يا "جمالُو"!... أو عن هوانا المصري الذي كان

يا "جمالُو"!... أو عن هوانا المصري الذي كان

14 نوفمبر 2021
+ الخط -

"وحيث إن الهوى المصري بعضٌ من كياني كما سبق أن أوضحت؛ فقد صبوت إلى أن أصفّي حسابي الجمالي مع هذا المكون الثقافي الذي كيّف ثقافة جيلي وأسهم بحدة في تشكيل مزاجه ونموذجه الحياتي". الكاتب والأديب المغربي الراحل محمد أنقار في حوار أجراه معه الأستاذ محمد مشبال ( مدونة الأستاذ محمد مشبال على الشبكة العنكبوتية).

أثارني، وأنا في الفصل بصدد التمهيد لنص قصصي يعود للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، ضعف تفاعل المتعلمين مع الأسئلة والمثيرات التي حاولت أن أدخلهم من خلالها إلى عوالم الكتابة السردية لهذا الهرم الأدبي العربي الكبير.

فقد دأبتُ -في وضعيات مشابهة - خلال السنوات الماضية أن أستدعي الثقافة الفنية المصرية عند المغاربة، مع بعض من معجمها - الذي يتداوله الناس في أحاديثهم اليومية- بغرض تسهيل عملية التعريف بالأدباء المصريين ونصوصهم المقررة للدراسة.

ففي حالة نجيب محفوظ مثلا كنت أعود بهم إلى الأداء التمثيلي لعمله المشهور بـ"الثلاثية" (هو في أصله ثلاثة أعمال قصصية: قصر الشوق وبين القصرين والسكرية).

الجميل في المكون الثقافي المصري، أننا كنا نجد صداه عند جميع طبقات المجتمع المغربي وفئاته الاجتماعية والاقتصادية

وكانت "الثلاثية" قد حققت شهرة واسعة بين أبناء جيلي، (وبين الجيل الذي سبقنا) إذ حُفرت معها مجموعة من أسماء الأحياء والفضاءات القاهرية القديمة عميقا في ذاكرة الناس، ونفس الأمر فعلته بعض شخصياته، لعل أشهرها شخصية "سي سيد" برمزيتها ودلالاتها بالنسبة إلى الثقافة العربية، وذلك في عقلية رجالها الذكورية المتسلطة والمتناقضة.

وهكذا، كان يكفي قديما أن تَذكُر للمتعلمين، أو لباقي الناس تلك الشخصية العجيبة، أو مقاما وفضاء مثل "السيدة زينب" أو "سيدنا الحسين" لتضعهم على السكة وتمسك معهم بـ"رأس الخيط" في ما تكون بصدده من درس أو معرفة أدبية متصلة بأرض الكنانة (خصوصا ما تعلق بأعمال الرواد).

وكان الالتحام يتضاعف أكثر مع المتعلمين كلما تقدمنا في قراءة النص، وتوقفنا عند بعض الكلمات والعبارات التي يوردها هذا الأديب، أو غيره من معجم اللهجة المصرية، إذ لم يكن المدرسون يحتاجون لشرحها أو لتوضيحها، نتيجة الألفة المتحققة معها خارج الفصول. فقد كنا نعتبر المكون الثقافي المصري بجميع تفاصيله جزءا أصيلا من شخصيتنا.

ولعلنا، في هذا الصدد، نتذكر جملا وعبارات من هذه اللهجة كان الناس يستعملونها (خصوصا الشباب) للتعبير عن معان ووضعيات معينة، أو لتصريف حالة من حالاتهم الشعورية المختلفة، كتلك المرتبطة بالمدح أو الغزل "كلك على بعضك حلو"، أو للتعبير عن الغضب والتذمر من سلوك مرفوض أتاه أحدهم " يخرب بيتك"، وغيرها كثير من الجمل والاستعمالات اللغوية.

والجميل في المكون الثقافي المصري، أننا كنا نجد صداه عند جميع طبقات المجتمع المغربي وفئاته الاجتماعية والاقتصادية، كما عند أصحاب التوجهات الفكرية، والأذواق الفنية المختلفة. فكل من هؤلاء وأولئك، كانوا يجدون ضالتهم في أرض طيبة، وإبداعات رجالها ونسائها.

ولئن كنا نتحسر على تراجع حضور هذا المكون عند أبناء اليوم في مجتمعنا المغربي (والذين لا ذنب لهم في ذلك، فقد خلقوا لزمان غير زماننا) فإننا -في المقابل- نسجل مواصلة تمسك فئة عريضة من الناس به، بالرغم من تقلبات الزمان، وتغير اهتمامات الناس فيه.