مصر: يساريون وليبراليون ضد إسلاميين

مصر: يساريون وليبراليون ضد إسلاميين

11 يوليو 2016
(في 2011، الصورة: فرانس برس)
+ الخط -
منذ مطلع عام 2013، والشارع المصري يشهد حالة من العداء الواضح تجاه اﻹسلاميين، وهي حالة قادها -جزئيًا- شريحة واسعة من العلمانيين والليبراليين واليساريين.

حالة العداء هذه -رغم حدتها- كانت تبدو طبيعية إلى حد ما، في إطار الصراع السياسي الذي كان دائرًا خلال تلك الفترة، لكن امتداد هذه الحالة إلى ما بعد اﻹطاحة باﻹسلاميين من سدة الحكم في 3 يوليو/تموز 2013، وتحولها من مجرد الرغبة في اﻹطاحة بخصم سياسي إلى الرغبة في إبادته والتنكيل به وإهدار حقوقه الدستورية والقانونية، وهي رغبة نتج عنها مذبحتا رابعة العدوية والنهضة، وما تلاهما من حملات اعتقال وتنكيل بأنصار التيار الإسلامي خاصة، والتيار الثوري عامة، هو أمر غير طبيعي.

ويطرح هذا التحول وما أنتجه العديد من التساؤﻻت، نكتفي بفتح النقاش حول واحد منها فقط، هو؛ ما اﻷسباب التي تدفع أشخاص ينادون بالديمقراطية والحرية، كالعلمانيين والليبراليين واليساريين، إلى التطرف في النظر إلى اﻹسلاميين لدرجة التحريض عليهم وتأييد التنكيل بهم؟ كيف يصبح من يفترض أن يكون الصوت العاقل الذي يهدّئ الجماهير إلى الصوت اﻷكثر تطرفًا وتأييدًا للدولة في تنكيلها باﻹسلاميين؟


اﻹسلاميون جزء من السبب
يرى الباحث في علم اﻻجتماع السياسي علي الرجال، أن حالة الكره الواضحة من شريحة واسعة من الليبراليين واليساريين -خصوصاً لدى اﻷجيال الحديثة منهم- للإسلاميين يتحمل اﻹسلاميون جزءًا من المسؤولية عنها. فاﻷخطاء التي ارتكبها التيار اﻹسلامي- خاصة اﻹخوان- منذ ثورة 25 يناير، ﻻ يمكن تجاهلها، أو تجاهل ما أدت إليه من كوارث.

ويفرق الباحث هنا بين اﻷجيال القديمة من الليبراليين واليساريين واﻷجيال الحديثة؛ حيث يرى أن كره اﻷجيال القديمة يبدو غير مفهوم؛ فهو كره محض ليس له هدف سياسي، وﻻ مبني على موقف أخلاقي أو حتى فلسفي، ولكنه كره يعبر بقدر كبير عن انحطاط هذه اﻷجيال وانعدام قدرتها على التحليل المادي للواقع.


أبناء السلطة
تجدر اﻹشارة إلى أن هذا الموقف المتطرف الذي تتبناه شريحة من العلمانيين والليبراليين واليساريين تجاه اﻹسلاميين، ليس جديدًا، فهو نفس الموقف الذي اتخذته هذه الشريحة خلال حرب الدولة مع اﻹسلاميين في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما انتقده المفكر المصري الراحل نصر حامد أبوزيد- وهو من ﻻقى اﻷمرين على يد اﻹسلاميين- في مقال مطول تحت عنوان "سقوط التنوير الحكومي"، وهو مقال نشر في عام 2005، في أسبوعية "أخبار الأدب".

وربط أبوزيد في مقاله بين مواقف جزء من هذه الشريحة التي سمّاها المثقفين/ التنويريين تجاه اﻹسلاميين، وموقف السلطة تجاههم، وهو ترابط يرى الباحث علي الرجال، أنه ما زال قائمًا، حيث إن الشريحة اﻷكثر تطرفًا من الليبراليين واليساريين هم اﻷكثر قربًا للسلطة واﻷكثر تماهيًا مع مواقفها، وأن هذه الشريحة صارت "أبناء للسلطة"، وجزء منها صنيعتها.


كل اﻹسلاميين واحد
يقول الكاتب اليساري تامر وجيه، إنه كنقطة بداية لتحليل أسباب عداء شريحة واسعة من الليبراليين واليساريين للإسلاميين يمكن القول إن السبب هو التحليل الخاطئ لظاهرة صعود الإسلام السياسي. إذ يرى هؤلاء أن الإسلام السياسي أولًا واحد وغير متعدد، وثانيًا فاشي الطابع. يقصد بذلك أنهم يعتقدون أن تيارات الإسلام السياسي المختلفة والمتناقضة- مما يطلق عليه الإسلام الحضاري وحتى الدولة الإسلامية والقاعدة- إن هي إلا تمظهرات قد تبدو شديدة الاختلاف، لكنها في الحقيقة تحمل جوهرًا واحدًا لا يتغير، وهو جوهر رجعي فاشي بالضرورة.

لكن نقطة البداية تلك، على صحتها، لا تكفي للإحاطة بالظاهرة. فلماذا يسود هذا التحليل في أوساط شريحة واسعة من الليبراليين واليساريين؟ لمَ لم تنافسه تحليلات أخرى تقول بتعددية الإسلام السياسي وتنقض فكرة فاشيته (وإن كانت لا تتوانى عن كشف رجعية أغلب تياراته)؟ أظن أن تفسير سيادة تحليل كهذا، هو أن كلًا من الليبراليين واليساريين (المصريين بالأخص، لكن كذلك العرب) قد التقوا عبر التاريخ، وبشكل متزايد، على الاعتماد على مرجعية يمكننا وصفها بـ"الوطنية ذات الطابع الدولتي الانتهازي".


"الدولتية" في مواجهة اﻹسلام السياسي
ويشرح وجيه: "من المفترض أن الليبراليين واليساريين يختلفان كثيرًا من ناحية المرجعية والأهداف. لكن الحقيقة أنهما في بلادنا، وبدون الخوض في تشريح هذا الأمر كثيرًا، قد تقاربا من حيث المرجعية، فقد أصبحت تياراتهما الأساسية تستبطن تقريبًا منظورًا واحدًا لا يتخيل - مجرد تخيل - أي كسر لصنم الدولة الوطنية الموروثة عن عهد التحرر الوطني، ولا يتخيل أي تهديد لمقوماتها القائمة على "الوحدة الوطنية"، ومن ثم نوع من العلمانية الدولتية اليمينية".

ويضيف الكاتب، أنه في لحظة تاريخية سابقة -لحظة مواجهة الاستعمار والصهيونية- كانت الوطنية، ومعها الدولة الوطنية، فكرة دافعة للمواجهة مع قوى الهيمنة العالمية. لكن مع التطورات التاريخية المعلومة للكافة أصبح التمترس حول الوطنية - بلا أي نقد جذري أو تطوير- تماهيًا مع دولة منحطة تاريخيًا من أجل الحفاظ على وحدة الوطن.

ولما ظهر الإسلاميون كقوة معتبرة على الساحة السياسية، وبدأوا في تهديد المنظور الوطني للسياسة (من منطلقات رجعية طائفية في أحيان كثيرة)، تفاقمت النزعة الوطنية لدى الليبراليين واليساريين وأصبحت "دولتية" رجعية، وكان من ضمن مقومات هذه الدولتية السياسية مثالية رجعية فكرية أخذت شكل التنوير اليميني.

في أوساط الليبراليين، كان التنوير اليميني بديلًا عن الديمقراطية الإنسانية، وفي أوساط اليساريين كان التنوير اليميني بديلًا عن الطبقية الإنسانية. في الحالتين، حدثت تحولات في الفكر صاحبت التحديات السياسية، وأصبحت المثالية التي تجرد التنوير من سياقه التاريخي وحامله الاجتماعي الوسيلة التي يمكن بواسطتها تجميل الدولة لتصبح حاملة للقيم التنويرية، من وجهة نظر هذه التيارات المعارضة التي انحطت تاريخيًا لتصبح رديفًا لسلطة القهر والاستبداد والفساد.

طبعًا هناك خلافات بين اليسار والليبرالية، لكنها تتضاءل أمام الاتفاق على مواجهة الخطر الأكبر، وهو الإسلام السياسي الذي يكسر المرجعية الأهم والأكبر التي تم استبطانها، لتصبح هي الأرضية المشتركة التي "إن اتفقنا عليها يمكننا الاختلاف، لكن إن اختلفنا عليها يصبح من يرفضها خارجًا عن الملة".


خصوصية الحالة المصرية
يرى الكاتب اليساري تامر وجيه، أن أي فهم لجذور هذه الكراهية، ولتطوراتها، لا بد أن يبدأ من تحليل الشكل الذي تأسست به السياسة المصرية الحديثة. فبدلًا من الحديث عن اليسار بوجه عام، والليبرالية بوجه عام، والإسلام السياسي بوجه عام، علينا تفحص المسار التاريخي لتشكل تلك التيارات على التربة المصرية، لنفهم خصائصها الفكرية والعملية، ومن ثم نفهم أن اليسارية المصرية تبلورت وطنية لا أممية، والليبرالية المصرية غلّبت الوطنية على الديمقراطية، وكذلك لنفهم مغزى ردة الفعل الإسلامية على هذا كله.

ويؤكد وجيه أن نقد الطبعات المصرية من اليسارية والليبرالية، وهو نقد واجب وضروري، وكشف حدود نظرتها للظاهرة الإسلامية، لا ينبغي أبدًا أن يُفهم على أنه تبنّ للإسلام السياسي أو تعاطف معه، على العكس، فإن تلك الحدود والتناقضات التي شابت ما يطلق عليه "المعارضة المدنية" هي التي منعت القوى السياسية المصرية من مواجهة ظاهرة الإسلام السياسي من حيث هي -في أغلبها- ظهور لبديل رجعي يعوض فشل الوطنية المصرية في حل المهام الملقاة على عاتقها.


المساهمون