باب عمر باشا (5/9)

باب عمر باشا (5/9)

05 ابريل 2020
+ الخط -
في الصباح التالي، انتظر حسين إلينا وهو حذر متيقظ وكله آذان لكي يسمعها وهي تغادر شقتها. وفجأة سمع خطواتها تهبط الدرجات في منتهى السرعة، وكأنها تطير، وتلاقت عيناهما بسرعة خاطفة..

إلينا: نهارك سعيد حسين..
حسين متلعثماً: نهارك سعيد إلينا.. هذا خطاب لك..

خطفت إلينا الخطاب ووضعته في جيبها، ولم تنظر إلى حسين وكأنها كانت في انتظار هذا الخطاب وتعرف بمحتواه، وقفزت الدرجات الباقية مثل الفراشة لكي تلحق بسيارة المدرسة.

سار حسين إلى مدرسته هويداً، فلديه الوقت الكافي للوصول لمدرسته. كان الطقس في هذا الصباح الجميل ربيعياً معتدلاً، هواؤه منعش، كان يفكر في خطابه الذي أعطاه لإلينا، وهل سوف يعجبها كلامه المليء بالحب والشوق والهيام، وهل ستتفاعل معه مثلما تفاعلت مع عبد الحليم في الوسادة الخالية، وهل سوف تحضر في السادسة مساءً لتقابله بجانب عش الحمام على سطح العمارة كما طلب منها راجياً باسم الحب السامي والشوق الحار الذي يكنه لها.

أخذ حسين كتاب الإنكليزي وذهب لانتظار إلينا بجانب عش الحمام.. كانت السماء صافية والشمس تميل للغروب والهواء القادم من البحر المتوسط عليلاً منعشاً..

لم يكن بجانب عش الحمام إلا مقعد واحد كبير.. وقف حسين في انتظار حبيبة القلب، وبعد عدة دقائق حضرت إلينا وكانت في منتهى الجمال والرقة، لكنها تعمدت ألا تنظر إلى حسين.. كان معها بعض الحبوب فألقتها على أرض العش، فالتف الحمام حولها يلتقطها وهو يطلق أصواتاً خافتة تنم عن سعادته بهذا الطعام.

جلست إلينا على طرف المقعد وأشارت لحسين أن يجلس بجانبها..
حسين: اجلسي براحتك. المقعد كبير ويتسع لأربعة أشخاص في أحجامنا النحيلة.

جلس حسين بجانبها قبل أن تتراجع في كلامها..
حسين: هل قرأتِ خطابي؟
إلينا: طبعاً قرأته.. ولماذا أنا هنا إذن؟
حسين: وما هو رأيك؟
إلينا: نظرت إليه بهلع وقالت وهي تنتحب بصوت يكاد لا يسمع، ناظرة إلى الحمام: كلامك جميل لكن ماما قالت لي عندما ذهبنا إلى السينما مع بعضنا: السينما فقط ولا شيء آخر.
حسين: وما هو هذا الشيء الآخر؟

إلينا: الشيء الآخر هو أنني لن أبادلك الحب، فأنا يونانية مسيحية، وأنت مصري مسلم. وبعد القرارات الاشتراكية واستحواذ الحكومة على أملاك معظم اليونانيين وغيرهم من الجاليات الأخرى وكثير من المصريين كذلك.. قال لي بابا المولود في الإسكندرية مثلي ومثلك، ومثل أبيك، انه لا مستقبل لنا في مصر.

نظر حسين بدوره إلى الحمام وهو يلتقط الحبوب من على الأرض، وقد اضطرب قلبه وشعر بالدماء تكاد تقفز من وجنتيه وهو يفكر ماذا يقول.. استدار إلى إلينا وتقابلت أعينهما فانهمرت إلينا في البكاء..

حسين: لماذا البكاء إذن؟.. أنت تحبينني مثلما أنا أحبك، لكنك تكابرين بسبب كلام مامتك وأبيك. ونحن ليس لنا دخل بقرارات الحكومة الاشتراكية، أما بالنسبة للديانة المختلفة فأنا لا أرى مانعاً في أن نحب بعضنا البعض.

قالت إلينا بحزم ولكن برقة وحزن شديد بعد أن جففت دموعها: هذه آخر مرة نتقابل هنا، بل فى أي مكان ولن أسمح لنفسي أن أحبك وعليك أن تفعل نفس الشيء فأنه لا مستقبل لحبنا، فقد اشتركت الحكومات والأديان والتقاليد والناس على خيانتنا وتدمير حبنا الوليد. لكن ليس لي قوة أو إرادة في أن أمنع نفسي من حبك. هذا شأنك، نهارك سعيد.

تركت إلينا حسين وهو حائر مذهول لا يعرف ماذا يقول أو يفعل في ميعاد غرامي انتهى في ثلاث دقائق!

للقصة بقية..

B255BE3A-BC30-417B-932F-104B8C087B7D
حسن الحداد

كاتب مصري مقيم في أميركا

مدونات أخرى