هل أتاكم حديث؟

هل أتاكم حديث؟

05 ديسمبر 2020
+ الخط -

من بركات مجاورتنا اليومية للمتعلمين والمتعلمات في فصول الدراسة أنها تسعفنا في التعرف على جوانب مهمة من شخصياتهم، ما يمنحنا فرصة مهمة ننفتح من خلالها على عوالم واهتمامات فئة مجتمعية مهمة، كما قد يعيننا الأمر في اختيار السبل الأنسب لإيصال خطاباتنا وتعلماتنا إليهم.

ويعد جانب الميول الموسيقية من المحددات الهامة لشخصية المراهقين من الشبان والشابات. وهي ميول قد نجدها غريبة وعجيبة عند متعلمينا بالنظر لما عهدنا سماعه أو السماع عنه من موسيقى. فلا عبد الحليم حافظ، ولا غيره من مطربي "الأغنية العاطفية" الجديدة بشقيها المغربي والمشرقي، ما زال يغري بالاستماع والمتابعة، بل هي "موسيقى الراب" بأسماء روادها الأجانب والمغاربة ما يحظى بإقبال الشباب، وخصوصاً الذكور منهم.

أما الفتيات فقد استهوتهم موسيقى جديدة هي أبعد ما تكون عن تخمينات أو توقعات الآباء والمربين. فأسياد الساحة اليوم -حسب ما سمعت وعلمت- هم فرقة موسيقية شابة من كوريا الجنوبية تدعى "بي تي إس". وقد أثارني حديث متعلمين عن تلك الفرقة، لأكرر سؤالي عنها في أكثر من فصل، لأفاجأ بحجم الحماس الذي يعتريهم وهم يتحدثون عنها: "نعم نستمع إليهم"، و"هم فرقة رائعة يا أستاذ"، هكذا كانت الإجابة أكثر من مرة، مرفقة بمنافسة غريبة بينهم في مدي بمعلومات تخص أسماء أعضائها وأغانيهم وأذواقهم في المأكل والملبس وغيرها من التفاصيل، بل أخبرني عدد منهم أنه أصبح يعرف معنى بعض الكلمات باللغة الكورية ويردد جملاً وعبارات بها. وأسأل أنا: لكن لماذا؟ ما الذي يميزهم؟ فهم ينتمون إلى بلد وثقافة بعيدين عنا. ولو يا أستاذ، يجيبني بعضهم، هم بكل بساطة رائعون، كما هي ألحان أغانيهم وكلماتها، وهي عكس ما يبدو، تحمل الكثير من الرسائل الإيجابية، والدليل على ذلك أنهم ساهموا في تراجع عدد المنتحرين بين الشباب الكوريين، تضيف إحدى التلميذات.

إن الهوس الذي يتابع به أبناؤنا وبناتنا هذه المجموعة هو أمر طبيعي بالنظر لأعمارهم، وهو غير بعيد عما عاشه شباب قبلهم في أزمنة خلت، ولعلنا نذكر فرقة "بيتيلس" في الستينات والسبعينات أو فرق موسيقية أجنبية أخرى ظهرت في عقود لاحقة

وحصل أن عدت يومها إلى البيت مزهواً بهذه المعرفة، لأبادر بإخبار أسرتي بمضمونها، لكن مفاجأتي كانت كبيرة عندما أخبرني ولداي الصغيران بسابق معرفتهما بهذه المجموعة وأغانيها. لأنتقل إلى الخطوة الموالية في مثل هذه المناسبات، ألا وهي مراجعة الشبكة العنكبوتية التي لم تبخل علي- كما هي عادتها- في ما تعرفه وما ثبت عليها من معلومات وفيديوهات عن المجموعة الموسيقية الكورية وعن شهرتها التي جاوزت الآفاق، كما عن ملايين المشاهدات التي تحظى بها فيديوهاتها وأغانيها شرقاً وغرباً.

 لأخلص في الأخير إلى القول: إنّ الهوس الذي يتابع به أبناؤنا وبناتنا هذه المجموعة هو أمر طبيعي بالنظر لأعمارهم، وهو غير بعيد عما عاشه شباب قبلهم في أزمنة خلت، ولعلنا نذكر فرقة "بيتيلس" في الستينات والسبعينات أو فرق موسيقية أجنبية أخرى ظهرت في عقود لاحقة، ومنها "باكستريت بويز" أو "سبايس غيلرز" أو غيرها من المجموعات. كما أنّ اختلافنا مع هذا النوع من الموسيقى أو عدم رضانا عنه يجب ألا يترجم بمواقف عدائية تجاه متعلمينا وشبابنا بقدر تنبيهنا إلى ضرورة الاقتراب منهم أكثر والعمل على توجيه تلك الميول واحتوائها، حتى لا تؤثر على دراستهم وأخلاقهم. فسبحان مقسم الأرزاق والأذواق.

وأنهي كلمتي هذه بسؤال أصدقائي وقراء هذه الكلمة إن كانوا قد سمعوا بهذه المجموعة الموسيقية من قبل، فهي كما يقول الإخوة الجزائريون" دايرة حالا" في أبنائنا.