رمضان في كفاف... حلم عائلات في الشمال السوري

رمضان في كفاف... حلم عائلات في الشمال السوري

02 ابريل 2024
مأكولات قليلة في إفطار نازحين بإدلب (عارف وتاد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في شمال غربي سورية، تعاني عائلات في مخيمات من ظروف معيشية قاسية، حيث يصعب تأمين وجبة يومية، وتقتصر وجباتهم غالبًا على شوربة العدس بسبب غلاء الأسعار وندرة العمل.
- العائلات تواجه صعوبات متزايدة في تأمين الطعام، معتمدة على الخبز والنباتات البرية كوجبات رئيسية في ظل تقليص الدعم الإنساني وقلة فرص العمل، خاصة خلال شهر رمضان.
- الأمم المتحدة تشير إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في سورية، مع انعدام الأمن الغذائي لـ12.9 مليون شخص وحاجة 16.7 مليون شخص لمساعدات إنسانية، ولكن الاستجابة الدولية لنداء جمع 4.07 مليارات دولار كانت ضئيلة.

يحاصر الواقع المعيشي الصعب عائلات تقيم في مخيمات بشمال غربي سورية، وتستر الخيام أحوال أفرادها الذين لا يكادون يستطيعون تأمين وجبة تمسك الرّمق في شهر رمضان الذي يتساوى حاله عندهم مع باقي الأيام، باعتبار أن الصيام هو واقعهم الاعتيادي قبل حلول شهر الصوم.
تنظر سارة الحاج حسين (36 عاماً) من خيمتها وصول أي شخص يحمل وجبة إفطار رمضانية تساهم في رسم الفرحة على وجهها ووجوه أبنائها الخمسة، وهي معيلتهم الوحيدة بعدما اختفى زوجها منذ نحو ثلاث سنوات من دون أن تعلم أي شيء عن مصيره حتى اللحظة، وحالها مماثلة لنساء معيلات كثيرات يعشن منسيات بين خيام المنطقة. وتقول لـ"العربي الجديد": "ضاقت الحياة بي وبأبنائي بعدما بت أتحمّل وحدي مسؤولية إعالة أطفالي، في حين أنني ليس لدي أي شهادات تعليمية أو خبرات ولا أحظى بأي دعم أو كفالة من أحد، وأجد فرصاً قليلة جداً للعمل في أراضٍ زراعية. وفي شهر رمضان الحالي لا أملك غالباً إلا خيار تحضير شوربة عدس طبقاً رئيسياً خلال الإفطار، بسبب غلاء الخضار واللحوم التي لم تدخل خيمتي في مشهد روحين شمالي إدلب منذ زمن بعيد".
وتخبر أنها لم تحصل على مساعدات إغاثة منذ أكثر من سنة، بعدما توقفت معظم المساعدات الإنسانية عن عائلات المنطقة، ولم يتم تسجيل اسمها بين الأرامل بسبب تعثر الحصول على شهادة وفاة لزوجها المفقود.
وفي منطقة قاح بإدلب التي تكتظ أيضاً بمخيمات نازحين من كل المناطق والمدن في سورية، تسكن حسناء الجرو (41 عاماً) التي تعيل أبناءها وحدها منذ أن قتل زوجها بقصف استهدف مدينة خان شيخون قبل نحو خمسة أعوام، وهي لا تكاد تجد في الوقت الحالي ما يمكن أن تطعم به أطفالها بسبب الأحوال المعيشية الصعبة وغياب المساعدات الإنسانية، وتحلم أن تعيش أجواء شهر رمضان في كفاف. وتقول لـ"العربي الجديد": "رمضان مختلف هذا العام، ففي السنوات الماضية كانت المنظمات توزع وجبات ومساعدات غذائية مع حلول الشهر، لكن المساعدات الإنسانية شبه معدومة هذا العام، ولا يمكن أن أطعم أولادي كما أريد أو يريدون، ولا أجد طعاماً لهم إلا الخبيز والحويش لسد جوعهم".

بعض العائلات لم تحصل على مساعدات إغاثية منذ أكثر من سنة

وتوضح أن الحويش هي الوجبة الأساسية لها ولأبنائها منذ بداية شهر رمضان "فأسعار الخضار والفواكه واللحوم أصبحت أكبر من طاقتي على التحمل، كأن التجار يستغلون الشهر الفضيل لزيادة الأسعار غير مبالين بمعاناة الأرامل والأسر الفقيرة ومن لا دخل ولا سند لهم".
وتستخدم عائلات كثيرة الخبيز وأنواعاً أخرى من النباتات تظهر نهاية فصل الشتاء في المنطقة لمواجهة الجوع، وباتت هذه النبتة من بين مكونات الوجبات الرئيسية التي لا غنى عنها في ظل غياب المساعدات وعدم قدرة نساء فقدن معيلهن على إطعام أطفالهن. أما خديجة الجدعان، وهي في العقد السابع من العمر، فتعتمد الخبز واللبن وجبةً رئيسية لأفراد عائلتها النازحة، وتقول لـ"العربي الجديد": "لا نستطيع شراء أي شيء آخر. زوجي مصاب بشلل، وأبنائي لا يكادون يستطيعون إعالة أطفالهم في ظل النزوح المتكرر وقلّة فرص العمل".
وتشكو خديجة من إهمال الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني أوضاع الفقراء الذين باتوا لا يستطيعون إحضار أدنى مقومات الحياة جراء الغلاء وقلة مصادر الدخل.

الصورة
نازحو إدلب يدبرون ما يمكن من طعام لتفادي الموت جوعاً (محمد سعيد/ الأناضول)
نازحو إدلب يدبرون ما يمكن من طعام لتفادي الموت جوعاً (محمد سعيد/الأناضول)

وفي تجمّع بمخيمات الكمونة شمالي إدلب، تعيش فاطمة أم أحمد مع زوجها و3 أطفال في حال يرثى لها، وتقول لـ"العربي الجديد": "في اليوم الثاني من رمضان أكلنا القليل من الزيت والزعتر والبطاطا المسلوقة على الموقد على وجبة الإفطار. ورغم أن البطاطا أرخص ما يمكن توفيره لا يسهل الحصول عليها. أنا أم طفل رضيع ويعاني طفلي الآخر سوء تغذية، وزوجي لا يعمل، ولا نملك إلا خيار تدبير ما يمكن من طعام لتفادي الموت جوعاً".
وعموماً تجد معظم العائلات النازحة والمهجرة التي تعيش في منطقة شمال غربي سورية صعوبة في تأمين وجبات غذائية خلال شهر رمضان لأسباب عدة، أهمها تراجع الدعم الإنساني وقلّة فرص العمل، في حين تعتبر حال العائلات التي فقدت معيليها أو تلك التي سبّبت الحرب إصابتهم وحرمانهم من العمل أكثر صعوبة، ويزيد معاناتها تقليص الدعم الذي يقدمه برنامج الأغذية العالمي إلى الحد الأدنى.
ويقول مصطفى أبو سمير الذي يقيم في تجمّع مخيمات مشهد روحين، لـ"العربي الجديد": "لست عاجزاً عن العمل، وإذا وجدت عملاً في تكسير حجارة أقبل به في الوقت الحالي. همي الوحيد هو تأمين لقمة العيش لأولادي، ووضعنا يرثى له منذ أشهر. العمل شبه متوقف ولدي طفلة مريضة. لا يمكن أن أطرق الأبواب وأسأل الناس منحي مساعدة. أفضل العيش على شوربة العدس وعدم فعل ذلك. الواقع صعب للغاية، وننتظر بارقة أمل لتحسّن الأحوال، ونرجو أن تزول الشدّة عنا".

وفي 22 مارس/ آذار الماضي، أعلن منسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية، آدم عبد المولى، أن 12.9 مليون شخص على الأقل يعانون انعدام الأمن الغذائي في سورية . وأوضح أن "16.7 مليون شخص في سورية يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فيما كان هذا العدد 15.3 مليوناً عام 2023، و14.6 مليوناً عام 2022".
وشدد على أن ما يحدث في سورية "لا يزال إحدى أكثر الأزمات الدامية في العالم للمدنيين، ولا تزال الصراعات خطيرة في مختلف مناطق سورية، وزادت حدتها في شمال البلاد أخيراً".
وأشار عبد المولى إلى أن "الأمم المتحدة أطلقت نداءً لتقديم مساعدات بقيمة 4.07 مليارات دولار لدعم 10.8 ملايين شخص في سورية هذا العام، لكن لم يسدد إلا نسبة 0.02 في المائة من هذه المساعدات حتى مطلع مارس الماضي".

المساهمون