب نجم، يتألم منه أهالي الضفة الغربية، فأصبحت الناس علاوة على ارتفاع الأسعار، تشتري فقط السلع الأساسية الضرورية، مؤكدًا أنه لن يشتري هذا العام زينة رمضان كما كان معتادًا احتراماً للدماء النازفة في غزة.

أما الشاب غسان قاسم من مدينة طولكرم، شمالي الضفة، فإنه يؤكد في حديث لـ"العربي الجديد" أن الأوضاع التجارية صعبة والتسوق ضعيف، ويقول: "الأسواق شبه فارغة، لا يوجد إقبال على الشراء، ورغم أن طولكرم زراعية، إلا أن أسعار الخضار والفواكه مرتفعة بسبب الإغلاقات والحواجز، وهو ما أعاق وصول المحاصيل الزراعية إلى الأسواق".

وسجلت آخر إحصاءات نشرها جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، ارتفاعاً حاداً في أسعار المنتج في فلسطين خلال شهر يناير/ كانون ثاني الماضي مقارنة مع الشهر الذي سبقه، وكان النشاط الزراعي والحراجة وصيد الأسماك الأكثر ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 13%.

ذات صلة

الصورة
مظاهرة في برلين بعد منع مؤتمر فلسطين 13 إبريل 2024

سياسة

خرجت مظاهرة، ظهر السبت، في برلين احتجاجاً على قيام الشرطة الألمانيّة بمنع انعقاد مؤتمر فلسطين، أمس الجمعة، إضافة لمنع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة
الصورة
اختاروا النزوح من مخيم النصيرات جراء القصف (فرانس برس)

مجتمع

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمخيم النصيرات جعل أهله والمهجرين إليه يخشون تدميره واحتلاله إمعاناً في تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، في وقت لم يبق لهم مكان يذهبون إليه
الصورة
مسيرة المسجد الحسيني

سياسة

شارك اردنيون في مسيرة شعبية حاشدة في وسط العاصمة الأردنية عمان تحت عنوان: "عيدنا بانتصار المقاومة"، مطالبين بوقف العدوان المتواصل على قطاع غزة
الصورة
الصحافي بيتر ماس (Getty)

منوعات

كتب الصحافي المخضرم بيتر ماس، في "واشنطن بوست"، عن "شعوره كمراسل جرائم حرب وابن عائلة مولت دولة ترتكب جرائم حرب"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية في غزة.

المساهمون