مع غزّة: فوزية أبو خالد

مع غزّة: فوزية أبو خالد

16 ابريل 2024
فوزية أبو خالد
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد تعبر عن صدمتها بالصمت العالمي والعجز الإنساني أمام العدوان على غزة، متسائلة عن استمرار الحياة اليومية وسط الإبادة.
- تؤكد على قوة الإبداع في مواجهة الظلم، مستشهدة بالكتابات من غزة كشكل من أشكال المقاومة والحياة، وتشدد على أهمية التعبير عن الحقيقة والأمل.
- تختتم بالتأكيد على أهمية الحياة بعدل وحرية، وتوجه كلمات الأمل لأهل غزة والإنسان العربي، معبرة عن التضامن مع الطفلة دارين البيّاع وأطفال فلسطين.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "كيف ولماذا وإلى متى نصحو وننام... وغزّة تُحرق حية على الهواء؟"، تقول الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد لـ"العربي الجديد".


ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
ليس ما يشغلني هاجساً، بل ما يعصف بفكري ووجداني ويزلزل جسدي وعاطفتي وعقلي هي مجموعة من الأسئلة الحارقة الحائرة المبرّحة التي تفتك بضميري وبكل ضمير إنساني حرّ، أمام جريمة الإبادة الجماعية، التي يرتكبها الاحتلال العسكري الصهيوني الاستعماري على أرض غزّة، يوميّاً، على مدى خمسة أشهر. ومن هذه الأسئلة: 

أولاً: كيف لأيٍّ منّا أن ينظر في المرآة من دون أن يمحو ملامحه وروحه الحياء من أطفال غزّة وهم يُذبحون أمامنا وفي بث مباشر على الهواء أمام عيوننا وعيون العالم، من دون أن نحرك ساكناً، غير صمت مخزٍ أو كتابة كلمات بكماء كما أفعل الآن؟ 
كيف ولماذا وإلى متى نصحو وننام ونغتسل ونلبس ونأكل ونشرب ونتنفس وكأنّنا بشرٌ سويٌّ وقد حوّل الاحتلال الصهيوني أرض غزّة عن بكرة أبيها وأمها وأطفالها إلى فرنٍ غازيٍّ مستدام. فلا طفل ولا طائر ولا حجر إلّا وتحوّل حطباً لنيران حقد الاحتلال المتقدة ليل نهار. 
ثانياً: كيف ولماذا وإلى متى للعالَم، كلّ العالم، أن يصبرَ ويصمتَ ويتعايش على هذا الذلّ والهوان وهذه الجريمة الوحشية البواح التي يرتكبها علناً وبإجماع "قادة العالَم الحرّ والمستعبد معاً"، ليس في حقّ أهل غزّة العزّل، بل في حق الأوليات والبديهيات الإنسانية؟!
ثالثاً: كيف يصمد أهل غزّة عُزَّلاً هذا الصمود الأسطوري وهم يتعرّضون يومياً لأطول حرب احتلال وأقساها وأبشعها  وحشية ضارية نارية مرّت على العصر الحديث أو سجّلت في كتب التاريخ؟ كيف يستطيع الغزاويون، وأطفالهم يتعرضون لأطول مجاعةٍ في عالَم اليوم ويموتون أمام عيونهم جوعاً وعطشا وقصفاً، أن يمدّونا بأسباب الحياة، ونحن والعالم القريب والبعيد يعجز أن يمدهم بحبة دواء لموت رحيم أو برغيف خبز وشربة ماء. 
رابعاً: إلى متى غزّة تُحرق حية على الهواء؟ أوليس الصبح بقريب؟ 

كيف لأيٍّ منّا أن ينظر في المرآة وأطفال غزّة يُذبحون أمامنا؟

تقليب هذه الأسئلة وما شاكلها كثيرٌ، وما هو أحدُّ وأصعب منها وأكثر تفصيلاً وتفرعاً مما تولّده الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني على أرض غزّة لستة أشهر متواصلة، بتأييد من قوى العالم المتنفّذة، هي قشّة الأمل التي أتمسّك بها شخصياً، لئلا أرى في المرآة مجموعة حيوانات داجنة جريحة أو أتحوّل إلى جثة هامدة.

■ إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
اطلعتُ عبر عدّة مواقع إلكترونية على كتابات إبداعية كتبَها مجموعة من الشعراء والكتّاب على أرض غزّة تحت القصف المتواصل، وفي اختناقات الغازات السامة ودخان الحريق، وسرّبَتها للعالَم بعضُ الأرواح الجريئة، وبعضها جاء مع أخبار استشهاد كتّابها قبل أن يجفّ حبر كتاباتهم، ومنهم الشهيدة هبة أبو ندى. 

هذا يعني أنَّ الإبداع الحياتي الأسطوري اليومي الذي ينتجه أطفالُ غزّة وأهلُها أمام سطوة الموت قد ألهم المبدعين الفلسطينيّين ليخرجوا على حالة الذهول والهلع والجزع والإبادة الجماعية التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية العسكرية في حقّهم، ليكتبوا حياتهم في مواجهة الموت.

فإذا كان من يواجهون الموت شخصياً بأكثر صوره وحشية يجدون في الإبداع حياة، فإنّنا كتاباً ومبدعين ومثقّفين نعيش جريمة الإبادة الجماعية لغزّة عن بعد، لا نملك، وإن مُتنا خجلاً منهم، إلا أن نتقوّى بهم ونكتب: "حقاً، إنَّ للبشرية في الشِّعر والإبداع حياة".

إلى متى نموت أو نتظاهر بالموت وغزّة أمامنا تدعونا للحياة؟


لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
هناك في رأيي تعالقٌ مشيميٌّ بين الإبداع وبين كل أوجه العمل وحقوله التي تذكرها في سؤالك، ولكنني أجد أنَّ العمل الإبداعي قد يكون أكثر استقلالية وتحرّراً من الكثير منها، وإن كان لا عمل يضاهي شرف من يستشهدون عُزّلاً، وأطفالاً وكباراً، على أرض غزّة اليوم، وليس في أيديهم قلم من أسلحة السلام، ولا ذخيرة من أسلحة الحرب، إلا ضمّة من تراب أرضهم وحياتهم نفسها. 
 
 
ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟ 
الحياة بعدل وحرية وكرامة وسلام، ليس شعارات فحسب، ولكن أماني حالمة وخبز حلال. 


شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟
شخصيّاتٌ كثيرة وسأقول لهم: لم تَضع مقاومتكم سدىً، ولكن وإن تناسل الأشرار ولم يمت الشر بعد، فقد جعلتم طريق الأمل آهلة بالأرواح الأبيّة وأقلّ وحشة. 


كلمة تقولينها للناس في غزّة؟
ليس من كلمة يقولها الموتى للأحياء إلّا: علّمتمونا، يا أهل غزّة، شرف الحياة. 
صبراً أهل غزّة، فموعدكم فلسطين.


كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
إلى متى نموت أو نتظاهر بالموت وغزّة أمامنا تدعونا للحياة.


حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟
سؤالٌ مُوجِعٌ:"هلا دارين وغلا 
السلام عليكم أطفال غزّة، 
سامحينا دارين. 
فالعالم جبانٌ وأطفال غزّة الشجاعة 
العالم خواء، وأطفال غزة المعنى 
العالم مريض وأطفال غزة شفاء 
دارين ارمي للموتى قبلة في الهواء
فمن سوى دارين 
طفلة من بطولة غزّة
تطلب من العالم أن يكاتبها 
وقد كتبت بدمها الأعزل 
أعظم رسالة سلام". 


بطاقة
شاعرة وكاتبة وأكاديمية سعودية من مواليد الرياض عام 1955. تعدُّ من الأصوات الشعرية المجدّدة في الخليج العربي، ولها إسهامات أدبية وبحثية وكتابات حقوقية. حصلت على دكتوراه في علم الاجتماع السياسي وعلم اجتماع المعرفة من "جامعة سالفورد" في المملكة المتحدة عام 2000. تركز في أبحاثها الأكاديمية على القضايا الاجتماعية وحقوق المرأة والطفولة. من أعمالها الشعرية: "إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟" (1975)، و"قراءة في السر للصمت العربي/ أشهد الوطن" (1982)، و"ماء السراب" (1995)، و"شجن الجماد" (2006)، و"تمرّد عذري" (2008)، و"ملمس الرائحة" (2014)، "ما بين الماء وبيني" (2017). ومن كتبها الأخرى: "تحديات وطنية مقاربة لمطالب النساء" (2017)، "سيرة الأمهات" (2020).

 

مع غزة
التحديثات الحية

المساهمون