الجدرانُ تنهارُ بيننا

الجدرانُ تنهارُ بيننا

22 فبراير 2015
حاجز قلنديا (احتفالية فلسطين للأدب، 2014)
+ الخط -
إن كنت خائفاً من كثرة النسيان

إن كنتَ أكثر سمرةً من معظمهم
اتخذ لحيةً أو ضع حجاباً
ومن الحكمةِ أن لا تتحدّث بصوتٍ عالٍ
حين تصل إلى مطار
أو أي مخرج.

إن سُحبَ والدكَ بعيداً
وهو يتوسّل مطالباً ببيتهِ
ثم عادَ في اليومِ التالي
بلا عينيهِ أو كرامتهِ
لا تحكم عليه

إن قالت لك أمّكَ انتبه
لمذلتهِ
فليس لأنها تريد إيذاءك
بل لتساعدكَ
على فهم من أي بلدٍ أنت

إن نُفيتَ
لا تتوقع حقلاً مفتوحاً
وابتسامة، وبيتاً جديداً-
ستكون غريباً دائماً على الأغلب
فقف قريباً بما يكفي لرؤيةِ عيونهم
وبعيداً بما يكفي لتحمي قلبكَ

إن اعتقدتَ بإمكانكَ الكتابة
عن كل الأيام التي تفتقدها
في قريتكَ أو مدينتكَ
فكّرْ مرةً أخرى-
هي الآن أسطورةُ آخر
إن كنتَ خائفاً من كثرةِ النسيان
فاللامبالاةُ أشدّ خطراً

إن أخذتَ توقكَ
إلى أي مكانٍ تمضي إليهِ
احتفظ بمفاتيح بيتكَ القديم
حتى لو سكنه آخرون-
هي علامة أن عليكَ الحفاظ على كلّ شيء آخر أيضاً؛
على الصور والفن والفولكلور وحتى الحجارة

إن ضحكتَ وشعرتَ بالذنبِ
أحببْ واشعرْ كما لو أنكَ لن تفعلها
تذكّرْ؛ كل ما يؤلم يبدأ بالرغبة

إن أعطاكَ أسلافك خريطة بلدكَ
ولكن لم يعطوكَ واحدة عن فقدانهِ
انسجْ تاريخكَ مع المسافات في نسيجٍ واحد

وإن دعاكَ والدنا باسم بابا
ابناً كنتَ او ابنة،
وسألكَ: هل تعرف اسم مكان ميلادك؟
أجب بالعربيةِ
حتى وإن قيل لك لا تتحدّثْ بها
إلا في البيت- من أجل سلامتكْ

وإن جاء يومٌ
وسُئلتَ وأنت في مكانٍ ناءٍ
من أعطاكَ ذلك الاسم؟
تذكّرْ أن ما يهمّ
هو أن الأرضَ
تعرفُ وجهكَ وصوتكَ
ومنشأ صمتك-
وأن ما هو مقدسٌ حيٌّ
في من أنتَ
وليس في ما قيل لكَ
أن عليكَ أن تكونه.

رسم أنفاس
أرسمُ فماً
أرسمُ شفاهاً
أرسمُ جبيناً
خطوطاً
وأخيراً أرسمُ عيوناً
لا شيء يمكن رؤيته
وراء خريطة القلبِ
سوى وجهٍ مشوّه

أتنفسُ
يتحركُ طفلٌ
نفسٌ
يبكي طفلٌ
نفسٌ
تركعُ أمٌّ
نفسٌ
يُشنقُ أبٌ
نفسٌ
ينشطرُ محيطٌ إلى معسكراتِ موت
نفسٌ
ينهارُ منزلٌ
نفسٌ
تٌجتثُّ شجرة
نفسٌ
يُسرقُ حقلٌ

وأرى، في آخر نفسٍ لي،
فراشاً عتيقاً
عفناً ونفايةً
ينهارُ السقفُ
وأنتَ هناك جالسٌ على كرسي
هل ما زلتَ تراني يا حبي
واقفةً بجوار النافذة؟
الجدرانُ تنهارُ بيننا
-الغناءُ يساعدني على طردِ
الخوف الذي حوّلَ أجنحةً
إلى ريش متناثر
مدننا قسّموها-

سيقهر التاريخُ تلك الأسطورة
ولكن ستكون العودة مبكرة جداً عندئذٍ
لفهم الشكل الذي ستتخذه،
مبكرة جداً لمعرفةِ
أن العالم الذي دخلناه
أشدّ ظلاماً مما تخيلنا
أن يكون عليه الظلام؛
أيمكنهم شفاء الآلهة
التي انتهكوا حماها؟
أعلينا لوم الشعلة التي
لم تأتِ لتحمينا أو تقتلنا أبداً؟


أخيراً
يناير، في ولاية واشنطن

هناك يمسكُ الثلجُ بضوءِ الشتاء
وتخلي الشوارعُ نفسها من الهمساتْ

هنالك حيث النهارُ لا يُقرأ
تقول الأصواتُ ها هو هنا
تقول، وها نحن هنا

فلاحون مع ساعاتٍ في جيوبهم
يتذكرون الريحَ- تاريخاً جديداً
جنوداً يتجمعون تحت سماءٍ تنشقّ
عن وهجٍ ورماد

أحدهم يقرعُ طبلاً
أحدهم يتسلّقُ شجرة
أحدهم يقولُ إنها تحبّ اسمه
مثل برقٍ على اللسان
أحدهم يعدُّ الرغبات المكتشفة

أنهارٌ تبكي في حناجرهم-
هناك رجفةٌ في بيتٍ أبيض
ذاك الذي يعرفُ أن كل شيء يصبحُ أغنية
حين لا يكون وجودٌ لموسيقى

الآن لم تعد المرآةُ ضوضاءَ مهشمة
إنها همهمة تنتشر عبر الزجاجْ


ترجمة عن الإنجليزية: محمد الأسعد

المساهمون