الدوعشة والهتلرة في تونس

الدوعشة والهتلرة في تونس

23 ابريل 2015
+ الخط -

كانت الصور القادمة من بعض المعاهد، اليوم، في تونس صادمة لكثيرين، وأربكت، في المقابل، التحاليل النمطية المهيمنة في الساحة الإعلامية. سواء حول حضور "داعش" في أحد معاهد محافظة القيروان الأكثر بطالة، في امتحانات البكالوريا (شهادة ختم الثانوية العامة) في مادة الرياضة التي عادة ما تقام بشكل احتفالي، أو هتلر وألمانيا النازية في أحد المعاهد في جندوبة التي تتصدر المؤشرات الأخيرة في التنمية. في المناسبة نفسها، في بقية المعاهد عبر شعارات وخطاب ينحاز للرفض، والخروج التام عن المنظومة القائمة، من شباب الباكالوريا في سن الزهور، فالأمر يحمل معاني ودلالات كثيرة، ويفند التحاليل والقراءات النمطية التي أغرقنا بها أشباه الخبراء على الفضائيات التونسية.
فلا المساجد أسباب الرؤيا الرافضة للنظام السياسي والاجتماعي القائم، ولا الجمعيات الدينية. ولا الفكر الديني بالأساس. الرؤية والتفكير المعادي للدولة ولمنظومتها نابع، أساساً، من قتل الأمل، واغتيال الحلم بـ "مدافع" و"قاذفات" الحكم الفاسد القائم على احتكار السلطة والثروة والوطن.
أفظع إحساس هو الإحساس بعدم الانتماء للوطن، لأنك مقصي منه، أو مسحوق فيه، أو مهمش داخله. إنه الإحساس بالقهر الذي يولد لديك الثورة في وجه الظلم والقهر. الثورة في وجه الاستبداد والفساد. الثورة في وجه التمييز والمحسوبية والاستنسابية، من أجل كسر الحواجز، والانعتاق.
ولا علاقة لذلك بالأفكار أو العقائد. إنه الاتجاه صوب المنحى المعاكس للدولة والنظام الذي يكرس كسر الإرادة، ويقتل الطموح. الاتجاه صوب الراديكالية المعادية للهيمنة والاستعلاء والاستكبار.
عندما تهيمن القوى العظمى على العالم، وتنشر الحروب والكوارث والفقر والتخلف والجهل، وتسيطر على العالم الشركات الكبرى واللوبيات المافيوية، وتجتاح الأوطان، وتأسس توابع ووكلاء داخلها، وتنتهك السيادة الوطنية، ويأسر القرار الوطني، وتستباح الثروات الداخلية، وتسلب أموال الشعب، فالتوجه لن يكون مهادناً، والسلم يصبح بعيد المنال.

"الدوعشة" كما "الهتلرة"، وغيرهما من مناحي الرفض المطلق للنظام، ظواهر اجتماعية منتظرة، ما دام الشاب لا يرى العدل، ولا يلمح سيادة وطنه، ولا يقف على موقع له في إدارة الشأن العام والمساهمة في وطنه، ما دام أصبح يفتقد معاني الانتماء والصلة بدولته، ما دامت مواطنته مسلوبة، ما دام حلمه المستقبلي مجهضاً.

الاستئثار بالمال والثروة من أهل السطوة والاستحواذ على السلطة والنفوذ والأضواء من السياسيين، والتطاحن والتناحر السياسي، من أجل المواقع والكراسي، من دون اكتراث بالشباب والأطفال، ومن دون اهتمام بالفئات الهشة، وبروز العجز والشلل من الطبقة السياسية في إيجاد الحلول، وتقديم البدائل، وزرع الأمل، لن يزيد سوى في استفحال ظواهر رفض الدولة بأشكال مختلفة، لكنها تتحد في المنطلق.

رسائل اليوم من الشباب كما رسائل الموسم الماضي، والذي قبله من الشباب، يبدو أن السياسيين أبعد ما يكونون عن التقاطها، فما بالك بفهمها واستيعابها. الغرق في السلطة ومغنمها أعمى الأبصار، بل أعمى القلوب التي في الصدور. المعالجات الأمنية قاصرة في جوهرها. المعالجات لن تكون سوى سياسية واجتماعية وثقافية وتربوية، إضافة إلى التنموية والحقوقية. المعالجة بالأساس في إرساء الحكم الرشيد العادل ونظام الحكم الذي يستوعب الجميع، ويفجر الطاقات والقدرات كلها، من دون استثناء ولا إقصاء. في كلمة الوطن الذي فسحته تتسع للجميع، ولا تلفظ أحداً.

BDD9CC42-D4D7-458B-BAF4-3A664E21B438
BDD9CC42-D4D7-458B-BAF4-3A664E21B438
شكري بن عيسى (تونس)
شكري بن عيسى (تونس)