مضايا وحصان طروادة

مضايا وحصان طروادة

23 يناير 2016
+ الخط -
أسدلتْ سنة 2015 ستارها عن أوجاع وتغييرات عالمية وإقليمية كثيرة، والقليل القليل من التعاطف الإنساني تجاه ضحايا الحروب والمجاعات والحصار. وزادت أحداث رأس السنة في مدينة كولونيا الألمانية من مبرّرات العنصرية المنتشرة وارتداداتها التي بدأت تأخذ غطاءً مزيفاً من الشّرعية. وطُبّق على الفارّين من ويلات بلادهم قانون جديد عنوانه "المتهم مُدان حتى تثبت براءته".
استقطب مسرح العالم المعاصر التراجيدي جمهوراً كبيراً من المتفرجين، وأضحتْ مسرحيات المعاناة متعةً للمشاهدين. كما لم تبشّر بدايات عام 2016 بأيّ بوادر لإنفراج أزمات الشرق الأوسط، أو حلولٍ حضاريةٍ ترفع الضيم عن الضعفاء فيه، بل على العكس، انكشف ستاره عن استراتيجيات حرب قروسطية، تتمثل في حصار المدن وتجوّيعها حتى الموت، فكانت مشاهد الهياكل البشرية التي انطلقت من مضايا صفعة أليمة لحضارة القرن 21 التي أثبتت أن همجية العنف والقتل لا زمان لها ولا مكان. كما أثبتت أن طاولات الحوار قد تتمكن من رصف بعض صحون الطعام على سطوحها لناس طحنهم الجوع، فتمد بعمر معاناتهم، لتعطيهم الحق بموتٍ مؤجّل، لكن من دون أن تسفر عن الاعتراف بحق الحياة لهولاء المهمّشين المنسيين في عالمٍ أضحتْ ضجة معاركه أعلى من أنين سكانه.
وبعد حصار طويل، استطاعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المتحضّر باستئذان الهمجية التي سمحتْ، وبكلّ طيب خاطر، بإدخال أحصنة طروادة لمضايا متمثّلةً بقوافل معونات لمدينةٍ باتت تأكل ما بقي من أوراق الشجر، وتدفن هياكل من قضى من أبنائها. دخل حصان طروادة في لقطةٍ سرياليةٍ، أثبتت أنّ النظام وحلفاءه لجأوا حتى إلى الأسطورة وقصة طروادة في حربٍ، كانوا يتوقعون فيها اليد العليا. وتأكدتْ الدكتاتورية من التقاط صور واضحة لشاحنات الطعام الأنيقة، والتي وضعها الإعلام جنباً إلى جنب مع صور الضحايا، لتمثل مضايا نسخةً واقعيةً عن طروادة الأسطورة.
ومع ذلك، لم يكترث العالم كثيراً "بطروادة العصر"، فقد كان أكثر انشغالاً بمتابعة مسرحيةٍ جديدة، تتمثل بقوافل من نوع آخر، اصطفّت بطوابير طويلة لشراء بعض الأحلام والسّراب من تذاكر يانصيب "بور بول"، أملاً في ربح أكبر جائزة لليانصيب في الولايات المتحدة الأميركية. وتمّت متابعة أحداث مسرحية "شراء الأحلام و السراب" أياماً عديدةً إلى أنّ تمّ إعلان الرقم الفائز بالجائزة، وتخصيص تغطيات أخرى للفائزين، فبطبيعة الحال، تبقى نشوة الفوز أكثر إثارةً من إيقاع الموت البطيء في المدن الثكلى.
وتبقى المفارقة كيف تقزّم الدكتاتوريات، وما تجرّه معها من حروبٍ وتطرفٍ وويلاتٍ أحلامَ البشر. إذا كان من حق سكّان العالم الحر أنْ يحلموا بأكبر جائزة في التاريخ بقيمة 1.6 مليار دولار، فإن الجائزة الكبرى في بلدات الجوع والحصار ليست إلّا رغيف خبز لا يشبع ولايسمن من جوع، بل يمدّ معاناة الجوعى يوماً آخر. وبعد اسقاط تقنيات حروب الميثولوجيا على واقع الصراع في سورية، هل ستستمر الحرب فيها بعدد سنوات حرب طروادة، أم ستحطم رقماً عالمياً جديداً لتتفرد بنسختها الحربيّة الأسطوريّة الخاصة؟
avata
avata
سيناء دباغ (سورية)
سيناء دباغ (سورية)