بمِثل هذا الأَمل الوجيز

بمِثل هذا الأَمل الوجيز

12 فبراير 2020
(فيكتور رودريغيث نونييث)
+ الخط -

مدخل

لا أعرف عبرَ أي درب
لكنّي وصلتُ إلى هنا
إلى هذه البُقعة الغريبة
بلا بيوت أو مناظرَ
هذا المكان العاري
من الأحجار إلى الروح
حيث يَمُد جذورَه العالمُ

ربما تَصل أنت أيضاً
متّبعاً نفسَ الدرب
في هذه الحياة المُتخَمَة
بالنجاح واليقين
الغَلَط وحدُه يربُطُنا
الشِعر مَمْلكة المُخطِئين.


■ ■ ■


البوغوتي

إلى غوستافو أدولفو غراثيس

ألعب كُرة القَدَم مع قاتليّ
أُسابِقهم على الكرة
أَختلِق الزمن والمساحة
أُجازِف بهذه التمريرة المُنفردة

مُتكتلين معاً
فوق العُشب اللجوج
للملعب المختار
ينفض أطفال الشوارع عن أنفسهم الغبار
الذي ألقاه الله على أرواحهم
ويغتسلون في الشمس
واحد في "بونشو" رثّ
يبحث عن نفْحَة
سعادة
في كِيس بلاستيكيّ
وآخَر ضلوعُه بارزة
يَصطاد فُتات الخُبز من وَسَطِ الحشيش
كعصفور

أَلعب كرة القدم مع قاتليّ
يُمرّرون لي الكرة
وأُحاول تسديدَ هَدَف
في عِظامهم سَديم أكثرُ ممّا في الشوارع.


(العنوان بمعنى ساكن بوغوتا، عاصمة كولومبيا)


■ ■ ■


قصيدة مضادة

لحظة كتابة
"الحالةُ الطبيعية للإنسان هي الحزن"
ظَهَرتِ
مُشرِقةً تقريباً

فكّرتُ في أن أواصل
"وكل ما يَقوم به
في سَبيل تَحقيق السعادة"
ولكني أراكِ عاريةً - كما لم أركِ أبداً -
مُنَمّشة ونحيفة كالبكاء

وربما أَختِم بـ
"الجمال هو أُحبولةُ الموت"
لأُقبّل عظامكِ
وأبحث عن جِلدِك
في المكان الصحيح

كلّ هذا
الحب
حتّى أبقى وحيداً
في نهاية قصيدة لا تخونُنا.


■ ■ ■


سانتا ماريا

بلا عَتمة تَسقطُ تحتَها ميّتاً
وأنتَ مُستلقٍ على الشاطئ
مِثلَ سرطانٍ قليل الحظ
ومغفور له من جانب الأطفال

تتحسّس الحَجَرَة التي تَغمِز لكَ
بتمرّدها الطازَج
وإذا الدرّاجة المُترعة بالقواقع
تمرّ بين مخلبيكَ

الرمل في آخِر التفعيلة
يُفقِد "الكلابات" إيقاعها
والعالم "غويرو" مدهون بأي طريقة كانت

على مِزاج السُيّاح
لم يُخبرْك أحد مِن قَبلُ
بما تتعلّمه متى غادرتَ المياه.

("كايو سانتا ماريا": جزيرة ومنتجع سياحي في كوبا، "الكلابات" و"الغويرو" آلات إيقاع خشبية منتشرة في أميركا اللاتينية)


■ ■ ■


وادي نهر أوهايو

الآنَ يأتي الأُفُق
أَسمَعُ ضَوءَه
يَتخبّط في الأشياء
فيَترك على جِلدي طعْمَ الزنجبيلِ

الآن وقد استسلم لمِا يَقبِض عليه
حَرْفُ "الزد" الأموميّ لنهر أوهايو
بِمَصانع ليلةِ الانتخابات
بِمَخازن القلق

الآنَ البيوت في داخلي
كالبرشام في جسم طائرة
في حَدَقَةِ إعصار

والسقوطُ باتجاهكَ
ابتسامةٌ يسارية
وقد بدأ مِعطف الشتاء يَفتَقِدُني.


■ ■ ■


ليل مدريد

لا تَعِدني الليلةُ بشيء
لونُها لونُ "بلا رجعة"
عظامي التي
بدأتْ تئن
وقد غمرها الأَرَق تُخبِرني

بأصابِعِ الليل ألمِسُكِ
صورة غيوم بلا أثداء
وضوح بلا فم
ونجوم مُشعّثَة
تتسلّق
وِسَادَتِي

الآن الليل
يا صَعْقةَ البرقِ الصافيةَ
يتدفّق من أجلي
وحتى أقدامُنا
أيتها النُجوم البَرّية
تتوق لتَركِ آثارِها على السماء

الليل بابٌ مُوارَب
ومِن ثَمّ أُتحِفها
بحلمي المختَمِر
للّيلِ طعمُ "أبداً"
ولكنّ رائحَتَه هي الغَد


■ ■ ■


أُمثولة

لإرنستو رومان أوركوثكو

يَطْعَم الطائر
على الصمت عبر نَقرات شَرِهة
ويبحث عنه وسْط أوراق الشجر المُتَفَتّتَة
إنّه رَعشَةٌ
على غُصن المساء الوحيد

لاحقاً سيُقلِع
يُصبح غيمة سَبُوحاً
فوق سِلسلة زرقاء من الجبال
ذات القِمَم المدبّبة
حيث لا يُزهر سوى
أمّي والنجوم
سيكون أحشاءَ أُغنية
عَيْناً بلا وجه
إنه ما يتحوّل إلى تراب
حَجَر يَدمى
في وجه القوْس المُثقَل بطَلقْة

حتّى لو عاد نَفسُ هذا الطائر
وقد وُلِد من جديد في الدُخان والرماد
ليَحُطَّ مرّة أخرى
مِثل عُشّ
على غصن المساء الوحيد.


■ ■ ■


الرجعات أو ذلك العنكبوت الذي يقع في شَرَكه السؤال

تأتين من قَبْلِ القَبْلِ من بَعيدٍ جداً
لتنبُشي هذا البدروم
حيث الإيقاع
ذِكرياتٌ مستحيلة تَختَمِر
ثوراتُ غضبٍ تَتَبَلوَر
بِلُغة لا يَفهمها ولا واحدٌ من الجيران
شاي الغجر يغلي
على النار التي تُعوِزها عينُ طائرٍ أحمرَ
صَنَع عُشّه على الطاولة
لا شيءَ واضِحاً ولا حتى ثَخَانةُ
صوتِ الحُمّى

ولا شيء يَكُفّ عن أن يكون
ما ذات يوم لن يكون
في مُستطيل أشجار الكَرَز
عليكِ أن تَرشفي
العتمةَ ذاتَ الرِيش
حيث النُقَط فوقَ الحروف تَبعث دُخاناً
أنا لا أراكِ ولكني أسمع خطواتكِ
تُرجِف الضوء
وأنت تُقْبِلين من وَسَط خشونةٍ
بدأتْ تُزهر
بآخِر زَخّات الجَليد

تأتين بِطَعمٍ يُجفّف بَشَرتي
مِثلَ غَيْمةٍ صَدِئَة
انقلبتِ المشاعر
حصى
طبقاتٌ من الِحيرَة
أو ماضٍ من سخام
نهرٌ بلا أُمّ
رماد عَسَل
تلك الرِواية التي ليس فيها أحد
ولا شيءَ حاضراً
يُغادر حتّى يَصلَ حتّى يَعود

شيءٌ ما انطفأ
في خيالك
ليس فقط حيوانُ "الميكوي"
متعثراً في الأسلاك الشائكة
التي تَبَرّز عليها الذباب
فِردَوس الفَصْل الدِراسيّ
تعلّمتُ كل شيء
في مأوى قديم للعبيد
ومِثلَكِ سأكون حين يَعصِر الظلالَ
عنكبوتٌ يوقع السؤالَ في شَرَكِه

هكذا لن نَسترِد وعيَنَا أبداً
هناك فقط الانتظارُ
على بابِكِ الفِضيّ
جَرْسٌ غير مقصود
يُطهّر الهدوء بالنار
بينما مَفَاصِل الذاتِ
تَرفُض أن تَنبسِط
وأنت مُجلجِلةً تنفتحين
مع أنّ ما اختَنَق في الداخل
نهارٌ لا يَفِلّ يومَ الاثنين
ولا الحادي عَشَرَ من سبتمبر

إشراقٌ بَحْتٌ مع زَخَمَة شَرَاب
يتفادى الأَرصِفةَ
ثمة نهارٌ لم تمسسْه الغُصون
ولا جذورَ مكشوفةً
أو أوراقَ شجرٍ يِهزّها الصوت
ظلٌّ بلا نُعُوت
لا قُبّعةٌ ولا إحصائياتٌ
اللِّفاع نهارٌ تخثّر
يَقطُر في البالوعات
ضوءُ وظلُّ الوجود
دون أن يكون له شأن
يَسمح لنفسه بالعَرَق

ومع ذلك ثمة نهارٌ يوحِل هذه الصفحة
لا شيء يتركني
كلُّ شيء يعود
أحدَ عَشَرَ مقطعاً لفظياً غيرُ مُضغَمَة
في الليل تَصِرّ كالثلج
اسمَحي لدَمِكِ بأنْ يجري
الوَرَقُ يَصدأ لكنّه يُعطّل كل شيء
لا تَشعري بالخِزي من السكّين
لا يُبدي حُنُوّاً كالجليد
ويَسمحُ لنفسه بالسقوط
على إِعرابِ الباحة

أنا وجهة النظر
أو المَنْفى الحبيب
جسدٌ مُكدّر
روحٌ مُفلطَحة
انتظاركِ زائد عن الحاجة
فأنتِ آتيةٌ بغضّ النظر
عاجلاً وليس آجلاً
مُمَزَّقةً
مع مَسْحَة حَبَق
وعروقي الشفّافة
قنوات رغبتكِ

لا فائدةَ من دوْزنة الشيش
ناغِمي بين الباب الدَوّار
وبين عسلكِ المتدفق
وشمعي العِطريّ
ثدياكِ أشبهُ بجَرَسين
يَدُقّان لي كلّ ساعة
اليقينُ الوحيد أنكِ آتية
حتى الغِياب يَستشعِر
أنك في داخل
وَكر الصُوَر التي يُمكن عَدّها
لا يرجِع الواحد بلا فائدة

وكم انتظر الواحد
وهو فقط لا يُريد
بمِثل هذا الأَمَل الوَجيز
لا يتجاهَل السبب
طَوْفٌ جليديّ وسْط الخِطاب
لم يقدِر الواحد على التَفاوُت
فأخذ الزَلّة في الاعتبار
غير تائبٍ وقد صَقَله الوهم
الواحد يخاف النسيانَ أكثَرَ ممّا يخاف الموت

في الكادْر الأخير كان الغياب ينتظر
في الصورة التالية عليكِ أنْ تَصِلي
مرّةً أُخرى أنا اللاشيء الذي يَتخيلُك
عيني طائرٍ أحمرَ وشايَ غجرٍ
في بدروم فَلّاحيّ
مَن يُفصِّل النهاية؟
الطَرَف الذي يمتصّكِ
بحِبره السابِغ؟
بالصُدفة هل وصلتِ؟
ولا حتّى ذلك الذي يولد من جديد بموتكِ
وحْدَهَا الحياة تُعاد كتابتها.

(طائر أحمر: "كاردينال" في الأصل. "الميكوي" أو السولندون الكوبي هو حيوان نادر من فصيلة الشفويات ذات المصران الأعور، كوبا هي موطنه الأصلي)


* Víctor Rodríguez Núñez أحد أهم شعراء كوبا، من مواليد هافانا سنة 1955، وهو مترجم وناقد أدبي وأستاذ جامعي يعيش ويُعلّم حالياً في كنيون كوليدج في ولاية أوهايو الأميركية. صَدَر أول دواوينه في هافانا عام 1979وله اليوم أكثر من عشرين كتاباً. وقد عاش في نيكاراغوا وكولومبيا كما تعكس أعماله أواصر قوية مع الثقافة والأدب الإسباني إجمالاً. حاز العديد من الجوائز في كوبا والمكسيك وإسبانيا وسواها، كما تُرجم إلى العديد من اللغات.

** ترجمة يوسف رخا

المساهمون