جدران وعنصرية وبيت أبيض

جدران وعنصرية وبيت أبيض

28 ديسمبر 2015
+ الخط -
في حين ينشغل الشرق بحروبه ونزاعاته وأزماته ودفن موتاه، ويبحث الغرب عن سبلٍ لمحاربة الإرهاب، والحفاظ على الأمن القومي، واستيعاب من بقي من اللاجئين أو طردهم، يبقى الشارع الأميركي هذه الأيام مشغولاً بمتابعة مناظرات المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية الأميركية 2016. وعلى الرغم من انقسام الشارع الأميركيّ بين جمهوريّ وديمقراطيّ، إلّا أنّه يتسمّر بغالبيته أمام الشاشات لمتابعة حلقات المسلسل الأميركي الأكثر شهرة الآن، أي مناظرات المرشحين، والذي طوى حلقته الخامسة في 15 ديسمبر، وهو من بطولة دونالد ترامب من غير منازع.
استطاع ترامب، رجل الأعمال الملياردير والشخصية التلفزيونية الشهيرة، أنْ يحوّل السباق الرئاسي إلى مسرح من الكوميديا السوداء، أملاً بأنْ يلعب الفصول الأخيرة من مسرحياته في أروقة البيت الأبيض، فجذب متابعين كثيرين، ناهيك عن المؤيدين لتصريحاته الرجعية العنصرية، فكلما زاد رجل الأعمال هذا تطرفاً وفاشيةً، كلما ارتفعتْ أسهمه في بورصة الناخبين ليتصدر استطلاعات الرأي، ويكسب مزيداً من الشعبية والشرعية.
يعد جدار العزل بين أميركا والمكسيك الذي سيبنيه ترامب، حمايةً للمصلحة الوطنية العليا، وتعزيزاً للأمن القومي ورقةً رابحة إلى الآن في السوق الإنتخابي، ويبدو أن فكرة بناء الجدران راقت لمنافسيه الجمهوريين، فوجدوا أنّه لا ضير من أفكار مستنسخة عن الفكرة الأم، فاقترح الجمهوريّ، سكوت ووكر، في وقت سابق، بناء جدارٍ بين الجارتين، كندا وأميركا، إلّا أنّ الدكتور بن كارسن، المرشّح الجمهوري وطبيب الأعصاب والكاتب والجراح، كان أكثر حكمة من منافسيه، حين تحكّم بأعصابه وحكّم عقله، ليقترح نشر قوى الجيش والحرس الوطني على طول الحدود الأميركية الكندية لضمان أمن البلد! يبدو أنّ كارسن كان متفوقاً في كل مواده الدراسيّة إلا الجغرافيا، بحيث نسي أن الحدود بين الجارتين أطول حدود دولية في العالم، بطول يزيد عن ثمانية آلاف كم.
يرى المرشحون الجمهوريون الأكثر نجوميةً أنّه من أجل أميركا وحمايتها، يجب زرع الخوف في قلوب الأميركيين ثم بناء جدار مكسيكيّ للحماية من الجريمة، وآخر كنديّ للجم الجماعات الإرهابية المتطرفة، مع التأكد من عدم دخول المسلمين والمكسيكين واللاجئين السوريين إلى البلاد، وعندها سيعم الأمن والأمان، على الرغم من ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار السلاح.
وباعتبار أنّ الحدود تمتد آلاف الكيلومترات، فربما نشهد جداراً أطول من سور الصين العجيب! وربما يدخل الجدار في عجائب الدنيا السبع، فيضرب دونالد ترامب ومؤيدوه عصفورين بحجرٍ واحدٍ: شهرةً عالميةً وأمن محليّ.
من الغريب أن يحتفل العالم بسقوط جدار برلين في القرن العشرين، ليعود ويغض الطرف عن جدران أخرى ارتفعت، مثل جدار العزل العنصري في الأراضي المحتلة، ثم تصفق شريحة لا يستهان بها، لبناء حواجز وجدران أخرى، تفصل بين الشعوب والبلدان.
وفي ضوء هذه الردّة الفاشية للعنصرية، وفي خضم هذه الهستيريا السياسية، لن نستغرب لو فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، فكلّ شيء مُباح في حب الوطن والحرب من أجل الكرسي، ولا ضير من بناء جدار أو عدة جدران للحصول على بيت أبيض.
avata
avata
سيناء دباغ (سورية)
سيناء دباغ (سورية)