رمضان ليبيا... إفطار بطعم المعاناة

رمضان ليبيا... إفطار بطعم المعاناة

03 ابريل 2024
بدأت الأسر الليبية بشراء مستلزمات العيد (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ليبيا، تستمر العادات الرمضانية رغم الأزمات الاقتصادية، حيث تعبر إيمان الوحيشي عن قلقها من ارتفاع الأسعار وتضطر للتكيف بشراء أقل والتركيز على الأطعمة التقليدية.
- الحكومة ووزارة الاقتصاد تحاولان ضبط الأسعار لمنع استغلال التجار خلال رمضان، لكن هناك شكوك حول فعالية هذه الجهود، خاصة مع قرارات مثل قفل أسواق الأغنام بسبب مرض الحمى القلاعية.
- الظروف الاقتصادية الصعبة لم تمنع الاستعداد لرمضان، لكن النازحين يعيشون ظروفًا أكثر تعقيدًا، مع فقدان منازلهم وأحبائهم، مما يضيف طبقة من الحزن على الشهر الفضيل.

لم تختلف عادات أهالي ليبيا في شهر رمضان الحالي عن عاداتهم الموروثة المتشابهة التي يظهر عليها تباين طفيف باختلاف المناطق، لكن الأزمات التي استجدّت خلال السنوات الأخيرة أثرت على تفاصيل شهر الصيام.

تواصل الليبية إيمان الوحيشي التجهيز اليومي لإفطار وسحور وسهرات وزيارات شهر رمضان، والذي يلزمها بزيادة المشتريات الخاصة بمطبخها الذي قررت أن تضيف إليه ما يحبه أطفالها من مأكولات دخلت حديثاً على مائدة الإفطار الليبية الموروثة، لكنها في الوقت نفسه تعبر عن انزعاجها من ارتفاع الأسعار، والعجز عن توفير السيولة النقدية الكافية.
تقول الوحيشي، من طرابلس، إنها أم لطفلين توفي والدهما قبل سنوات، وبحكم مسؤولية تربية أطفالها أصبحت خبيرة بالأسعار. تضيف لـ"العربي الجديد": "أقدر ارتفاع الأسعار في هذا الموسم الرمضاني بأكثر من الثلث، والألبان ومشتقاتها من الأجبان وغيرها، ومستلزمات صنع الحلويات ارتفعت أسعارها جنونياً، وأصبحت أشتري كميات قليلة على غير العادة"، مشيرة إلى أن "استغلال التجار لموسم الصيام في السابق كان يتراجع بعد الأسبوع الأول، لكنه متواصل هذا العام، وبعض الناس بدأت تنصرف إلى التركيز على شراء ملابس العيد، لكن أسعار الغذاء لم تنخفض".
ولا يتعلق الأمر بارتفاع الأسعار فقط، بل بأزمة المناكفات بين مؤسسات الدولة، والتي أثرت على العلاقة بين الحكومة والبنك المركزي، وغابت معها السيولة النقدية لأكثر من شهرين. وتؤكد الوحيشي أنها "حصلت على نصف راتبها فقط، وعوضت الباقي من خلال الشراء بالبطاقة المصرفية على الرغم من فروق السعر عند استخدام البطاقة. أحاول مقاومة الظروف بالاستغناء عن بعض المواد الخاصة بالأطعمة الرمضانية الموروثة، والجيل الجديد يتابع ما تتحدث عنه الفضائيات من أصناف الطعام المستجدة علينا، لذا ركزت على توفير ما تحتاج إليه هذه الأصناف من أساسيات، لكني لن أغيّب طعامنا التقليدي عن المائدة، فطبق الشوربة أساسي في الإفطار الرمضاني، إلى جانب البراك والمبطن، وأصناف أخرى من الحلويات منزلية الصنع كالزلابية والغريبة ولقمة القاضي". 

ومنذ فبراير/شباط الماضي، عقدت وزارة الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية اجتماعات مع أجهزة أمنية ورقابية في محاولة لضبط الأسعار، وفرض الأسعار المعتمدة للمواد الأساسية، كالخبز واللحوم والدقيق والبيض وغيرها، منعاً لظاهرة زيادة التجار للأسعار.
وعن تصريحات المسؤولين بشأن ضبط الأسعار، يقول إبراهيم هبوشة، من جنوب ليبيا، إنها إعلانات تعوّدنا سماعها كل عام، ولا تأثير لها على أرض الواقع، فكيف يمكن ضبط أسعار اللحوم في حين أن الحكومة أعلنت قفل أسواق الأغنام، معبراً عن قلقه من إمكانية زيادة ارتفاع أسعار اللحوم مع سكوت الجهات الحكومية حتى الآن عن مخاطر عدوى الأمراض المتفشية بين الأغنام.

تشكو العائلات الليبية من ارتفاع الأسعار (محمود تركية/ فرانس برس)
تشكو العائلات الليبية من ارتفاع الأسعار (محمود تركية/ فرانس برس)

وخلال الأسابيع الماضية، قررت الحكومة قفل أسواق الأغنام في المنطقة الممتدة من طرابلس حتى مدينة مصراته بسبب إصابة بعض الأغنام بمرض الحمى القلاعية. وعلى الرغم من التعهد الحكومي بجلب الأمصال اللازمة للحد من تفشي المرض، إلا أن قرار قفل الأسواق لا يزال سارياً، وفي نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت بلدية زليتن قفل كل أسواق الماشية بسبب تزايد الإصابات. ويتوقع هبوشة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن يستغل "التجار الأمر لرفع الأسعار، حتى لو توفرت اللحوم، فهاجس عدوى المرض سيبقى قائماً ما لم تخرج الحكومة لتؤكد انتهاء الخطر". وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار وقلة السيولة، إلا أن المحال التجارية تكتظ بالزبائن، خاصة في العاصمة طرابلس حيث التكتل السكاني الأكبر في البلاد. ويرى النازح من درنة، عبد المنعم الجازوي، أن هذا مؤشر على مخاوف المواطنين، مضيفاً أن "شهر الصيام هذا العام ممزوج بطعم الحزن، فحتى لو كانت الأسعار رخيصة، فإن الظروف المعيشية غير متاحة، فكيف لمن فقد منزله، أو فقد أسرته أن يفرح".

ولا يعرف العدد الإجمالي للنازحين من مدينة درنة، والذين فقدوا منازلهم بسبب فيضانات سبتمبر/أيلول الماضي، ويؤكد الجازوي أن "الاهتمام الرسمي بنازحي درنة تراجع كثيراً، فبينما كانت تصرف لهم مساعدات عينية ومالية في السابق، انقطع الدعم حالياً، رغم أن معاناة النازحين أضعاف ما يعانيه المواطنون الآخرون، خصوصاً لمن يعيش على مرتب محدود". ويستدرك هبوشة أن "المجتمع الليبي معروف بالنجدة، فالنزوح ظاهرة، وأصبح الليبي يعرف كيف يتعامل معها، والمعاناة التي يواجهها النازح عادة ما تخففها النجدة التي توفر له أغلب الاحتياجات، فهناك نازحون من مزرق في الجنوب الليبي منذ سنوات طويلة، ونازحون من زليتن تركوا منازلهم بسبب ارتفاع المياه الجوفية خلال الشهرين الماضيين، فضلاً عن النازحين من درنة، وكلهم يجدون النجدة الاجتماعية، أما تخفيف المعاناة النفسية بسبب فقد الأهل فهذا لا يملكه أحد".

المساهمون