"باي الشعب": في سيرة علي بن غذاهم

"باي الشعب": في سيرة علي بن غذاهم

18 يناير 2021
من الفيلم الوثائقي
+ الخط -

بالتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة التونسية، جرى منذ أيام إطلاق الفيلم الوثائقي "باي الشعب" (إخراج: أمان الغربي وسماح الماجري، سيناريو: شاكر بوعجيلة، 90 دقيقة) والذي يتناول مرحلة من تاريخ تونس (القرن التاسع عشر) شهدت هي الأخرى انتفاضة شعبية هزّت النظام وقتها وكانت سبباً في تغييرات عدّة. شكّلت هذه الفترة مرجعية للثورة التونسية الأخيرة، خصوصاً أنها انطلقت من نفس المجال الجغرافي تقريباً.

عُرض العمل أوّل مرّة في "مدينة الثقافة" في تونس العاصمة يوم 11 كانون الثاني/ يناير. ومع عرضه تلفزيونياً في ذكرى الثورة (14 كانون الثاني/ يناير، قناة الجزيرة الوثائقية)، أخذ مساحة جماهيرية أوسع أعادت شخصية علي بن غذاهم إلى الأذهان، وهو الذي عُرف بلقب "باي الشعب" في إشارة للقطيعة التي كان يشعر بها التونسيون مع الباي، محمد الصادق، في تونس العاصمة، حيث اعتبروه باياً (ملكاً) على حاشيته وجنوده لا غير.

يضيء العمل الخلفيات التاريخية لانتفاضة الشعب التونسي مع بن غذاهم في عام 1864، حيث يكشف المؤرخون المشاركون في العمل الوثائقي حجم الانتكاسة الاقتصادية التي عرفتها البلاد في منتصف القرن التاسع عشر بسبب سوء إدارة موارد الدولة وتضخّم المديونية تجاه البلدان الأوروبية، وهو ما أدّى إلى زيادة المبالغ المالية المدفوعة في الضرائب، ما أرهق التونسيين فدخلوا في ثورة ضد نظام الحكم منذ أن دعاهم بن غذاهم لذلك. 

هناك تقاطعات كثيرة بين ثورة علي بن غذاهم وثورة 2011 في تونس

ما يُحسب للعمل هو قدرته على البناء الدرامي - ضمن مفردات السينما الوثائقية - لمسار فشل الثورة، حيث يضيء مناورات المسؤولين لتحويل وجهة الغضب الشعبي وتشتيته، من خلال الوعود التي جعلت الجماهير تنفضّ عن "باي الشعب" بالتدريج. ولا يخفى هنا التقاء مصير هذه الثورة مع الكثير من وقائع ثورة 2011 وما آلت إليه هي الأخرى من التفاف على مطالبها.

لكن لا يمكن تفسير حسن استقبال هذا العمل بتزامنه مع إحياء الذكرى العاشرة للثورة التونسية، حيث إن تحويل سيرة علي بن غذاهم إلى فيلم كان طُموحاً في الساحة الثقافية ظهر منذ سنوات في تونس، من ذلك أن المخرج التونسي الراحل شوقي الماجري (1961 - 2019) قد اعتبر أن تجسيد هذه السيرة سينمائياً ودرامياً هو أكثر مشروع يتمنّى تحقيقه، مشيراً إلى أن هذا العمل يأخذ بعداً شخصياً لأن لديه قرابة دم مع علي بن غذاهم. في 2015، بدأ الماجري بالفعل في التقدّم في إنجاز المشروع، مع المنتج نجيب عيّاد والكاتب حسنين بن عمّو، قبل أن تتفرّق بهم السبل بعد حوالي سنتين، لينهار المشروع برمّته، ولم يُخف الثلاثة خيبتهم.

ما كان يفترض أن يكون سيناريو عمل يخرجه شوقي الماجري عن علي بن غذاهم بات نص رواية نشرها بن عمّو في 2018 بعنوان "عام الفزوع" (دار نقوش عربية)، وعرفت نجاحاً جماهيرياً لفت إلى حاجة الجمهور التونسي إلى الرواية التاريخية وإقباله عليها. يُذكر أن سيرة بن غذاهم قد كانت موضوع رواية أخرى بعنوان "باي العربان" (دار زينب، 2015) لجمال الجلاصي.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون