تفاعلوا يرحمكم الله!

تفاعلوا يرحمكم الله!

27 ديسمبر 2020
+ الخط -

"يبدو أن صفحتي بحاجة للتنظيف" كانت هذه جملة صادرة عن أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ محتجا بها على قلة تفاعل أصدقائه الافتراضيين مع ما ينشره على حسابه الشخصي. وهو احتجاج يشاركه فيه الكثيرون بصيغ وعبارات مختلفة. ويحصل أن يفي المشتكي بوعده ويلغي صداقة من يراه متهاونا في أمر هذا التفاعل. وقد تتطور الأمور أكثر فتنعكس سلبا على علاقات الصداقة الحقيقية في حال وجودها بين السابحين في العوالم الافتراضية. وتنبئنا هذه الردود والمواقف المنزعجة بالجدية التي أضحى الناس يأخذون بها الأمور في هذه الفضاءات. فالقصد -كما يظهر- لم يعد مقتصرا على الإخبار ومشاركة الآخرين بالجديد الشخصي أو المجتمعي، وإنما تحول إلى تنافس غير معلن في حصد علامات الإعجاب والحب والتضامن.

 ويشتكي البعض من عدم عناية أصدقائه بمنشوراته كما يفعل هو، متهما إياهم بالتقصير في حقه وعدم مبادلته إعجابا بإعجاب وحبا بحب. لكن هؤلاء الممتعضين قد يقبلون بالتفاعل من طرف واحد إذا تعلق الأمر بشخصية عامة؛ كالمغنين والممثلين أو الرياضيين أو ممن علا موقعهم وأشير إليهم بالبنان من الصحافيين والشعراء والكتاب ومشاهير الأكاديميين أو غيرهم ممن رأى نفسه صاحب منصب واعتبار.

وفي نفس السياق دائما، قد لا تفي علامات الإعجاب والقلوب الحمراء بالغرض، ليحفز رواد التواصل أصدقاءهم للتعبير عن تفاعلهم كتابة، كأن يدعوهم للتعليق وإبداء آرائهم في ما ينشرونه أو في شخوصهم عبر أسئلة من قبيل: كيف تراني وترى منشوراتي ؟

ولا يعني هذا أن التفاعل بالتعليق مرحب به دائما، إذ يتوقف الأمر على شخصية من يتفاعل كما على مضمون ما يكتبه؛ فقد تتشنج المواقف أحيانا ويأخذ السجال بعدا آخرا ينتهي بإعلان صاحب الحساب سلطته عليه، ثم يعقبه بإقفال الباب على من يخالفه الرأي أو لم يحسن التصرف معه.

وإذا كان نشطاء تلك المواقع يرون الأمور عادية وطبيعية، فإن فريقا آخر من الناس لا يجدها كذلك، بل ينفرون منها كل النفور. وقد حكى لي أحد أصدقائي كيف تجنب طيلة سنوات- وما زال يفعل- اقتحام مواقع التواصل بالرغم من الإغراء الكبير الذي تمارسه عليه، فهو- حسب ما قاله- غير قادر على مجاراة ما ينشر من قبل أصدقائه تفاعلا وتعليقا. هذا غير ما يسمعه من حين لآخر من سوء للتفاهم يحصل بين الأصدقاء في تلك العوالم الموازية. وهو -كما يراه- مما يصعب احتواؤه.

أما عني فقد لا أتفق مع الصديق في كل ما ذهب إليه، كما لا أفعل مع من يتشنج في مسألة التفاعل. فأنا أرى أن يترك الناس لبعضهم حرية الاختيار، وأن يتعاملوا بسعة صدر مع من يتابعهم. إذ المفترض في الحساب طابعه الشخصي؛ ينشر عليه صاحبه ما يراه مناسبا دون أن يكون أحد ملزما بمسالة التفاعل، فلكل ظروفه وقناعاته. كما أرى أن يتخذ -من ينشط كثيرا على تلك المواقع- شبه قانون داخلي لصفحته؛ يبين فيه حدوده لمن يطلب صداقته أو يريد التعليق على أحد منشوراته. ولعله من الهامش الذي تركه أصحاب الأمر هناك في كاليفورنيا لمستعملي فيسبوك مثلا. وأظنهم قد رسموا لنا خريطة طريق في ذلك بما يفعلونه معنا؛ فهم يمارسون سلطاتهم معنا بهدوء؛ يحذفون ما يرونه غير مناسب لتوجهاتهم أو يجمدون حسابا لا يرضون عنه بلا ضجيج.

أما عن هذه التدوينة، فأود أن أخبركم أنني في حل مما ذكرته أعلاه، لهذا تفاعلوا معي يرحمكم الله، ولا تبخلوا علي بعلامات الإعجاب والحب. وحبذا لو أمطرتموني بتعليقاتكم الجميلة واللطيفة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. (إنما أمزح معكم أصدقائي فالحقيقة أنني أعفيكم من ذلك.)