موائد اللبنانيين في رمضان مهددة بالحرب والدولار

موائد اللبنانيين في رمضان مهددة بالحرب والدولار

10 مارس 2024
تدهور القدرة الشرائية للبنانيين وسط انهيار الاقتصاد والليرة (الأناضول)
+ الخط -

يخشى اللبنانيون من ارتفاع الأسعار على أبواب شهر رمضان في ظل التطورات الإقليمية والدولية والمحلية التي تشي بمسارٍ تصاعديٍّ من شأنه أن يزيد من تدهور القدرة الشرائية عند المواطنين الذين يواجهون أسوأ الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم، منذ عام 2019.

ويعبّر المواطنون في لبنان عن قلقهم من ارتفاع عشوائي للأسعار، خصوصاً أنّ "العادة" تدرج على إقدام التجار على الزيادة خلال كل مناسبة دينية أو عيد، وقد لاحظوا ارتفاعاً في الفترة الماضية في أسعار العديد من السلع والمواد الاستهلاكية الغذائية، وتفاوتاً في الأسعار غير مبرّر بين متجر وآخر.

تقول عائلة لبنانية من بيروت التقتها "العربي الجديد"، إن "رمضان هذا العام يختلف عن الأعوام الماضية، لناحية الأسعار ودولرتها، واحتسابها اليوم على أساس 89 إلى 90 ألف ليرة للدولار تقريباً، وتكلفة الأطباق الرمضانية والحلويات باتت مرتفعة جداً، وتدفع بالمواطنين إلى تقليلها واختيار أصناف معينة على موائدهم".

وتشير العائلة إلى أنّ "الوضع اليوم اختلف كثيراً، وأن الغلاء أصبح يفوق ما كان عليه قبل عام 2019، ولم يعد يتحمّله حتى الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار النقدي، وهذا ينطبق على مختلف الخدمات وأسعار البضائع، فالتسعير بالدولار بات يتخطى المنطق والمقبول"، لافتة إلى أنّ "زيارة المطعم في هذا الشهر ستكون موجعة، لأن قوائم الأسعار عندهم وإن تفاوتت كثيراً بين مطعم وآخر، باتت بدورها أكثر مما كانت عليه سابقاً".

وتترافق الأزمة الاقتصادية في لبنان هذا العام مع العدوان الإسرائيلي على غزة وأزمة مرور السفن في البحر الأحمر والحرب الدائرة في الجنوب اللبناني إلى جانب إضرابات موظفي القطاع العام المعلَّق مصيرها وزيادة الضرائب والرسوم بعد إقرار موازنة العام 2024 عدا عن عدم قدرة المودعين رغم مرور أكثر من 4 سنوات على الانهيار النقدي من الوصول إلى ودائعهم بالمصارف بقيمتها الفعلية.

تأتي الخشية أيضاً على وقع تحذيرات دولية من أن الوضع في باب المندب والبحر الأحمر سيؤثر على تجارة الأغذية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وقد تضاعفت حتى الآن تكلفة شحن السفن التي تسير على هذه الطريق أربع مرات تقريباً، وانخفض نقل البضائع بنسبة 30%، وهو ما أكده مدير مكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) للتواصل مع روسيا أوليغ كوبياكوف.

وقال كوبياكوف إنّ "أكبر شركات النقل البحري في العالم رفضت تسليم البضائع عبر البحر الأحمر، ممّا عطّل السلاسل اللوجستية القائمة، وأجبر أصحاب البضائع على استخدام طريق ملتوية، حيث تذهب السفن المبحرة بين آسيا وأوروبا حول رأس الرجاء الصالح، ويبلغ طول هذا الطريق 8 آلاف كيلومتر ويمتد من 10 إلى 14 يوماً".

وأشار إلى أن "تكلفة شراء وقود إضافي لقطع مسافة إضافية يزيد التكاليف بمعدل 15%، ونتيجة لذلك يرتفع سعر المنتجات ويؤدي ذلك إلى تضخم أسعار المواد الغذائية وانخفاض في التوافر الاقتصادي للمنتجات الغذائية للمستهلك النهائي".

في الإطار، يقول مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان، محمد أبو حيدر لـ"العربي الجديد"، "بالتأكيد هناك تداعيات ارتدّت على لبنان نتيجة الوضع في البحر الأحمر، حيث إن مسار بعض السلع التي كانت تمرّ عبر باب المندب تغيّر، أصبحت تتجه صوب القرن الإفريقي، أي رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف الفيول، والشحن، والتأمين".

لكن أبو حيدر يضيف: "هذه الارتدادات بقيت محصورة جداً، إذ لم تتخطَّ النسبة الـ 7% إلى 8%، ووزارة الاقتصاد منذ قرابة الشهرين، تعمد إلى مراقبة سلسلة الإمداد من المستورد إلى تاجر الجملة والسوبرماركت، والسلع التي تأثرت بفعل التطورات، والتي لم تكن كبيرة باعتبار أن ليس كلّ الشحنات التي تصل إلى لبنان تمرّ عبر باب المندب".

ويلفت إلى أنّ "الوزارة أخذت ما يقارب 52 سلعة من السلع الغذائية الاستهلاكية التي تشكل قاعدة أساسية في شهر رمضان وتعمد إلى مراقبة مسار أسعارها منذ نحو شهرين وبشكل اسبوعي، والتطورات التي قد تطرأ عليها، وذلك حرصاً على منع استغلال الأحداث الأمنية والتلاعب بالأسعار، فإذا رأينا ارتفاعاً نعود إلى الأسباب، لندقق بها علمياً ومنطقياً، فإذا كان التاجر على سبيل المثال، نسطّر محضر ضبط بحقه ونحيله إلى القضاء المختصّ".

ويؤكد أبو حيدر أن "لا انقطاع أو فقدان لأي سلعة خلال هذه الفترة في الأسواق، ولا اختلال في سلسلة الإمداد، من دون أن ننسى أن الإنتاج المحلي والصناعة المحلية متوفرة وبجودة عالية داخل نقاط البيع، لكن الأثر هو على أسعار بعض السلع التي ارتفعت، وهذا ما ذكرته منظمات دولية تُعنى بأمور الغذاء ولا يقتصر على لبنان فقط".

من جهته، يقول رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التطورات الأمنية أثرت بالتأكيد على لبنان، كما المنطقة، سواء على صعيد تأثر وصول البضائع وارتفاع الأسعار، وواكبنا ذلك في العديد من البيانات والتقارير، وحددنا إطار الارتفاع بين 2% إلى 15% منعاً لحصول تجاوزات أو تسعير عشوائي".

ويضيف بحصلي "أتى أيضاً إضراب القطاع العام ليؤثر بدوره على تكدّس البضائع في مرفأ بيروت، ولكن اليوم عاد موظفو وزارتي الزراعة والاقتصاد إلى العمل وقد فك الإضراب أقله لأسبوع، صحيح أن المسألة لم تحل بالكامل، لكن حصلت حلحلة لمسألة الحاويات التي كانت مكدسة وذلك على أعتاب شهر رمضان وبعد مساعٍ كثيرة بذلناها، لتلبية حاجات السوق، وتم استئناف العمل في هاتين المؤسستين، ما خفّف الضغط"، لافتاً إلى أنّ "عودة الاضراب من شأنه أن يسبّب تأثيراً سلبياً بالتأكيد لناحية وفرة البضائع والأسعار".

ويلفت رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية إلى أنّ الأسعار معرّضة لعامل العرض والطلب، لذلك إن أي نقص على صعيد البضائع سيرتد حتماً سلبياً على الأسعار، من هنا نأمل ألا نعود إلى مشهد الإضراب.

وأشار في المقابل، نحن لا نقول إن هناك أزمة، فعندما يحصل ذلك نعلنه، البضائع والسلع موجودة ولا انقطاع فيها، ولكن رفعنا الصوت للتنبيه بأنّ هناك بضائع مستوردة من الخارج يجب حلّها وعدم عرقلتها أو تأخيرها لتغطية الطلب في هذا الشهر الفضيل".

ونوّه بحصلي إلى أنّ "الأسعار اختلفت كثيراً مقارنة بين شهر رمضان لهذا العام والسنة الماضية، وزادت ربطاً بعوامل وأسباب كثيرة، منها رفع الدولار الجمركي، والرسوم والضرائب التي أثرت كثيراً على أسعار السلع".

تجدر الإشارة، إلى أن لبنان سجّل ثاني أعلى نسبة تضخم في أسعار الغذاء حول العالم بنحو 208% العام الماضي 2023، ليحل بعد الأرجنتين التي سجلت 251%.

المساهمون