الائتلاف المصري رهان خاسر

الائتلاف المصري رهان خاسر

29 ديسمبر 2014

شبان مصريون يطالبون بالإفراج عن المعتقلين السياسيين(19ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

في ضوء "ترنح سلطة الانقلاب" في مصر، كما تراها قيادات جماعة الإخوان المسلمين، سيكون من المناسب تشكيل ائتلاف يضم أحزاباً منتمية لتيارات فكرية مختلفة: ليبرالية، قومية، إخوانية، على أن تسند قيادة الائتلاف لشخصيةٍ لا تنتمي للحركات الإسلامية (علمانية لا بأس)، لكن ترضى عنها جماعة الإخوان. وتكون الوظيفة الرئيسية لهذا الائتلاف تقديم نفسه بديلاً للسلطة الحالية في مصر عندما تسقط. وأيضاً على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أن لا يكونوا في الواجهة حتى لا يظهر ائتلافاً إخوانياً، وحتى يتم جذب باقي الحركات الشبابية التي شاركت في الموجة الأولى لثورة 25 يناير 2011 للانضمام إليه. وكذلك على الجماعة أن تتعهد أن تكون مشاركتها في حكم ما بعد سقوط "السلطة الحالية" ما بين 10-15% على الأكثر.

هذا الشكل، أو الكيان، أو سمّه ما شئت، يبدو جذاباً نظرياً للحكومات الأوروبية والإدارة الأميركية، وأيضاً قد يبدو جذاباً للحصول على دعم مالي وسياسي من بعض الدول، خصوصاً وإن تدخلت الأخيرة في اختيار الشخصية التي ستقود هذا الكيان.

أرى أن هذا الكيان ولد ميتاً. ويمكننا، هنا، طرح تساؤلات عديدة عند الحديث عنه. التساؤل الأول: مَن أنتم؟ مَن هؤلاء الذين سيجتمعون، هناك، في عدة دول، لكي يشكلوا كياناً يعد الرهان عليه خاسراً بكل المقاييس، فالقيادات التي تجتمع وتخطط هي الوجوه نفسها المسؤولة عن أزمات ما قبل "3 يوليو" والنكسة بعدها، وهي القيادات نفسها التي تمتلك من التكلّس في الفهم والخيال السياسي ما يمنعها من فهم معطيات الواقع والتعامل معه، وهي، أيضاً، تلك القيادات التي لا تملك ولاءً حقيقياً ومخلصاً لقيمها المعلنة، ليبرالية كانت أم إسلامية، سواء باتجاه بعضها، أم باتجاه المختلف معها أيديولوجياً، وعقدياً، وعمرياً، ونوعياً. هي القيادات نفسها التي لم تستطع أن تضع خططاً واقعية، قصيرة ومتوسطة المدى، لمواجهة أزمات المجتمع الاقتصادية والمجتمعية. وهي القيادات نفسها التي غذّت الاستقطاب بخلافاتها الصبيانية، وضيق أفقها واقتناعها بالمعادلات الصفرية، ورغبتها في السيطرة الكاملة وإقصاء الآخرين، وأدت بسلوكها إلى انقسام غير مسبوق على المستوى المجتمعي في المجتمع المصري.

الثاني: هل المكونات الداخلية للكيان، المختلفة في طيفها الأيديولوجي والحاملة أمراض الاستبعاد والإقصاء للمختلف يمكنها، فعلاً، أن تستمر متحالفة، وتقود معاً دفة الحكم، وهي لم تقم بمراجعات فكرية وهيكلية بشأن أخطائها في المرحلة السابقة؟

الثالث: هل يتمتع هذا الكيان في مجموعه بالاستقلال عمّن دعموه مالياً ولوجستياً في الخارج؟ وبالتالي، يمكنه أن يصنع سياسة داخلية وخارجية لمصر، بشكل منفصل عن التجاذبات الإقليمية؟ وهل كل مكوّن مفرد من مكونات الكيان يمكنه أن يحتفظ، في خياراته، باستقلال حقيقي عن روابطه الإقليمية والخارجية؟ لا أعتقد.

الرابع: هل المجتمع مستعد لقبول هذا الكيان المكون خارجياً من قيادات سقطت في مجموعها، سياسياً، وبعضها أخلاقياً؟ وخصوصاً أن المجتمع اختبر عملياً ممثلي التيارات التي تصدّرت المشهد بعد الثورة في قيادة دفة الحكم في مصر: حكومة الإخوان، برئاسة هشام قنديل من 30 يونيو/ حزيران 2012 إلى 24 يونيو 2013، ثم حكومة الليبراليين والقوميين، برئاسة حازم الببلاوي، من 9 يوليو/ تموز 2013 حتى 24 فبراير/ شباط 2014، ثم حكومة التكنوقراط العلمانية الحالية، بقيادة إبراهيم محلب. لم تستطع أي من هذه الحكومات، والتي شارك فيها معظم متصدري المشهد السياسي في مصر أن تقدم حلولاً حقيقية وواقعية لقضايا مهمة للمواطن المصري، والمتعلقة بقضيتي الأمن والاقتصاد، ناهيك عن قضايا، مثل الصحة والتعليم. وقد فشلت جميعها في تقديم أي مبادرة سياسية تجميعية إدماجية للتيارات السياسية كافة، للتخفيف من التأثير السلبي للانقسام السياسي على النسيج المجتمعي المصري.

إذن، يحمل هذا الكيان، في داخله، أسباب فشله وتفجره الداخلي، ولا يمكنه أن يقدم بديلاً مقنعاً للداخل، للمواطن العادي وللناشط السياسي. ويسير في ركاب عدم الفاعلية والفشل البرلمان الموازي الذي تم الإعلان عنه، أخيراً، في تركيا، حيث لا يوجد أفق لمَن يسعى إلى تشكيل الائتلاف، والبرلمان الموازي المجمع زعماً. كلاهما انعكاس لإفلاس نخبة الخارج في العمل، من حيث الفاعلية والتأثير في الداخل والخارج، وتسليةً لهم، إلى جانب صراعاتهم البينية بشأن الأكثر فاعلية وقرباً من حكومة/ أمير/ رئيس هنا أم هناك!

لا أمل في نخبة تكلّست عقولها، وغاب عنها الخيال السياسي، وادّعت شجاعة غير موجودة واستغلّت إخلاص أعضاء "ملح" جماعتها في مقاومة بلا أفق.

EB663898-3457-459C-B1E2-A40FE222DCB7
نجوان الأشول

كاتبة مصرية، رئيسة المركز العربي لتحويل النزاعات والتحول الديمقراطي، باحثة دكتوراه في الحركات الاجتماعة والإسلامية بالجامعة الأوروبية، عملت باحث دكتوراه في المعهد الألماني للدراسات الدولية. تنشر مقالات بالعربية والانجليزية.