أهو الضوء الذي يأتي متأخراً؟

أهو الضوء الذي يأتي متأخراً؟

22 مارس 2018
(الشاعرة في مدينة البندقية، إيطاليا، 2015، تصوير: باربارا زانون)
+ الخط -

بانتظار تحديد عنوان للقصيدة

كنتَ في قصيدتي
رأساً على عقب
بكلّ ما فيك
(غير أني أصبحتُ مثلك
في أغلب الأحيان)

أستطيع رؤيتك بين السطور
تمارس الوقوف على اليدين
فوق أرضيةِ قصيدتي
وقدماك تلامسان العنوان
(الذي سيُحدَّد
عندما أشاء)

ستبقى هناك طالما أردتك أن تبقى:
في تلك الوضعية الخرقاء:
رأساً على عقب
كي أقدّمَ لك حبّي
بلا حدود

■ ■ ■


ملحمة قصيرة (في خمس حركات)

(I)
إنها السابعة صباحاً
وأنا أنوسُ بين رغبتين:
العودة إلى الفراش لنصف ساعة أخرى
أو الجلوس هنا تحت الشمس
التي تفوح منها رائحة الصيف

(II)
الآن، سترتفع
تلك الطائرة فوق الغيوم
لكن لا رائحةَ للشمس في الأعالي
رغم أنها أقرب بكثير إليها

(III)
دخلتُ غرفة النوم:
هناك تجمّدَ الوقتُ،
والعتمة الحميمة المغرية هي ذاتها
التي كانت منذ نصف ساعة

(IV)
أعددتُ إفطاراً لي
على الطريقة القديمة: مربَّيات
وزبدة.. إلخ
وكلّ ما تبقّى من اللوازم

مثل لمسة إضافية زاهية
على غطاء طاولة مزركش،
وصَينية غُسلتْ للتو، شمس غُسلتْ للتو
وصَيف يندلق من النافذة

(V)
إنها السابعة صباحاً
تزيد أو تنقص قليلاً
ورغبة بندوليَ
تنوسُ باتجاه الشمس

■ ■ ■


عرْيٌ: دراسة في الأسى المرير

بمَ تفكّرُ وأنتَ
ترمقني بتلك النظرة،
بينما تتمدّد على الصوفا،
بشكل قطْري عن المكان الذي أجلس فيه،
وأنا أتظاهر بأني لا أنظرُ إليك؟

بمَ يفكر جسدُك،
جسدك الطويل، المطواع،
المتأهّب للقدوم إليّ
حين أدعوه؟

الأذنان منتصبتان بعض الشيء،
السيقان مَثْنيّة،
ما الذي يمكنك رؤيته في بياض عينيك:
أهِلالاً،
أمَرْجاً أغبرَ؟

وحين تنام، في أوقات أخرى،
ما الأحلام التي تسري فيك:
أمك، فأر، يد طرية، وثبة
متقنة وعالية
للغاية، رشيقة للغاية؟

أين: الليل المتحلّل من برودته
الذي سيلمّنا
ذات يوم

وذلك سيكون
(كما ينبغي أن يكون)
سواءً بالنسبة لكلينا؟

■ ■ ■


خسائر حرب

أنفض بقعة صغيرة
عن هذه الورقة

لا أدري إن كانت ذرةَ غبار،
أو رقاقة رماد صغيرة
دسّتْ نفسها
في هذا الكرّاس

ارتقيتُ رفوف المكتبة في ما مضى من الوقت،
علقتُ بين كراساتٍ أخرى، وكتبٍ أخرى،
متوارية عن الأنظار
وعصيّة عن أن تنالها أوهى المشاعر
الباطنية

إنها طليقة الآن،
والبقعة التي ذَرَوْتُها في الهواء
بين الإبهام والإصبع الوسطى شبه القائمة:
قاذفة لهبٍ للسوائل سريعة الاشتعال

مع ماضٍ ينتظر الهجوم،
لا دفاع محتمَلاً ينتظر الصّدَّ
لا هدفَ محدّداً
يضعه المرء نُصْبَ عينيه

■ ■ ■


حبّة كستناء

فلقتُها نصفين،
وكالفكرةِ:
حبّةُ الكستناء التي التقطْتُها عن الأرض
عاتيةٌ قشرتُها ومُقْلِقةٌ

كانت حبّةُ الكستناء بريّةً بالمعنى المباشر
للكلمة،
كانتْ حبّة الكستناء تلك مُحارباً حديثَ السّنِّ،
التي قاومتْ بضراوةٍ أصابعي

ثم رفعتُ الجسدَ المغلوبَ
للحبّة ذاتها،
ووسَّدْتُها بين يديَّ

عاريةً، متألّقةً،
مصقولةً على أكمل وجه، حبّة كستناءٍ في اللونِ
والاسم

وبكلِّ الغرابة،
كما يحدث أبداً في الطبيعة،
ثمة الطرفُ الأبيض في نشازه مع البنيّ:

أأحد وجوه الله؟ أَمُنْتَهَى؟
أَرهْبةٌ مُباغتةٌ من اتّساق؟

ثم والحيرةُ تلفّني، أُعيدُها إلى الأوراق العارية
وهناك مكثَ كلانا
مثلَ فكرةٍ،
في عزلتنا
المشتركة

■ ■ ■


موجات جذبية: نظريات

وأرى نفسي جالسةً في سكون
إلى هذه الطاولة،
التي ربما كانت موجودة من قبل

أهو الضوء الذي يأتي متأخراً، أم هي
نظرتنا المتأمّلة التي تتشكّل منها الأشياء؟

والسنون التي تُرجمتْ
إلى لغتنا، الملايين من السنوات الضوئية
التي أحدثتْ موجاتِ
التهام الفضاء، أتُراها سبّبتْ تداعي الفضاء ذاك
أو إيغاله في الارتفاع؟

إنه مشهد غريب
ومحبب لعيوننا
هذا الارتياب
العظيم
الغامض- الارتياب
الذي لا ريب فيه

أهو التناغم؟ أم هو الله؟
أم الحب في هيئة أخرى:

أم نصف كرةٍ أرضية أخرى من الزمن؟

■ ■ ■


موجات جذبية: تدوين أثر

قد انفجرتْ وسطَ الفضاء في طريقها إلى ما وراء
الخيال. لا دليل على حضور الرب
في الطريقة التي ينصدع بها الكون

وتحار الكلمات،
تتوقّف

لم يُسمَع صوت، ولم يُرَ شيء،
على الأقلّ ليس بهذا الوضوح، لكنه كان ما ندعوه
في لغتنا، التي اختلقها الكائنُ واكتسبها
على الكوكب الأزرق: تدوين أثر

■ ■ ■


فكرةٌ عابرة

أخفقَ إيقاعُ القصيدة
في أن يدومَ،
رغْمَ ريحٍ وشيكة:

باللقالقِ الفتيّة
تطيرُ عبْرَ السماء،
نقيّةً وخَلِيَّةَ البال

وما كان لها إلا محاولة
تقليدِ خفقِها

غير أنّ خَطوَ القصيدةِ
الرّخوَ
تأنّى وتوقّفَ:

المحرّكُ المتباطئ،
أصابعُ تحت الجناح-
وبطن المركبة،

دون هَتْكٍ، يهتكُ
فضاءَ الورقةِ
الطّريَّ

■ ■ ■


الجريمة سهلة

بظفري قتلتُ (بكلّ سهولة)
بعوضةً صغيرةً
حطّتْ بلا إذنٍ ولا دستور
على قطعة الورق هذه

تزيَّتْ بما يخفيها عن العيان،
أجنحتها أوهى من أن تُرى
ولحظة تموت على الورقة، بالكاد
يبقى شيء منها

إلا من أثرٍ
لخدعةٍ سحرية، مبرِّرٍ
لكتابة قصيدة، ورغم أن نسيجها اللمفاويّ قد احترقَ
في زمنٍ أقصر
من زمن أية حياة أخرى،
يبقى أن
زمناً مَرَّ، أمْضَتْه في الحياة

وما أمَضّها أن لا رمحَ لديها، لا خنجراً،
لا سُمّاً زُعافاً
(جُرعةً جليلةً من السيانيد أو الستركنين)
ماتت، ضحيّة ظفْرٍ،
وعادت إلى التراب:
غباراً عابراً من طحين

لكنها لابدَّ احتوَتْ،
كسائر قريباتها،
شيئاً ما صلباً،
سيكون في أقلّ من مائة عامٍ
المادّةَ ذاتها

إذ يقيتُ قصبةَ ساقِ شاعرٍ،
وجهاً كان يوماً محبوباً،
والقطعةَ من عجينة الورق هذه على الطاولة أمامي،
والنقطة الأصغر والأكثر رسوخاً
على ذيلِ مُذنَّب


سيدةُ ماذا
ولدت Ana Luísa Amaral في لشبونة عام 1956، وتقيم في شمال البرتغال. تعمل أستاذة في "جامعة بورتو"، ومديرة مساعدة في "معهد مارغاريدا لوسا للأدب المقارن". نشرت مجموعتها الشعرية الأولى "سيدةُ ماذا" (الصورة)، في سنة 1990، تلاها أكثر من ثلاثين كتاباً ما بين الشعر والدراسات والمسرحية وكتب الفتيان والترجمات. كما تُرجمت أعمالها إلى الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والسويدية والألمانية وغيرها.


* ترجمة: أحمد م. أحمد

 

المساهمون