تهافت على السلع في لبنان تحسباً للحرب... وتدابير حكومية لضبط الأسواق

تهافت على السلع في لبنان تحسباً للحرب... وارتفاع الإيجارات في "المناطق الآمنة"

26 أكتوبر 2023
معدلات شراء السلع زادت إلى ما يقارب النصف تحسباً لاتساع نطاق الصراع (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -

عند كلّ أزمة يعاني منها لبنان تتجه الأنظار إلى انعكاساتها الاقتصادية عليه، خصوصاً أن البلاد غارقة في أحد أشدّ وأخطر الانهيارات المالية والنقدية على مستوى العالم في وقتٍ تُعد بنيتها الاجتماعية هشّة جداً، فكيف إذا كان التهديد الراهن يرتبط باحتمال حدوث عدوان إسرائيلي؟

تُجمع الآراء السياسية والاقتصادية وضمنها الصادرة عن مسؤولين ونواب ووزراء على أن لبنان لا يحتمل الدخول في أي حربٍ وأن تداعياتها ستكون كبيرة جداً اقتصادياً وإنسانياً واجتماعياً وصحياً، وأنه لا يمكن مقارنتها إن حصلت مع حرب يوليو/تموز 2006، حيث كان الدعم العربي الدولي لا يزال "مفتوحاً" والقطاع المصرفي "سليماً" وودائع الناس قابلة للتصرّف من قبل أصحابها.

لذلك، يحذر سياسيون واقتصاديون من مغبة الانجرار نحو حرب تشمل لبنان وتوسّع رقعة الاشتباكات بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي التي لا تزال لغاية اليوم متقطعة ومحصورة في المناطق الحدودية، إذ إنه رغم التطمينات الحكومية بتحضير الخطط الاستباقية لمواجهة حال الطوارئ، تبقى خشية الشارع اللبناني كبيرة، في ظل تراجع مستوى الخدمات ولا سيما الصحية، وباعتبار أن القطاعات كافة ومؤسسات الدولة تفتقد الإمكانيات المالية ولا سيما الدولارية وليست محصَّنة بشكل كافٍ للحدّ من تداعيات أي حدث أمني واسع.

كذلك، تبقى الأنظار متجهة إلى سعر الصرف في السوق السوداء، الذي وإن لم يسجل أي ارتفاع ملحوظ حتى الساعة نظراً لدخول البلاد مرحلة الدولرة، بيد أن احتمال "تحليقه" متوقع في أي وقت.

وبعيداً من سيناريوهات الحرب و"المخاوف الاستباقية"، تطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت تداعيات المعركة على الجبهة الجنوبية اللبنانية بدأت تظهر على الساحة الاقتصادية، ولا سيما أن إجراءات وتدابير عدة اتخذت في الأسبوعين الماضيين، من قبل سفارات دول أجنبية وعربية، وشركات التأمين، والطيران، ستكون لها حتماً ارتدادات سلبية على بلدٍ تفاءل كثيراً بالأرباح التي حققها من السياحة في فصل الصيف، وكان يعوّل إيجاباً أيضاً على السياحة الشتوية، وموسم الأعياد، الذي يبدأ في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.

تهافت على شراء السلع

قال وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تداعيات اقتصادية سلبية دائماً ما تسجّل عند الأزمات وتخلق بالتوازي تحديات أكبر، خصوصاً أنها تترافق مع حالة هلع عند الناس تترجم في الأسواق والتهافت على الشراء خوفاً من انقطاع السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية".

ولفت سلام إلى أن التهافت على الشراء ظهر بنسبة زيادة بين 35% و50% وذلك منذ بدء الأحداث على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة أي خلال الأسبوعين الأخيرين، الأمر الذي يخلق في المقابل مناخاً يسارع التجار إلى استغلاله عبر رفع الأسعار أو تخزين المواد، وهذا كلّه من شأنه أن يحدث حالة ارتباك تنعكس سلباً على الاقتصاد.

وأضاف أن الأسعار ارتفعت بشكل بسيط لا يتخطى نسبة الـ3%، وذلك نتيجة ارتفاع بواليص التأمين بيد أنه لم يحصل حتى الساعة انعكاس اقتصادي مباشر ربطاً بالأوضاع الأمنية على الحدود، ولكن هذا المشهد طبعاً سيتغير فيما لو حصل تصعيد أمني أو عدوان على لبنان.

وطمأن الوزير المواطنين إلى أن البضائع والسلع الاستهلاكية تكفي بين شهرين وثلاثة أشهر في حال تطوّر الأوضاع إلى الأسوأ أمنياً، ولكن شرط ألا يحصل تخزين فائض أو زائد لها ما من شأنه أن يخّفض هذه الكميات إلى النصف وتالياً يقلّص وجودها زمنياً.

وقال: "نتابع أوضاع أصحاب المحال والمتاجر في القرى الحدودية والتي هي بمحاذاة المناطق التي تشهد قصفاً معادياً والتي أقفلت أبوابها منذ بدء الاشتباكات ونعلم أنهم يتكبّدون خسائر إزاء ذلك، ونحن على تواصل معهم ونعرض المساعدة في حال كانت هناك بضائع تتطلب التصريف أو التواجد بالسوق المحلي وتالياً نقلها من موقعها إلى مكان آخر في بيروت أو غيره".

وأكد سلام وجود تجار "يستغلّون الظروف والجو العام في البلد لتحقيق الأرباح ولكننا بالمرصاد لهم، وقد أعلنا في الأسبوع الماضي عن تسطير (توقيع) 251 محضر ضبط في شتى القطاعات استناداً لمخالفات واضحة، ولن نتوانى عن تسطير محاضر إضافية والقيام بمداهمات وأيضاً توقيف من تسوّل له نفسه مضاعفة أرباحه على حساب وجع الناس ومعاناتهم".

وحول سؤال عن أن المحاضر التي تسطّرها وزارة الاقتصاد بحق المخالفين وتجار الأزمات ليست رادعة بشكل يوقف عمليات الأرباح غير الأخلاقية وغير المشروعة ويحدّ منها، قال سلام إن "القوانين التي نعمل وفقها قديمة، والغرامات التي تفرضها غير رادعة. وهناك مشروع مقدّم في مجلس النواب ينتظر عقد جلسة واحدة لإقراره وبالتالي تعديل قانون حماية المستهلك، برفع الغرامات واعتماد سياسة نفّذ ثم اعترض، بدل الانتظار حتى إحالة الملف إلى القضاء".

إجراءات استثنائية لضبط الأسواق

وشدد وزير الاقتصاد اللبناني على أنه إذا حصلت مخالفات سجري اللجوء إلى جميع الوسائل لمواجهتها، لافتاً إلى أنه في حال دخل لبنان حالة الطوارئ أو الحرب، "سأقوم باتخاذ إجراءات استثنائية قد تصل إلى سجن أو توقيف المخالف وكل تاجر ومسؤول عن هذه الممارسات المخالفة لأن وضع البلد لا يحتمل هذا الاستغلال".

وأكد أن لا مواد مقطوعة في السوق اللبناني، كما أن الطحين والقمح متوفران، مشيراً إلى أنه تأكد مع البنك الدولي عن إجراءات ستتخذ خلال الأيام المقبلة من أجل تسهيل عمليات الاستيراد حتى يبقى المخزون الاستراتيجي كبيراً في البلد وذلك بالتنسيق مع المطاحن والأفران.

وأشار سلام، إلى أن المخازن لا تزال ممتلئة بالبضائع وهناك طلبيات وبواخر قيد السير لكن المخاطر الكبيرة تكمن سواء على صعيد المواد الغذائية أو المحروقات أو مختلف المواد الاستهلاكية في حال حصل مثلاً حصار بحري، من هنا تركيزنا على الملاحقة الجوية والبحرية بحيث يجب التعاطي معها بدقة أكبر واستناداً إلى واقع الحال اليوميّ.

وقال: "نتخذ خطوات استباقية ونتابع تفاصيل تخزين المواد في المناطق اللبنانية، علماً أنه تبيّن للأسف أن عمليات التخزين تحصل أكثر في بيروت وجبل لبنان ومناطق ليست معرّضة لخطر العدوان، رغم أن المخاوف تشمل البلد ككلّ باعتبار أنه بمجرد قصف أو ضرب البنى التحتية أو الطرقات أو الجسور فإن سلسلة الإمدادات والنقليات كلها ستكون بدائرة الخطر".

ولفت أيضاً إلى أنه تمنى على التجار استيراد كميات إضافية إذا أمكن "طالما أن بحرنا وأجواءنا ما زالت مفتوحة، لكن هناك تحديات تواجههم منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان أواخر عام 2019 وذلك ربطاً بالوضع المصرفي الراهن ومشاكل التحويلات النقدية إلى الخارج، فهذا من المعوقات التي تصعّب العمل في حال الطوارئ، باعتبار أن التاجر ينتظر ليسحب أمواله من السوق ليشتري بضائع جديدة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأكد سلام أن جميع القطاعات على أهبة الاستعداد لمواكبة أي ظرف طارئ، وذهبنا أيضاً أبعد من ذلك بحيث اجتمعنا مع منظمات دولية ممكن أن تساعدنا في حال وصلنا إلى مرحلة الحصار البحري، لإدخال المواد الأساسية إلى البلد، مكرراً أن حديثه ليس من باب التهويل، بل الاحتياط لمواكبة ومواجهة كل السيناريوهات.

ووفق مصدر في وزارة الاقتصاد تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن المشكلة الأساسية التي تواجه لبنان اليوم تتمثل في تعاطي شركات التأمين معه، وهو حال التجار الذين ترفض الشركات منحهم التأمين اللازم تخوفاً من الحرب، باعتبار أن لبنان بات في صلب المعركة، وهو ما يدفعهم إلى عدم شراء بضائع بكميات كبيرة.

ارتفاع قيمة الإيجارات في المناطق الآمنة

وفي سياق بعض التداعيات، لوحظ ارتفاع كبير في قيمة إيجار السكن، ولا سيما في المناطق التي تُعتبر آمنة، وبعيدة من البلدات "الساخنة أمنياً" والمعرّضة لعدوان إسرائيلي، الأمر الذي خلق حالة من الغضب لدى العديد من العائلات التي اضطرت إلى ترك منازلها والنزوح، والتي أسفت للاستغلال الحاصل، ومحاولة البعض جمع أموال طائلة على حساب وجع الناس.

وإلى جانب قيام بعض التجار برفع أسعار السلع والمواد الغذائية وتخزينها لبيعها لاحقاً بأسعار مرتفعة في حال تطورت الأوضاع الأمنية، وكذلك إلى جانب تحذيرات العديد من السفارات ودعوتها مواطنيها إلى مغادرة لبنان أو عدم السفر إليه، برزت أيضاً إجراءات استثنائية اتخذتها شركة طيران الشرق الأوسط "MEA"، كما برزت دعوة نقابة الصيادلة في لبنان إلى ترشيد بيع الدواء للمواطنين.

وأعلن رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، أخيراً، عن نقل 10 طائرات من أسطولها إلى جزيرة قبرص، وقبلها أخلت 5 طائرات ونقلتها إلى مطار إسطنبول في تركيا.

واتخذت هذه الإجراءات بعد خفض شركات التأمين حجم تغطيتها للأضرار التي يمكن أن تنجم عن الحرب وفي حال وقوعها. وقال الحوت إنه تم إلغاء أكثر من نصف رحلات الشركة، لافتا إلى أن شركات التأمين سمحت بتسيير رحلات مع خفض التأمين بقيمة 80%.

المساهمون