بين شريط مبارك وشريط السيسي

بين شريط مبارك وشريط السيسي

10 نوفمبر 2014
+ الخط -

كون أن هناك جماهير نزلت فوضتك لمحاربة الإرهاب، بغض النظر عن أعدادهم، لا تعتبر ذلك التفويض "شيكاً" على بياض لكل شيء أو فعل يصدر منك من دون دراسة أو تخطيط مسبق. تفويضك ليس مبرراً لأن تأخذ قرارات من دون الاطلاع على الدستور. تفويضك ليس مبررا لتحنث في قسم اليمين الدستورية، بعد أن هجّرت أهالي سيناء بما يخالف الدستور، لإخلاء المنطقة الحدودية، بهدف إقامة شريط عازل. وهو من وجهة نظر السيناوية لا يفيد لمكافحة الإرهاب، لأن الإرهاب يسكن كهوف الجبال، ولا يسكن مع المدنيين. وأنك تتوهم أن الإرهاب يتخذ من المدنيين دروعاً بشرية، فأنت رحلت الإرهاب بدروعه إلى مكان اّخر، فماذا يفيد ترحيل الأهالي معه؟

تركيبة المواطن المصري فريدة من نوعها، بغض النظر عن اختلاف البيئة التي يعيش فيها. كل مواطن يحن ويشتاق دائما إلى مسقط رأسه، وإلى المنطقة التي نشأ فيها، مهما فرضت عليه أولويات الحياة والتغرب عنها، حيث تداهمه دائماً أشواق الماضي لأرضه التي نشأ فيها، حيث لهو الطفولة وطيش الشباب واللمة والأصحاب. كلها تشوقات لا تقدر بمال، وربما يجهلها السيسي وحكومته، ومحافظ سيناء أيضاً، الذي خرج علينا في مداخلة هاتفية معايراً الأهالي بـ 300 جنيه نظير القيمة الإيجارية لسكان رفح والشيخ زويد، مضيفاً أنه يتم إخلاء 500 متر من الشريط الحدودي كمرحلة أولى من الإخلاء، وأن العملية الأمنية تقوم في سرية تامة، وأنها جاءت بدافع قرارات سيادية، مشيراً إلى أن التعويضات لن تصرف في يوم وليلة، لكنها تصرف طبقاً لجلسات تقييم الوحدات السكانية والمزارع الكائنة في الشريط الحدودي.

لا أدري عن أي سرية يتحدث السيد المحافظ، وأي ضمانات إنسانية، وهو يسحق المدنيين ويحرق مزارعهم نهاراً جهاراً، ناسياً أن السيادة للشعب وحده، متحدثاً عن صرف التعويضات بشكل مبتذل، وهو يقول إن التعويضات لا تأتي في يوم وليلة، ناسياً أن التهجير تم في يوم وليلة، فلماذا لم تعد خطة استراتيجية محكمة ويتم توفير منازل بديلة لهم قبل اتخاذ القرار، حتى لا نترك الأهالي يبنون مساكن عشوائية نعاني منها في المستقبل، وربما تكون مأوى لإرهاب جديد. 

في يناير 2010، سادت حالة من الجدل حول بناء الجدار الفولاذي على الحدود بين مصر وقطاع غزة، بين مؤيدين ومعارضين لبناء الجدار من الأحزاب والساسة، تقدم وقتها بعض نواب مجلس الشعب ببيانات عاجلة لمناقشة بناء الجدار، كما تم تحريك دعوات قضائية من بعض الحقوقيين ضد حسني مبارك، ومن ثم اندلعت مظاهرات في بعض العواصم العالمية من بينها بيروت وعمان وبرلين ضد الجدار العازل. الموافقون على بناء الجدار كانوا يرون أنه بمثابة حماية للأمن القومي الداخلي، ولا يجوز لأحد التدخل فيه. لكن المعارضين كانوا يرون أنه يضر بالأمن القومي والمصلحة الفلسطينية. بينما اتهم البعض النظام وقتها بالتواطؤ مع إسرائيل، لكن كان يوجد توافق عام بين كلا الطرفين على تعمير سيناء للقضاء على الإرهاب وسلامة أمنها القومي. آنذاك انفجرت ماسورة من الخبراء الأمنيين يمجدون مشروع الجدار العازل الذي فشل بعد شهور، وتم اختراقه بالأنفاق، بعد أن أنفق عليه 2 مليار دولار تقريباً.

إبان ثورة يناير، انفجرت ماسورة جديدة من الخبراء الأمنيين، حدثونا بأن الحل الأمني الوحيد لسيناء هو إنشاء مشروعات تعمير، وزيادة الكتلة البشرية هناك. والآن في عهد السيسي تنفجر علينا ماسورة خبراء من نوع آخر، مدعومة إعلامياً، لكنها غريبة من نوعها، تحدثنا عن حل أمني جديد، وهو شريط عازل يتم إنشاؤه بعد تهجير المواطنين بعيداً عن المنطقة الحدودية، وهو الأمر الذي لم يتجرأ عليه مبارك وعمر سليمان "الجلاد".

يتم التعسف تجاه هؤلاء المواطنين العزل، وأحياناً يتم التنكيل بهم وتعذيبهم، كما شاهدنا في  فيديو متداول عبر شبكات الإنترنت لأفراد يرتدون زي القوات المسلحة، يعذبون أفرادا مدنيين. وفي النهاية بعد كل العمليات البربرية والهمجية، قد يكون مصير مشروع الشريط العازل مثل مصير الجدار العازل سالفه، ينتهي بأموال تدفن في الرمال، وتشريد مواطنين أبرياء نتاج خطط عشوائية تضعها الدولة وخبراؤها الشرفاء، وهي الظاهرة التي حلت علينا بعد ظاهرة المواطنين الشرفاء، وما زلنا في انتظار شرفاء جدد، يهللون للسلطة تهليلا أعمى، حتى ينالوا الرضى.

لك الله يا مصر

avata
avata
صالح شلبي (مصر)
صالح شلبي (مصر)