تجارة المسلسلات الرمضانية.. كيف نشأت؟

تجارة المسلسلات الرمضانية.. كيف نشأت؟

01 ابريل 2024
+ الخط -

سمر رمضاني (4)  

عندما يتصل بي أبو سعيد من مدينة إدلب، ويسألني عن الدراما الرمضانية، أعرف أنه يسعى لتشكيل فكرة موسعة عن تاريخ الدراما السورية عامة، وهو يسألني أنا على وجه التحديد، لعلمه أن لدي تجربة معقولة في هذا المجال. 

بدوري؛ أوضحت له أن تسمية "دراما رمضانية" ليست دقيقة، فالغالبية العظمى من المسلسلات التي أنتجت، منذ تأسيس التلفزيون السوري في سنة 1960، حتى اليوم، لا تتضمن أحداثاً لها علاقة بشهر رمضان، وكل ما في الأمر أن هذا الشهر تحوّل، مع الزمن، إلى سوق لتسويق الدراما التلفزيونية، واستهلاكها. 

قال: عفواً، ماذا تقصد بـ (التسويق) و(الاستهلاك)؟

- سأشرح لك ذلك بما أمكنني من التبسيط. كان التلفزيون السوري، في السابق، ينتج مسلسلاً، تبلغ تكلفته خمسة ملايين ليرة سورية، مثلاً، ويعرضه في محطته الأرضية الوحيدة، لأجل إمتاع جمهوره وتسليته.. وهذا يعني أن العملية ليست تجارية، فإذا أردتَ أن تحسب الخسارة، وجدتها تساوي مبلغ التكلفة ذاته، أي خمسة ملايين ليرة سورية، ولكنه لا يعتبرها خسارة، بل نفقة تُصرف من ميزانية وزارة الإعلام، لأجل الترفيه عن المشاهدين. 

- والله صحيح.

- ولكن؛ جاء يوم، صار هذا التلفزيون يبيع المسلسل نفسه، بعد عرضه على الجمهور السوري، لمحطات أخرى، بمبالغ مجموعها عشرة ملايين ليرة سورية، مثلاً.. وهكذا يكون المسلسل قد تحوّل إلى سلعة، تباع في السوق، وتحقق ربحاً تجارياً لا بأس به.

- حلو. 

- وكان سوق الدراما المصرية هو الأكثر رواجاً، لأن السينما المصرية التي انطلقت في سنة 1895، وأنتجت مئات الأفلام، جعلت اللهجةَ المصرية مفهومةً في مختلف البلاد العربية، وهذا ما سَهَّلَ تجارة الدراما التلفزيونية المصرية، وفيما بعد، أصبحت الدراما السورية المنافس الأول للدراما المصرية التي أخذت تتراجع لأنها ورثت من الأفلام السينمائية التقليدية ما يسمى (الميلودراما)، أو كوميديا الفارس (الأقرب إلى التهريج)، وهذا ما جعل الدراما السورية تشق طريقها، بصعوبة في البداية، لجديتها، وإقدامها على معالجة قضايا سياسية واجتماعية وتاريخية مهمة.. بالإضافة إلى ظهور نوعين آخرين من الدراما، الأول: الخليجي، والثاني: البدوي. 

- حبذا لو يبقى حديثنا مقتصراً على الدراما السورية. 

- معك حق. المهم، يا أبو سعيد؛ كان التلفزيون السوري (الحكومي) هو المنتج الوحيد للدراما في سورية، ولكن، في سنة 1980، ظهرت أول تجربة للإنتاج التلفزيوني في القطاع الخاص، من خلال مسلسل "حرب السنوات الأربع"، الذي كتبه داوود شيخاني، بالتعاون مع الكاتب الليبي علي فهمي خشيم، وأخرجه كبير المخرجين السوريين هيثم حقي، من إنتاج شركة خاصة يمتلكها داوود شيخاني نفسه. وتكررت عمليات الإنتاج السوري الخاص، بصورة محدودة، لأنها كانت تنطوي على مغامرة خطيرة للغاية.

- لماذا تسميها مغامرة خطيرة؟

- لأن إنتاج مسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة، يكلف عشرات الملايين من الليرات، فإذا لم تبادر بعض المحطات التلفزيونية العربية إلى شرائه، فإن المُنْتِج سيخسر قسماً كبيراً من رأسماله، ولكن، إذا اشترته بعض المحطات، وبالأخص المحطة الأرضية السعودية التي كانت تدفع أثماناً مرتفعة مقابل ما تشتري، فإنه يحقق أرباحاً خيالية.. واستمر هذا التردد في الإنتاج الخاص السوري حتى سنة 1993 تقريباً، عندما حصل انفراج اقتصادي في سورية، سببه المرسوم رقم 10 الذي سمح باستيراد بعض السلع التي كان استيرادها ممنوعاً من قبل، فأصبحت عملية الإنتاج أسهل، وأسلس، وبدأ بعض أصحاب رؤوس الأموال يرون أن هذا النوع من المنتجات يحقق أرباحاً جيدة، فدخلوا على الخط، وأحدثوا شركات خاصة تعمل على إنتاج الدراما وتحقق أرباحاً، فارتفعت وتيرة الإنتاج، وأصبح يعتمد على المبدأ الأساسي في اقتصاد السوق الرأسمالي، أعني "العرض والطلب".. 

- لحظة، أبو مرداس. هل بإمكانك توضيح الفكرة الأخيرة؟

- بالتأكيد. يا سيدي، أنا أرى أن كلمة (الطلب) يجب أن تسبق كلمة (العرض)، فالناس الذين يستهلكون الدراما في أية دولة، يطلبونها من حكومتهم، وحكومتهم تشتري لهم ما هو متوفر في السوق، وتعرضه لهم، فيشاهدونه، و(يطلبون) المزيد، والمنتجون الساعون إلى تحقيق الأرباح أصبحوا ينتجون المزيد من المسلسلات، و(يعرضونها).. 

وإذا أردنا أن نعود إلى فكرتنا الأولى، ونحكي عن علاقة شهر رمضان بالموضوع، فسنلاحظ أن استهلاك الدراما في الأيام العادية أقل بكثير من استهلاكها في شهر رمضان بكثير، وأنا أذكر أن التلفزيون السوري كان يعرض، في الأيام العادية، حلقة واحدة من مسلسل واحد، وقبل رمضان بشهر أو اثنين، تبدأ المحطات بإعادة بث أعمال قديمة، وكأنها أطعمة بايتة، وما إن يبدأ رمضان حتى تُعرض أربعة مسلسلات رئيسية على الأقل، يومياً، عدا البرامج المنوعة، والفوازير، وهذا يترافق مع (ويشبه) زيادة استهلاك الأطعمة والمواد الغذائية، ففي رمضان يتضاعف استهلاكها، وتكثر أصنافها، حتى إن التلفزيون صار ينتج برامج خاصة بالطبخ، تعرض في شهر رمضان!  

- أبو مرداس، دعنا نتوقف قليلاً عند بداية الإنتاج (الخاص) التي أشرتَ إليها في حديثك.

- نعم، ويمكنني هنا أن آخذ مثالاً من تجربتي الشخصية. أنا، كما تعلم، أكتب قصصاً قصيرة ومقالات صحفية، منذ أوائل الثمانينيات، ولم تكن فكرة الكتابة التلفزيونية تراودني، ولكن، في سنة 1993 مثلاً، أتتني أكثر من دعوة، من أكثر من صديق للكتابة التلفزيونية. والسبب في هذا: أن الإنتاج التلفزيوني الخاص بدأ ينشط، وصار في حاجة إلى كتّاب، وبما أنه لا توجد لدينا مدارس أو معاهد متخصصة بتخريج كتاب سيناريو متخصصين، فقد دخل الكتاب (الأدباء) على الخط، منهم ممدوح عدوان، وحسن سامي اليوسف، وحكم البابا، وحسن م يوسف، وعبد النبي حجازي، وأنا كتبت، في سنة 1993، بالاشتراك مع الأستاذ محمود حميداني، سهرة تلفزيونية بعنوان "مسعود بالألوان".. 

- أذكرها جيداً. كانت من بطولة زهير عبد الكريم ووفاء موصللي.

- صحيح. المهم، حينما انتهينا من تبييضها لم تكن لدي أية فكرة عن موضوع التسويق، فاتصلت بالصديق الراحل ممدوح عدوان، وطلبت مشورته باعتباره يكتب ويتعامل مع شركات إنتاج مختلفة، فقال لي إن الأستاذ هيثم حقي لديه مشروع مسلسل عنوانه "موزاييك"، يتألف من مجموعة سهرات تلفزيونية، وأعطاني رقم الأستاذ هيثم، واتصلت به، فطلب مني أن أرسل إليه النص عن طريق شركة الكرنك، ففعلت، وخلال أيام أعطاني النتيجة بالموافقة، وأحالني إلى شركة السيار للإنتاج التلفزيوني، التي كان يديرها رجل مثقف ذو خبرة كبيرة في الإنتاج السينمائي هو "حميد المرعي"، وبكل سهولة وبساطة، قمنا بتوقيع العقد وأنتجت السهرة. 

هكذا كانت، يا أبو سعيد، البدايات الأولى لصعود الإنتاج الخاص في سورية، ويمكن أن أحدثك عن الفورة الإنتاجية الكبرى، في اتصال قادم.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...