عايزين تاكلوا مصر.. معانا؟

عايزين تاكلوا مصر.. معانا؟

15 مارس 2015
+ الخط -
يا سيدي، والله العظيم ثلاثة، مبسوط بفرحتك بالمليارات التي كانت من قسمة ونصيب مصر في المؤتمر الاقتصادي. وسعيد لأنك تشعر أن مصر حققت إنجازاً ما، حتى ولو كان داخل مدينة تحولت إلى ثكنة عسكرية. ومبتهج، لأنك انتقلت من مرحلة "العالم يتآمر علينا" إلى مرحلة "العالم ركع تحت أقدامنا ليدعمنا"، فكل ما أرجوه، في نهاية المطاف، أن تكون مبسوطاً ومرضياً، لأنك الشعب، ويفترض أن يهتم الجميع براحتك ورضاك.
لا أريد أن أفسد فرحتك بأسئلة رزيلة، تدعوك، وأنت تفرح بقدوم المليارات الجديدة، أن تسأل عن مصير المليارات القديمة، والتي قالت الإمارات فقط إنها قدمت منها، أخيراً، 14 مليار دولار، والله أعلم بما قدمته غيرها؟ ولماذا لم يظهر في حياتك البائسة أي أثر لكل هذه المليارات؟ وهل ذهب بعضها، أو معظمها، إلى الحسابات السرية التي تحدثت عنها التسريبات؟ وكم ذهب منها إلى تعليم أبنائك، وصحة الوالد ودواء الحاجّة وصيانة أنابيب الغاز وأسفلت الطرق المميتة وتنقية مواسير المياه وتجديد شبكات الكهرباء المتهالكة؟ وكم ذهب منها إلى شراء الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز وتجديدات مكاتب اللواءات وسيارات الأنجال وعمولات تجار السلاح؟ بل سنكتفي بقبول المنطق المنسحق الذي يرى أنه سيكون عدلاً وفضلاً، لو تبقى من هذه الأموال ما يشتري تختة مدرسة بالصعيد، أو يضمن جلسة غسيل كلى في الدلتا، أو يجدد شبكة صرف صحي في القاهرة، أو يفتح نفق مشاة ينقذ أرواح المارة بكورنيش اسكندرية.
أعلم أنك تتضايق، حين أذكّرك بهواية سرقة المال العام، لأنك تثق في ذمة رئيسك ونزاهته، وتؤمن أنه "راجل بتاع ربنا ممكن يقتل، أو يظلم. لكن، لا يمكن ينهب مال عام"، مع أن المسألة أكبر من شخص المسؤول الذي تحبه، فالخطورة كلها تكمن في سيادة مناخ حكم الفرد الخالي من ضمانات الرقابة والمحاسبة، بدليل أنك عشت ثلاثة عقود من تدفق المعونات العربية والدولية، على بلد كان يحكمها بطل من أبطال حرب أكتوبر، يؤمن أن "الكفن مالوش جيوب"، ومع ذلك، انتهى حكمه بأن ترك لأبنائه ملايين الجنيهات، وترك لك بلداً خرباً وبنية تحتية متهالكة، تدفع ثمنها من صحتك وأعصابك وعافيتك، ليس لأنه كان شيطاناً مريداً، بل لأنه تفرعن، حين لم يجد من يردّه ويراقبه، ويقول له "تلت التلاتة كام".
لست ضد أن تفرح، لكن ضد أن تعيش طويلاً في الأحلام، لأن الإفاقة المتأخرة منها ستكون باهظة الثمن، ولكي لا أبدو همّازا مشّاء بالتشاؤم، دعني أذكّرك بالتحقيق الذي تم منعه، أخيراً، لأنه كشف امتناع 12 جهة سيادية عن دفع ضرائب موظفيها التي قاربت ثمانية مليارات جنيه، ولاحظ أن من نشره لم يكن موقعاً إخوانياً أو معادياً للدولة، بل كان صحيفة (الوطن) التي طالما رضي النظام عنها ورضيت عنه، ومع ذلك لم يشفع لها تحقيق يحرص على المال العام، فتمت مصادرة نسخها وإجبارها على حذف التحقيق، وقبلها بأشهر تمت مصادرة عدد من صحيفة (المصري اليوم)، بسبب فقرة قصيرة في حوار مع ضابط مخابرات سابق، تحدث فيها عن مشروعات الأجهزة السيادية. وقبل ذلك وبعده، نشرت كل الصحف حوارات مع المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، كشف فيها المخالفات المالية الخطيرة التي ارتكبتها كل الأجهزة السيادية المسؤولة عن الأمن والعدالة، وامتناعها عن التعاون معه، بشكل يمكنه من أداء واجبه، فهل تعتقد بعد وقائع موثقة كهذه، وهي ليست إلا غيضاً من فيض، أن المسؤول الذي يتهرب من المحاسبة والرقابة، سيرقب في أموال المعونات إلّا أو ذمّة.
وإذا افترضت في رئيسك السيسي ملائكية السلوك، فهل ستفترض فيه عبقرية الإدارة التي ستجعله يضع كل دولار في محله، من دون أن يدخل البلاد في مشروعات "فنكوشية" غير محسوبة، تشفط أموال المعونات في لمح البصر، ثم من سيضمن لك ألا يحدث لأموال المعونات الجديدة، مثلما حدث في ميزانية هذا العام، حيث ارتفعت، طبقاً لتقارير وزارة المالية المنشورة، المبالغ المخصصة لرئاسة الجمهورية، بزيادة نسبتها 9.4% عن العام الماضي، وارتفعت المبالغ المخصصة لوزارة الدفاع بنسبة 27%، وارتفعت المبالغ المخصصة للشرطة بنسبة 18%، كان أغلبها في بند الأجور التي وصلت إلى 22 ملياراً ونصف جنيه، وإذا كنت لم تستطع مساءلة رئيسك عن سر ارتفاع تكلفة الأمن، مع أنك تشكو من ترديه وارتباكه، فهل سيستجيب لك إن حاولت أن تسأله، في العام المقبل، فيم أنفق أموال المعونات التي نزلت "زي الرز"، أم أنه سيحيلك حينها إلى المحاكمة العسكرية، بعد أن يشخط فيك "عايزين تاكلوا مصر معانا يعني؟".
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.