ثقافة الأردن 2021: فوضى شعارات في واقع محبِط

ثقافة الأردن 2021: فوضى شعارات في واقع محبِط

02 يناير 2022
جانب من مدينة عمّان، في أيلول/ سبتمبر 2021 (Getty)
+ الخط -

حتى بداية آذار/ مارس 2021، واصل وزير الثقافة الأردني الأسبق، باسم الطويسي، اجتماعاته للتبشير باستراتيجيته التي تتبنّى تحويل الأفكار الإبداعية إلى أعمال جماهيرية موجّهة إلى جميع المواطنين من أجل الانتقال من حالة الاستهلاك السلبية كي يصبحوا منتجين للفنّ والفكر، وتصدّرت اهتماماته إعادةُ إحياء صندوق دعم الثقافة الذي كان من المفترض إطلاقه خلال العام الماضي مموّلاً من القطاع الخاص.

الطويسي، الآتي من الحقل الأكاديمي والبحثي، أمضى في موقعه قرابة العام، قبل أن تشهد الحكومة تعديلاً وزارياً أطاح بجميع خططه، ليتولّى الحقيبة علي العايد، الذي شغل منصب سفير الأردن لدى العدو الصهيوني بين عاميْ 2006 و2010، ولاقى تعيينه انتقادات كتّاب ومثقّفين أبدوا خشيتهم من اختراق لسياسات الوزارة التي ظلّت بمنأى عن التطبيع.

لكن الأشهر السبعة التي قضاها العايد اقتصرت على الإدلاء بتصريحات عامّة حول إعادة الفرح الذي سلبته جائحة كورونا، لتحلّ العضو الأسبق في مجلس الأعيان هيفاء النجار في المنصب منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي حطّمت أرقاماً قياسية في رعاية وافتتاح فعاليات رسمية وأهلية، واعتبرت في مقابلات صحافية أن "كلّ مواطن أردني مثقّف"، وأن المضيّ بمشروع مستقبلي للثقافة الأردنية يحتاج شراكة مع جميع الوزارات. لكنّ تلك الشراكة المنشودة لم تجد طريقها للتطبيق حتى اللحظة.

ثلاث نسخ من الشعارات التي رفعتها الوزارة في عام واحد فقط أكّد خلاله الوزراء الثلاثة جدّية المؤسّسة الرسمية في تنفيذها، إلّا أن أوّل المشكّكين بتلك الجدية، ربّما، هم موظّفو "الثقافة" الذين يعلمون قبل غيرهم أن وزيراً يُعَيَّن كلّ عام منذ أن أصبحت الوزارة مستقلّة عن حقيبة الإعلام عام 1988، حيث تعاقب عليها ثلاثة وثلاثون وزيراً، وأن نظرة "الدولة العميقة" لها لا تتعدّى كونها حقيبة هامشية تُمنح لبعض الشخصيات تحقيقاً لتوازنات عشائرية ومناطقية وطائفية.

لا وجود للثقافة في ظلّ احتكار السلطة وغياب منظومة رقابية

وسِجِلُّ العديد من هؤلاء الوزراء حافلٌ بالطُّرَف والمفارقات التي تعكس جهلهم بالثقافة أو إدراكهم لمبدأ الترضية وتوزيع المكرمات الذي يمنحهم منصباً في حكومات لم تُنتخب على مدار قرن مضى، إنما تُسَمّى من علٍ ولم تُقَدَّم واحدة منها للمحاسبة على تقصير أو أخطاء اقترفتها، بل يتمّ تعديلها أو استبدالها بأخرى لامتصاص أيّ احتجاج شعبي أو رغبة في تقليب الوجوه والشعارات.

ورغم أن الوزارة تضع، منذ تأسيسها، هدفاً وطنياً عامّاً يتمثّل في "بناء جيلٍ قدر على الإبداع والابتكار ذي إنتاجية مرتفعة"، إلّا أنه لا يمكن تحديد آليات عمل واضحة لتحقيق هذه الغاية في بلدٍ تغيب عن مدارسه الفلسفة والفنون بجميع أشكالها، من مسرح وموسيقى وتشكيل ورقص، أو في بلد لم يُنشئ، حتى اليوم، مسرحاً وطنياً يقدّم عروضاً على مدار العام، أو مركزاً متخصّصاً بالترجمة، ولم يطوّر الأوركسترا الوطنية، أو يُنشئ داراً وطنية للنشر، وغيرها من المشاريع الأساسية.

وإذا ما أمعنّا النظر، سنجد أن "الهوية الوطنية" التي تسعى إلى تكريسها الوزارة، ظلّت أيضاً مجرّد حبرٍ على ورق، مهما نظّمت الوزارة من مهرجانات ومؤتمرات للحفاظ على التراث، إذ تكاد تندثر الذاكرة الشعبية مع غياب مشروع حقيقي لتدوين المطبخ والأزياء والعمارة والعادات والتقاليد والطقوس والمعتقدات ومعاجم متخصّصة في اللهجات واللغات القديمة التي أثّثت قاموس الحياة الاجتماعية والأنشطة الزراعية والتعبيرات الفنية طوال مئات السنين الماضية.

إزاء هذه المعادلة، لم تدرك أجهزة الدولة أنها وطّنت الحداثة مثل العديد من الدول العربية على نحو مشوّه وزائف، حيث تنحسر كنمط استهلاكي للسّلَع والخدمات، كما أن التراث أيضاً استمرّ ولكنْ مشوّهاً ومتلاعَباً في عناصره وطُرق توظيفه السياسي في كرنفالات وفعاليات رثّة، بعيداً عن المؤسّسية والعمل الاحترافي الذي يضع الموروث غير المادّي على طاولة الدرس والبحث والتنقيب المعرفي.

لم تدرك أجهزة الدولة أنها وطّنت الحداثة والتراث بشكل مشوّه

إلى أين تمضي الثقافة الأردنية؟ سؤالٌ لا يمكن الإجابة عنه بمعزل عن مواجهة احتكار السلطة التي تعيق أية عملية إصلاحية من شأنها أن تُعيد إلى المواطن قدرته على تمثيل مصالحه واحتياجاته وفق نظام ديمقراطي يضمّن تداول الحُكم؛ حُكم يخضع لمنظومة رقابة صارمة تُرسي العدالة وسيادة القانون على الجميع. خلاصةٌ قد يصنّفها كثيرون في خانة السياسة، لكنّها تشكّل أولوية للمثقّف الذي يجدر به تقديم اجتراحاته لمواجهة حالة العجز والانحطاط التي راكمها الساسة.

المساهمون