لينا تقاوم "سيبا" في غزة

لينا تقاوم "سيبا" في غزة

01 نوفمبر 2017
براءة... (محمد الحجار)
+ الخط -

"سيبا" مرض نادر لم يوفّر أطفال غزّة، على الرغم من كلّ المآسي التي يعيشها هؤلاء. لا تتوفّر إحصاءات في القطاع حول المصابين الصغار، غير أنّ لينا شُخّصت به.

مذ أبصرت النور قبل خمسة أعوام، لينا ليست طفلة مثل سواها من الأطفال. فهي لم تبكِ يوماً من جرّاء ألم، حتى ولو سقطت أرضاً. ولأنّها ليست الطفلة الأولى، بل هي الثالثة، لاحظت والدتها صفاء حامد اختلافها. وصار الأمر محسوماً لمّا بدأت تتسبّب بالضرر لنفسها عندما تعضّ أصابع يدَيها وقدمَيها. في النهاية، وبعد رحلة طويلة وتنقّل بين الأطباء، تمكّن طبيب ألماني من تشخيص حالة لينا.. هي مصابة بمرض نادر يمنعها من الشعور بأيّ إحساس وكذلك من التعرّق.

"سيبا"، هو اسم المرض الذي يتحكّم بلينا، وهو عدم الإحساس الخلقي بالألم مع غياب التعرّق. وبعدما لم يتمكّن الأطباء في قطاع غزة من تشخيص حالتها وبالتالي عدم معرفة سبل الوقاية اللازمة التي تحتاجها طفلتها، راحت الوالدة التي تعمل في مجال هندسة الكومبيوتر، تبحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن أطبّاء قادرين على معالجة ابنتها أو حالات في العالم تتشابه مع ما تعانيه لينا.

في بداية عام 2013، بدأت حامد تلاحظ أنّ ثمّة خطباً لدى ابنتها، خصوصاً لمّا اكتشفت أنّها لا تتألم عند تلقّيها حقنة لقاح ما أو عند سقوطها أرضاً. وازداد شكّها عندما راحت تلاحظ كيف تعضّ الصغيرة أصابعها باستمرار لدرجة سيلان الدم منها. فحملت حامد ابنتها وراحت تتنقّل بين الأطباء الذين عجزوا بمعظمهم عن تشخيص حالتها. وبعد بحث طويل، نصحها أحدهم بإجراء تحاليل جينية وإرسالها إلى الخارج. فالإمكانات محدودة في غزّة ومن غير المتيسّر إجراء تحاليل جينية دقيقة في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 11 عاماً.

صفاء ولينا (محمد الحجار)


لم تستطع حامد إرسال عيّنات إلى الخارج لأنّ مكاتب البريد السريع تخضع لقيود أمنية إسرائيلية، لكنّها تمكّنت من الاتصال بطبيب ألماني عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدعى كروثن أنجو، أبدى استعداده لاستقبال عيّنة من لعاب ابنتها للكشف عن مرضها. وهذا ما حصل، وشخّص على الأثر حالتها بأنّها مرض "سيبا" الذي يجعل جهاز الإنذار لديها معطلاً ويبقي حرارة جسمها مرتفعة مع غياب التعرّق.

وتخبر حامد "العربي الجديد" أنّ "لينا كانت تبلغ عاماً واحداً من عمرها عندما قضمت كلّ أظافرها من دون أن تشعر بأيّ شيء. فرحت أبحث عبر محرّكات البحث من دون أن أعثر على معلومات حول حالتها باللغة العربية. لكنّني أخيراً وجدت بعض المعلومات والأخبار عنها، وبدأت المعاناة". تضيف حامد أنّها وخلال بحثها عن حالات مشابهة، تمكّنت من العثور على فتاة مراهقة في الولايات المتحدة الأميركية تدعى أشلي باركر "وصرت أستفيد من نصائح والدتها حول طرق الوقاية. وقد طلبت منّي الوالدة أن أزيل أسنان لينا حتى لا تقضم أيّ عضو من جسدها، إذ إنّ حالتها تدفعها إلى ذلك".




واليوم، تتّبع حامد نظاماً وقائياً مع لينا، إذ إنّ الطبيب الألماني أخبرها بعدم توفّر علاج لمرضها. فتعتمد على الفواكه بصورة أساسيّة في نظامها الغذائي، إذ إنّ مناعتها ضعيفة. لكنّها تعمد إلى تقطيعها وهرسها حتى تتمكّن الصغيرة من ابتلاعها، فهي من دون أسنان. كذلك تتغذّى بأطعمة لا تحتوي على أيّ توابل أو بهارات أو مكوّنات ذات سعرات حرارية كثيرة.

لينا خسرت ثلاثة من أصابع قدمَيها، فتشرح حامد أنّ "عدم التعرّق يزيد من بعض السموم في الجسم، الأمر الذي يدفع الصغيرة إلى مهاجمة أضعف المناطق في جسدها أي أصابعها. كذلك، هي في حاجة إلى بيئة باردة حتى لا تفعل، وبسبب انقطاع الكهرباء في غزّة، فإنّ ذلك أمر غير ممكن". من هنا، أحضرت حامد إلى المنزل حوضاً صغيراً للسباحة حتى تمارس فيه لينا تلك الرياضة التي تساعد جسدها على المقاومة، ولا سيّما أنّ مناعتها ضعيفة جداً وهي لا تنام إلا ساعة أو ساعتَين في اليوم.


يدان صغيرتان مشوّهتان (محمد الحجار)


إلى ذلك، أنشأت حامد صفحة على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي تحت اسم "شبكة الامراض النادرة حول العالم"، في محاولة لجمع أسر يعاني أولادها من أمراض نادرة، فتتشارك بالتالي الخبرات والمعاناة. وقد تمكّنت حامد من الوصول من خلالها إلى بعض حالات تعاني من أمراض نادرة في قطاع غزّة.

وتشير حامد إلى أنّ كثيرين هم الأهالي الذين يعانون في قطاع غزة ليس فقط من جرّاء أمراض أولادهم النادرة، إنّما من النظرة المجتمعية السلبية تجاه هؤلاء الأطفال. وثمّة من يعدّ المريض "عيباً" للأسرة، خصوصاً من يشكو من مرض نادر أو مرض عقليّ. وحامد واجهت هذه المشكلة عندما راح كثيرون ينظرون إلى ابنتها بطريقة تمييزية. وتقول إنّ "ثمّة أمراضاً نادرة في قطاع غزّة، لكنّ البعض يخجل من الكشف عنها"، مضيفة أنّ "لينا لم تحظَ بحقّها في التعليم، إذ لا تتوفّر بيئة مدرسية موائمة لحالتها". وتشير إلى أنّ ذلك "دفعني إلى البحث عن وسيلة للهجرة إلى أيّ من البلدان الباردة وبيئة تعليمية ملائمة لا تنبذها".

دلالات