باب عمر باشا (8/9)

باب عمر باشا (8/9)

21 ابريل 2020
+ الخط -
"عزيزي حسين: عندما تقرأ خطابي هذا سوف أكون في مطار القاهرة أنا وأسرتي في طريقنا إلى كندا بلد مهجرنا الجديد. بعد أن لفظتنا، بلدنا الأصلي، مصر الحبيبة. وقد كان أبي يريد العودة إلى اليونان، لكن مامّا أرادت أن تكون بجانب أختها فى مونتريال. فأرجوك ألا تغضب لهذا الخبر، فقد طلب منا بابّا أن نكتم خبر هجرتنا عن الجميع. وإنني آمل أن تكون قد فهمت سبب بكائي في السينما وفي عش الحمام. فأنا كنت أبكي حباً محكوماً عليه بالفشل. حب سامٍ طاهر عفيف، حب لك ولأسرتك الكريمة التي جاورتها منذ نعومة أظفاري. أرجوك يا حسين وبحق حبنا الطاهر ألا تغضب مني، وسامحني على كتمان خبر هجرتنا. كذلك أريد منك أن تنساني، لأني سوف أحاول نسيانك ونسيان سوق النصارى وباب عمر باشا.. ونهارك سعيد".

ارتمى حسين بجانب أمه وهو ينتحب من البكاء، فقد خسر في أسبوع واحد صديق الطفولة، وحبه الأول، وأصبح يهذي لنفسه: كندا.. كندا.. كيف سوف أذهب إلى إلينا في كندا، وما هو ثمن تذكرة الطائرة؟ أبعد مكان ذهبت إليه هو القاهرة.. ما بالك كندا؟ إلينا لم تقل عنوانها في كندا لكي أراسلها. محتمل أن ترسل لي خطاباً على عنواني في باب عمر باشا. وعاش حسين السنوات التالية على أمل أن يصل إليه خطاب من إلينا.


حسين لنفسه: إلينا قالت في خطابها إنني يجب أن أنساها، لأنها سوف تنساني. لكني غير مصدق كلامها، لأن دموعها ونظراتها تقول إنها تحبني بصدق مثل حبي لها. سوف أنتظر خطابها إلى نهاية عمري.

انشغل حسين في الدراسة بكلية هندسة الإسكندرية، ولم يعد يتذكر إلينا إلا قليلاً، ولكنها في قلبه وفكره ولن ينساها أبداً. والآن عليه أن يتفوق ليكون معيداً بالكلية ومحتمل بعدها بعثة دراسية في الغرب فيكون قريباً من كندا وإلينا. وعاش حسين على هذا الأمل لخمس سنوات دراسة بالكلية، ورغم تفوقه في كل سنوات الدراسة وحصوله على تقدير جيد جداً في السنة النهائية إلا أنه لم يحصل على وظيفة معيد في الكلية.

فى أحد العصاري، كان حسين يجلس بالشرفة المطلة على شارع العطارين وسوق النصارى يفكر في مستقبله بعد الكلية، فرأى رجلاً طاعناً في السن، فقال في نفسه إنه أحد أقارب مسيو زخارى يشتري بعض الفاكهة، يجب أن أسأله عن أخبار إلينا؟ نزل حسين الدرجات بأسرع من البرق وانتظر الرجل حتى ينتهي من الشراء، فقال له: سعيدا مبارك يا خواجه.
سعيد مبارك خبيبي، من أنت؟
أنا حسين محفوظ، وكنت جار مسيو زخارى في هذه العمارة.
مسيو زخارى رخمة الله يا خبيبي.

بهت حسين من الفاجعة، لكنه تمالك نفسه بسرعة ليعرف بقية أخبار الأسرة.. كيف حدث هذا ومتى؟..

للقصة بقية..

دلالات

B255BE3A-BC30-417B-932F-104B8C087B7D
حسن الحداد

كاتب مصري مقيم في أميركا

مدونات أخرى