حرائق كاليفورنيا... صواعق تهجّر عشرات آلاف الأميركيين

حرائق كاليفورنيا... صواعق تهجّر عشرات آلاف الأميركيين

25 اغسطس 2020
احترقت ممتلكاتهم في فاكافيل (جوش إيدلسون/ فرانس برس)
+ الخط -

مرّ أسبوع كامل على بدء الحرائق في غابات ولاية كاليفورنيا الأميركية. الوضع غير مطمئن والسلطات تحاول السيطرة، مع إجلاء عشرات الآلاف من السكان

يوم الأحد، في السادس عشر من أغسطس/ آب الجاري، بدأ حادث غير متوقع في ولاية كاليفورنيا، جنوبي الولايات المتحدة. فالولاية الموبوءة بفيروس كورونا الجديد، أكثر من أيّ مكان آخر في البلاد التي تحتل الصدارة العالمية بعدد الإصابات في دورها، كانت أمام امتحان بيئي عسير ما زال مستمراً حتى يومنا الحاضر. الحكاية بدأت مع آلاف الصواعق الرعدية المترافقة مع رياح شديدة السرعة، والهدف الأول والأضعف الذي ضربته كانت الغابات الكبيرة هناك، والتي بدأت في الاشتعال سريعاً، في أسوأ حادث من هذا النوع منذ عشرين عاماً.

تصاعدت الإنذارات طوال اليومين التاليين بينما كانت النيران تأتي على الأحراج، وتقترب من المنازل، فيما الدخان الكثيف والحرارة الشديدة والانهيارات الرملية والصخرية، كلّها تمنع حتى العاملين في الإطفاء من الاقتراب والسيطرة على النيران.
أيام قليلة بعدها، بدأت الولاية في إحصاء ضحاياها، فيما بدأ السكان في مغادرة منازلهم سريعاً في عدد من البلدات القريبة من الغابات. يوم الجمعة الماضي، بعد خمسة أيام على اشتعال الحرائق، أعلن حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، أنّ طواقم الدفاع المدني تكافح 560 حريقاً في أنحاء الولاية بعضها اندلع نتيجة صواعق،‭ ‬مشيراً إلى أنّها تضغط على الموارد صوب نقطة الانهيار. ووصف نيوسوم، الحرائق بأنّها لحظة مميتة، فيما دعا السكان إلى تنفيذ أوامر الإجلاء.
بات الأمر رسمياً عند هذه النقطة، في أنّ الولاية وحدها غير قادرة على التعامل مع الحرائق، إذ طلبت كاليفورنيا التعزيزات ليس فقط من الحكومة الفيدرالية الأميركية، بل أيضاً من كندا وأستراليا. واستجابة لحالة الطوارئ، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السبت الماضي "إعلان كارثة كبرى" لتقديم المساعدة الفيدرالية. وقال حاكم الولاية غافين نيوسوم إنّ الإعلان سيساعد أيضاً الأشخاص في المقاطعات المتضررة من الحرائق من خلال تقديم المشورة في الأزمات والإسكان والخدمات الاجتماعية الأخرى. ويسمح إعلان ترامب باستخدام تمويل فيدرالي لمساعدة المتضررين من السكان والشركات في 7 مقاطعات في الإنفاق على توفير مساكن مؤقتة وترميم المنازل وغيرها من الاحتياجات.

الصورة
حرائق كاليفورنيا- Getty

على صعيد إجلاء السكان، امتثل نحو 240 ألف شخص لأوامر السلطات، وغادروا منازلهم. وقال دانيال بيرلانت، المتحدث باسم وكالة الحماية من الحرائق في كاليفورنيا، في مقطع فيديو نشر على "تويتر" إنّه تم إجلاء ما يقرب من 240 ألف شخص. وبينما يتوقع جهاز الإطفاء في كاليفورنيا مزيداً من الصواعق الرعدية التي ستستمر حتى اليوم الثلاثاء، أكد أنّ "على الجميع التأهب ووضع خطة إجلاء" فيما قالت خدمة الأرصاد الجوية إنّه "في ظلّ الجفاف الشديد... بإمكان العواصف الرعدية إشعال مزيد من الحرائق في الغابات".
وأقرت السلطات في كاليفورنيا بأنّ عدد أفراد فرق الإطفاء لم يكن كافياً في البداية لمكافحة هذا العدد الكبير من الحرائق الواسعة النطاق. لكنّ رجال الإطفاء في كاليفورنيا تلقوا في الساعات الأخيرة تعزيزات شملت أفراداً ومعدات من عدة ولايات أميركية، خصوصاً من أوريغون وتكساس وأريزونا ونيو مكسيكو. وأضاف بيرلانت أنّه تمّ حشد نحو 200 عنصر من الحرس الوطني، فيما كان نحو 14 ألف عنصر إطفاء يعملون على إطفاء الحرائق.

بيئة
التحديثات الحية

الخسائر تبدو كبيرة جداً وإن كانت الخسائر البشرية محدودة حتى الآن. فبينما بدأ تدفق طواقم الإطفاء من شتى أنحاء الغرب الأميركي، بالتعاون مع طائرات عسكرية وقوات من الحرس الوطني، إلى كاليفورنيا، منذ أول من أمس الأحد، للمشاركة في الحرائق الأربعة والعشرين الرئيسية المستمرة، تأكدت وفاة ما لا يقل عن ستة أشخاص وإصابة نحو خمسين معظمهم من عناصر الإطفاء والإنقاذ، وتدمير نحو 700 منزل وبعض المباني والمنشآت غير السكنية الأخرى، وقالت إدارة الإطفاء في كاليفورنيا إنّ الحرائق أتت على نحو مليون فدان (نحو 4200 كيلومتر مربع) من الأراضي الحرجية. وتم إغلاق أكثر من 24 حديقة عامة وشاطئاً في المنطقة بسبب الحرائق. وعلى صعيد تلوث الهواء بسبب الدخان، أعلن دانيال سواين، خبير المناخ، في جامعة "كاليفورنيا" أنّه "نظراً إلى أنّ حرائق عديدة ستستعر لأيام أو حتى لأسابيع ستكون نوعية الهواء رديئة للغاية لفترة زمنية طويلة".
في شهادات جمعتها الوكالات العالمية، قال هانك هانسون البالغ من العمر 81 عاماً وهو أحد سكان فاكافيل المتأثرة بالحرائق: "ليلة الثلاثاء عندما ذهبت إلى الفراش، كان لديّ منزل جميل في مزرعة جميلة... بحلول ليلة الأربعاء، لم يكن لدي شيء سوى حفنة من الرماد". وبينما عثر على ثلاث جثث في منزل احترق في منطقة ريفية من مقاطعة نابا، فإنّ كثيرين من بين سكانها رفضوا أوامر الإخلاء. وقال أحد سكان نابا، ويدعى جون نيومان (68 عاماً) بينما جلس على مقعد عند مدخل منزله: "على الأقل إذا كنّا هنا، نعرف تماماً ماذا يجري. العائلة قلقة لكنّ الأمر مختلف بعض الشيء عند الاطلاع على ما يجري مباشرة". لكنّ سكان نابا شملهم، أمس الاثنين، قرار الإجلاء مع عشرات الآلاف في مختلف المناطق المعرضة للخطر في كاليفورنيا.

الصورة
فحص كورونا في كاليفورنيا- Getty

وبينما حظي سكان كاليفورنيا طوال عقود بمساعدة من السجناء، الذين خصصتهم الولاية للعمل في إطفاء الحرائق، حرموا منهم هذه المرة بسبب برنامج إطلاق سراح السجناء المبكر الذين أقره حاكم ولاية كاليفورنيا، والذي بدأ تطبيقه مع انتشار فيروس كورونا الجديد. وقال ريكاردو مارتن، الذي أصبح سجيناً متخصصاً بالإطفاء بينما كان يقضي عقوبة بالسجن سبع سنوات: "كان أصعب ما فعلته في حياتي، لكنّنا نفتخر بشكل خاص بقدرتنا على إنقاذ منازل الناس". وسجل فيروس كورونا أكثر من 112 ألف إصابة مؤكدة لدى النزلاء والموظفين في سجون الولايات المتحدة، مع نحو 1000 وفاة.

تجدر الإشارة إلى أنّ كارثة الحرائق ترافقت مع جملة من الأحداث المحتدمة سياسياً واجتماعياً وصحياً وبيئياً في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي، اكتملت أمس مع وصول عاصفتين مداريتين، إلى ساحل خليج المكسيك جنوبي البلاد.

توعية من الفيروس
لم تغفل الإدارة الصحية في ولاية كاليفورنيا عن خطر كورونا، واحتمالات انتشاره، مع أولوية إطفاء الحرائق وعمليات الإجلاء وما يمكن أن يحدث فيها من اختلاط بين المصابين بالفيروس وغيرهم. لذلك، وجهت دعوة عبر موقعها الرسمي قالت فيها: "إذا تم إجلاؤك بسبب حرائق الغابات، فأحضر كمامة للوجه ومعقماً لليدين، واستمر في ممارسة التباعد الجسدي كلما أمكن".

المساهمون