برلماني عاقل لا يعضّ ولا يخرمش

برلماني عاقل لا يعضّ ولا يخرمش

21 ابريل 2019
+ الخط -
السؤال الذي طرحه العم أبو محمد على الحاضرين في جلسة "الإمتاع والمؤانسة"، التي عُقدت في منزل "أبو إبراهيم"، تَسَبَّبَ بتحويل مجرى الحديث الذي كنا نتداوله سابقاً، أعني الحديث المتعلق بالطريقة الاستبدادية المضحكة التي كانوا يتبعونها لتمديد المدة الرئاسية لحافييظ الأسد سبع سنوات جديدة.

قال أبو محمد مخاطباً الأستاذ كمال: من مدة أنت قلت لنا شغلة، أنا لحد هلق عم فكر فيها، وما عم تْرْكَبْ في عقلي.
قال كمال: أي واحدة تقصد؟ ذَكّرني.

قال أبو محمد: قلت لنا أنو حافيييظ، لما كان بدو يشيل مسؤول كبير من منصبو، ولحتى ما يرميه في سلة الوسخ، كان يقول لحاشيتو: ابعتوه على مجلس الشعب. وما بعرف مين قال لك بوقتها أنو مجلس الشعب بدو انتخاب، يعني المفروض حافييظ يقول رشحوه لعضوية المجلس، وادعموه بلكي بينجح وبيصير عضو في المجلس.. أما عبارة (حطوه في المجلس) فمعناها أن الدخول لمجلس الشعب بيصير بالتعيين، مو بالانتخاب.


قال كمال: إذا بدنا نكون دقيقين بكلامنا؛ منقول إنو الطريقة المتبعة في انتخابات مجلس الشعب السوري - من يوم انقلاب حافييظ الأسد حتى اليوم - اسمها (تعيين بالانتخاب).. يعني: الأسماء اللي بيتفقوا عليهم في القصر الجمهوري وشُعَبْ المخابرات وفروع حزب البعث هي اللي لازم تنجح، ولحتى تنجح بيعملوا انتخاب وبينجّحُوهم غصباً عن الصغير والكبير، وهيك بيصيروا أعضاء وبيقعدوا في مجلس الشعب أربع سنين، أو أكتر..

قال أبو زاهر: دورة مجلس الشعب أربع سنين بس. كيف بتقول أكتر؟
قال كمال: إذا بتسمحوا لي بشرح لكم ملابسات هالموضوع.
قال أبو الجود: بدنا نسمح لك، بإرادتنا أو بالغصب. لأنو أنت لما بتحكي ما حدا بيحسن يوقفك. تفضل.

قال كمال: في الثمانينات كانت سورية عَمْ تعيش أزمات اقتصادية خانقة.. حافييظ الأسد وحواشيه صاروا يشيعوا بين الناس أن سبب الأزمات هو الحصار الإمبريالي الحقير لسورية المناضلة، لمنعها من مقاومة العدوّ الصهيوني الغاشم، وحتى يتمكن حافييظ من سرقة خيرات سورية وتحويلها إلى بنوك سويسرا، أَمَرْ باتباع سياسة "شَدّ الأحزمة على البطون"، ومَنْعْ استيراد السلع الأساسية تحت ذريعة أنها سلع كمالية، وبالأخص السيارات.. وبما أنو حافييظ بدو يخلّي أعضاء مجلس الشعب عايشين تحت أمرو.. بيوافقوا على رغباتو، وبيرفضوا الأشياء اللي ما بدو ياها، صار يقدم لكل عضو في مجلس الشعب رخصة لاستيراد سيارة خاصة سياحية فخمة، معفية من الرسوم والجمارك، يعني السيارة اللي بتكلف تلات ملايين ليرة سورية بيحسن العضو يستوردها بميتين ألف ليرة..

قال أبو محمد: أف! والله هاي تجارة بلا رأسمال.
قال كمال: بالضبط. ولأنو معظم أعضاء مجلس الشعب من العمال والفلاحين وصغار الكَسَبة، اللي عايفين حالهم من الطفر والفقر والجوع، صارْ الواحد منهم يستلم الورقة اللي فيها الرخصة ويطلع على باب المجلس، يلاقي تجار السيارات واقفين له بالمرصاد، ويعرضوا عليه أنه يبيعهم الرخصة بمليونين ليرة سورية أو أكتر شوي، وسرعان ما يبيع الرخصة، وفي اليوم التالي يشتري سيارة مستعملة بربع مليون منشان يركبها، ويوفر بقية المبلغ. وبعد شي تلات أربع دورات لمجلس الشعب، قرروا أنهم يمددوا فترة بقاء العضو في المجلس دورة أو دورتين أو تلاتة، وقالوا أنو الهدف هو التوفير، لأن العضو اللي بينجح في دورة تانية ما بيعطوه رخصة سيارة.. يعني بهالحالة صار بإمكان العضو يبقى في مجلس الشعب 8 سنوات أو 12 سنة.. ولاكن، على فكرة، هاي الميزة كانوا يعطوها للأعضاء العاقلين، اللي واحدهم بيقعد الأربع سنين الأولى متل رجل الكرسي تماماً، لا بيهش ولا بينش ولا بيعض ولا بيخرمش.. إذا في تصويت بيوافق، وإذا في تصفيق بيصفق، وإذا فيه تعييش بيعيش، وقبلما يروح ع الاجتماع بيمر على شاعر الزجل في ضيعتو وبيخليه يكتبلو أبيات في مديح القائد حافييظ، وبيحط هالأبيات في جيبو، وبيلقيها في أول زيارة لحافييظ للمجلس..

ضحك أبو الجود وقال: أنا بعرف عضو مجلس شعب إذا بحكي لكم عليه بتفرطوا من الضحك..
قلت له: احكي، مين ماسكك؟
قال: بحكي. بس أنا شايف أبو إبراهيم بلش يحط العشا. بصراحة أنا منتظر هاللحظة التاريخية من زمان. خيو مناكل ومنحكي.

وللحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...