باب عمر باشا (9/9)

باب عمر باشا (9/9)

22 ابريل 2020
+ الخط -
هذه قصة طويلة، وحقيبة الفاكهة ثقيلة على يدي، قال الخواجة هذا وهو يعطي حقيبة الفاكهة لحسين.
حسين: اسمح لي بأن أحملها لك. هل تسكن قريباً من هنا؟
الخواجه: حوالى مائة وخمسون متراً من هنا، وأشار ناحية شارع الخديوي.

حسين يريد معرفة أخبار إلينا، لكنه محرج من أن يسأل عنها، فمعظم اليونانيين المصريين لهم طباع مصرية شرقية، فعليه أن يسأل عن أخبار أسرتها عموماً.

حسين متلعثماً: ماذا حدث لمسيو زخاري؟
الخواجة: اليونانيين الخرامية سرقوه بعد أن اشترك معهم في مشروع رستران، وأصيب بشلل نصفي من الفاجعة، وبعدها بشهور توفي حزيناً على شقى عمره.
حسين لنفسه: الرجل لم يذكر إلينا. ثم استطرد بحياء، وماذا فعلت بقية الأسرة؟
الخواجة: عايشين في كندا.


وصلنا إلى سكن الخواجة، حسين لنفسه وهو في منتهى التلهف والاضطراب: لم أعرف أخبار إلينا، والخواجة العجوز الخبيث يعرف ماذا أريد، لكنه لا ينطق.

قبل أن يفترق الشاب الولهان، قال العجوز: على فكرة إلينا تعيش في الإسكندرية من سنة.
وقع الخبر على حسين كالصاعقة، وكاد يمسك بخناق هذا العجوز الخبيث. لكنه تمالك نفسه.

حسين: عايشة في أي مكان بالإسكندرية؟
الخواجه: تزوجت في كندا واخد مصري كان يدرس هناك اسمه جرجيري.

حسين: الدكتور فوزي الدرديري أستاذ الفيزياء بكلية الهندسة؟
الخواجه: تقريباً هذا. ميرسي خبيبى. وأخذ الخواجة حقيبة الفاكهة من حسين.

حسين: هل تعرف عنوانها لكي تذهب أمي لزيارتها وتبارك لها؟
الخواجه: لا أعرف العنوان، لكنها تسكن خلف كلية الخندسة.

رجع حسين إلى منزله وهو يجرّ أذيال الخيبة والحسرة، وقد سبقه الدرديري في فعل ما كان ينوي فعله. الأقدار لها قولها النهائي.

إلينا لن تعيش خارج مصر وطنها ووطن أحبائها. لكن لماذا لم تعرّفنا أنها تعيش في الإسكندرية؟ بالتأكيد إنها لا تريد الحضور إلى مسكنها القديم، وتثير ذكريات الحب والشوق والحرمان لحسين ولنفسها. فهي نسيت أو تتناسى غرامها بحسين حبها الأول. لكنها لم ولن تنسى أبداً حبها لمصر.

السلام عليكم عم علوان.
عليكم السلام يابشمهندس: هذا خطاب لك.
شكراً يا عم علوان.

إنه خطاب من وزارة السد العالي يخطره بالحضور إلى موقع السد في خلال أسبوع. تشاء الأقدار أن يكون في ذات اليوم الذي يعلم حسين بوجود إلينا فى الإسكندرية، يعلم أن عليه مغادرتها إلى أسوان.

السد العالي هو حب حسين الجديد الذي يجب أن ينجح فيه والسهر عليه ليلاً ونهاراً. أما إلينا، فحبها ذكرى رقيقة جميلة سعيدة سيعيش عليها بقية حياته.

تمت.

B255BE3A-BC30-417B-932F-104B8C087B7D
حسن الحداد

كاتب مصري مقيم في أميركا

مدونات أخرى