تمثال من الحنين

تمثال من الحنين

20 ديسمبر 2016
("كرسي وغيوم"، عمل لـ أنطوني تابييس، برشلونة 2013)
+ الخط -

في المنفى، قد تتحوّل إلى تمثال من الحنين الخالص، دون أن تُلاحظ. تصوم عن سواها حتى يثبت العكس. بلادُك ضرورتك اليومية التي تعود إلى قتْلك كلما توسّلتها في كتاب الليالي. نعم، وكلما ابتعلت مقداراً من واقعك الجديد، تحرّكت أمعاؤك. بينما تسمع في سهرة مَن يصف حياة أمثالك الجديدة بقوانين السوق، لكنك لن تدفعه ـ مهما حاولت ـ لتغيّير الزاوية.

طبعاً هو هرطَق فلفّق. فالخسارة والربح ـ لا تنكرهما، لكن فوقهما دوماً وتحتهما دوماً فيزيائيّةُ العبث.

العبث؟ لربما تكون الكلمة / المفتاح لهذا الذي تبلو.

عموماً أنت لست من سلالة الوصّاف، ولا مِن هذه الشمس التي تشرق، والنجمِ الذي يغيب.

فهُم ـ وقلبك والشجرة يحسّان ـ لم تعد مساقطُ أقدامهم تدعوهم. ربما لخلل فيها أو في ما يحملون من أعضاء أخرى كالآذان، حصْراً. وإنّ هذا، وإن يكن من جهةٍ مؤلماً، لَجيدٌ من الأخرى.

وجيد كذلك أنهم وأشياءَهم في مدار، وأمثالك في مدار.

قد تسمع بهم ولا تبصرهم، مثل قرقعات البطن. ثم إنّ إبصارهم لَمُكْلِف. ولذا يستحسن أن تكتفي المرة بُعيد أُختِها، بالموبايل وسيلةً تفي بالغرَض.

ذلك أن الإخلاص للجالية ـ بما هي عليه ـ يعيق مسارك الفردي، كي لا تقول: ويعرقل أحلامك الجماعية!

وإلى أن تظهر مجدداً مفرداتٌ من نوع مختلف، عليك ألا تذهب إلى الليل إلا وحيداً ـ هذا مهم جداً. والأهم منه ألا يرجع الليلُ معك لينام في الخزانة.

"إن المرء لا يَحْدُثُ إلا حين يَتَحَدّث". تقولها بنت كتلانية تدرس البرمجيّات وتفضّل غيفارا على سقراط. "قُل قصّتك، التي من هناك، لأن ذاكرتنا التي هنا ممسوحة. قلها باغتباط فأنت تحيا مشاعيةَ عصر الإعلام الاجتماعي".
ـ ليت الأمور على هذا التبسيط، يا نِيُوس.

تفترقان في ساحة كتالونيا، ويكون الليل تقدّم فتلمع جُملة تشبه هذه، فورَ انصرافها: "كان يلزم المرء ـ إجمالاً ـ ألا يكون قد نزل من الرحم. وبما أن الحادث وقع، فيلزمه تبذير الكثير من الطاقة، حتى يرجع إلى الرحم الثاني بسرعة".

قبل أن تُكمل الجملة يتصل أحدُهم. ولسوف تحتاج بعدَها إلى ساعة من التركيز، كي تعود الجملة إلى انبثاقها العفوي، وهيهات!

ولسوف تضحك وأنت في المترو لأن أحد الشيوخ يرافق فتاة لاتينية، ويتحاب معها وقوفاً على رؤوس الجالسين.

تفكّر: وقد انتبه إلى شبح وحدته بعد السبعين، سيدفع كل ما ادّخره كي يهرب منه بُقيا حياته. عجيبون يا أخي هؤلاء الناس!

ربّ الحساب والربح ألغى من قاموسهم كلمتَي الزواج والعائلة، واستبدلها بعجل العمل المقدس والفسحات المقنّنة، إلى أن يشيخوا فيضربهم الواقعُ الفاجع على أمّ رؤوسهم.

تصل البيت، وتقرّر ألا تتحوّل بعد اليوم إلى ذاك التمثال. وإذا كنت ممن لا يستغنون عن الحنين فحوّل المسار: حِن إلى ما لم تعِش!

المساهمون