تونس: غلاء قياسي لأسعار اللحوم بحلول رمضان رغم التدابير الحكومية
سجلت أسواق تونس أسعاراً قياسية للحوم الحمراء مع بداية شهر رمضان رغم التدابير الحكومية بكبح الغلاء وتحديد هوامش الربح.
ويمثل شهر رمضان بالنسبة للتونسيين ثاني مواسم الاستهلاك الكبرى للحوم الحمراء بعد عيد الأضحى، غير أن الغلاء يُفقد طيفاً واسعاً من المواطنين القدرة على الوصول إلى اللحوم التي باتت شحيحة على الموائد.
ولم تعرف أسواق تونس سابقاً غلاءً مماثلاً لهذه السلعة التي تجاوز سعرها 50 ديناراً (16.1 دولاراً) للكيلوغرام من لحم الضأن، بينما وصل سعر لحم البقر إلى 45 ديناراً.
وتتفاوت أسعار اللحوم بحسب المناطق ونوعية القصابين، إلا أن هناك إجماعا على أن أسعار هذا العام هي الأعلى على الإطلاق. يقول شاكر التميمي وهو قصاب في حي المنار بالعاصمة تونس، إن الغلاء نتاج طبيعي لنقص القطعان وارتفاع كلفة تربية الماشية بعد عام من الجفاف، مؤكداً أن القصابين يقلصون هوامش الربح تجنباً لوصول الأسعار إلى مستويات أعلى.
والعام الماضي عاشت تونس موسماً جافاً تسبب في إتلاف مساحات واسعة من الحبوب والأعلاف فاقت 60% من مجموع المساحات المزروعة. وتحدث التميمي في تصريح لـ"العربي الجديد" عن نقص كبير في قطيع الماشية ينعكس سلباً على قدرة القصابين على توفير للحوم بأسعار معقولة.
ويقرّ بتسجيل أسعار غير مسبوقة، لكنه يقول إن "القصابين مجبورون على ذلك وليس لنا خيارات ثانية.. إنها أحكام السوق". وأضاف أن ارتفاع الأسعار أدى إلى تراجع إقبال التونسيين بشكل ملحوظ على شراء اللحوم الحمراء، لافتا إلى استهلاك لحم الضأن بات موسمياً ومرتبطاً بالمناسبات والأفراح.
وتعتمد الأسر التونسية في شهر رمضان بشكل مكثف على اللحوم الحمراء ما يرفع حجم الطلب بنحو 30% مقارنة مع بقية أشهر السنة. وبحسب إحصائيات حكومية، شهد استهلاك اللحوم الحمراء اضطرابات خلال السنوات الماضية، إذ ناهز 8 كيلوغرامات سنوياً للفرد، وهو أقل من المعدل العالمي. واستهلك التونسيون خلال العام الماضي 130 ألف طن، تنتج منه تونس نحو 127 ألف طن.
ويخضع تداول اللحوم الحمراء في الدولة إلى مبدأ تحرير الأسعار، وتختلف الأسعار بذلك من منطقة إلى أخرى باختلاف التكلفة. ورغم ذلك أعلنت الحكومة عن قبل شهر رمضان عن تحديد أسعار اللحوم عند مستويات لا تتجاوز 32 ديناراً للكيلوغرام، غير أن واقع السوق خالف التعليمات الرسمية. وتحدّث مدير عام المنافسة والأبحاث الاقتصادية حسام التويتي عن أسعار تفاضلية للحوم، تتراوح بين 31 ديناراً بالنسبة للكيلوغرام من لحم البقر و32.8 ديناراً من لحم الضأن المحلي.
وتفرض وزارة التجارة قيوداً على واردات اللحوم وذلك عبر تحديد الحصة السنوية المسموح بها للشركات الخاصة بحسب ما تحتاجه السوق وعدد من القطاعات المستهلكة على غرار القطاع السياحي، مع إعطاء الأولوية للشركات الحكومية في تنفيذ برنامج التوريد.
لكنّ رئيس غرفة موردي اللحوم صلاح الدين فرشيو، يقول إن توريد كميات من اللحوم أمر ضروري لتعديل الأسعار وتنويع العرض خلال الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، مشيرا إلى أن هذه الفترة تشهد ذروة الإقبال على اللحوم تليها ذروة ثانية في الفترة المتراوحة بين ليلة 27 من الشهر وعيد الفطر.
ويلفت فرشيو في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أهمية توريد كميات من اللحوم المبرّدة لتلبية حاجة السوق وخفض الأسعار، معتبراً أن للموائد التونسية خصوصية في رمضان يتعيّن احترامها. ويشير إلى أن سعر لحم الخروف المستورد سيكون بين 33 و35 ديناراً للكيلوغرام، أي أقل من سعر لحم الخروف المحلي.
ويضيف أن القطاع الخاص يلعب دوراً مهماً في تعديل الأسعار وتحسين العرض، معتبراً أن تحجيم الواردات سيدفع إلى استنزاف القطيع المحلي باللجوء إلى ذبح إناث الأبقار والمواشي الصغيرة، وهو ما يهدد منظومة اللحوم برمتها.
وتمتلك وزارة التجارة عبر أجهزتها، صلاحيات التدخل في منظومة اللحوم، وذلك بإسناد تراخيص الاستيراد من عدمه، حيث يتخذ القرار بناء على كشوف تقدمها منظمة المزارعين عن حجم القطيع.
ويطالب القصابون بفتح المجال أمام شركات الاستيراد الخاصة والحكومية لتعديل السوق عبر اللحوم المجمدة والمبردة، فضلاً عن توريد العجول القابلة للتسمين، بما يعزز القطيع المحلي ويدفع المربين إلى المحافظة على الإناث وتوجيهها أساساً نحو إنتاج الألبان. وتقوم وزارة التجارة، منذ سنوات، بضبط برنامج سنوي لتوريد اللحوم تحدد كمياته وفق احتياجات السوق بعد الاتفاق مع وزارة الزراعة، بما يساهم في المحافظة على توازن منظومة اللحوم وتوفير السلعة في الأسواق.