أطفال مخيمات شمالي سورية يُستغلون على "تيك توك" مقابل وجبات

أطفال مخيمات شمالي سورية يُستغلون على "تيك توك" مقابل وجبات

03 ابريل 2024
أطفال في مخيمات دير حسان يستعدون للتجمع أمام خيمة البث (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مخيمات شمال غرب سورية، يتم استغلال الأطفال اليتامى والفقراء عبر بثوث مباشرة على "تيك توك" لجمع المال والمتابعين، حيث يتم تقديم وجبات طعام أو مساعدات مادية لهم مقابل ظهورهم في البث.
- الأطفال مثل سلوى البكور وسمير حامض يعتمدون على هذه الوجبات كمصدر رئيسي للغذاء، ويتم إرسالهم للمشاركة في البثوث بواسطة ذويهم الذين يعانون من الفقر المدقع.
- المحامي محمد حسام سرحان والناشطة نجلاء المحمد يؤكدان على أن استغلال الأطفال بهذه الطريقة يعد جريمة ويهدد استقرارهم النفسي والاجتماعي، مشددين على ضرورة تدخل الدولة والمنظمات لحمايتهم.

يستغل البعض أطفالاً هم الأكثر فقراً في مخيمات شمالي سورية، للمشاركة في بث مباشر على "تيك توك" لاستجداء العطف وكسب المال في مقابل إطعامهم، ما يمكن اعتباره ضمن أحد أبشع أنواع الاستغلال.

دفع الفقر وغياب المساعدات الإنسانية البعض إلى استغلال الأطفال اليتامى في مخيمات النزوح شمال غرب سورية، من خلال البث المباشر على منصة "تيك توك"، بهدف كسب متابعين وداعمين ومشتركين لقنواتهم وبالتالي حصولهم على نقاط وهدايا تحول إلى مبالغ مالية لاحقاً، في مقابل تقديم وجبة طعام أو مردود مادي بسيط أو حتى بعض الخضار والفاكهة والخبز لهؤلاء الأطفال.
وزادت تلك الممارسات خلال شهر رمضان الحالي لكسب المزيد من الأرباح، حتى تحولت إلى ظاهرة مستشرية في مناطق المخيمات شمال سورية بلا حسيب أو رقيب. ويقوم صاحب البث بإظهار الأطفال وهم متجمعون أمام وجبات الطعام بانتظار توزيعها عليهم، ويبدأ البث المباشر واستجداء المساعدة والعطف لهؤلاء الأطفال الفقراء واليتامى وفاقدي المعيل.
وأصحاب البث هم سكان المخيمات ممن لا عمل لهم، وقد ابتدعوا فكرة استجداء المساعدات من خلال فتح بث مباشر من خيامهم واستغلال الأطفال للاستجداء في البث بهدف كسب تبرعات باسمهم، لكن هذه التبرعات تذهب لصاحب الحساب في وقت لا يحصل الأطفال على أكثر من وجبة طعام.
اعتادت الطفلة سلوى البكور البالغة من العمر 10 أعوام التوجه إلى خيمة البث المباشر كل يوم للحصول على وجبة طعام تتشاركها مع أهلها. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها تظهر مع عشرات الأطفال في بث مباشر عبر تطبيق "تيك توك" ويشكر الأطفال المتابعين ويدعون للداعمين في مقابل الحصول على وجبة طعام. تضيف سلوى المقيمة في مخيمات دير حسان شمال إدلب، أنها تعتمد على تلك الوجبة بشكل رئيسي وخصوصاً أن والدها متوفى ووالدتها لا تجد عملاً تنفق منه عليها وعلى إخوتها، ما يجعلهم في حاجة دائمة للمساعدة مهما كانت صغيرة. وتتألف الوجبة التي تحصل عليها من بعض الخضار والفاكهة أحياناً والأرز وقطعة دجاج مرات أخرى. وتجد سلوى الأمر بمثابة فرصة ثمينة لا ينبغي التخلي عنها أو جعلها تفوتها، وخصوصاً أن سعرها ليس بالقليل بالنسبة لعائلة فقيرة مثلهم.

أما الطفل سمير حامض البالغ من العمر ثماني سنوات، فيتوجه إلى خيمة البث الواقعة في مخيمهم شمال بلدة قاح شمال إدلب من أجل تمضية بعض الوقت واللعب والحصول على وجبة طعام، بعد أن يدعو المشاهدين لمتابعة البث ويطلب الهدايا منهم. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه اعتاد الذهاب إلى خيمة البث بمعرفة سابقة ودعم من والدته التي ترسله كل يوم من أجل الحصول على الوجبات، وخصوصاً أنهم لا يتلقون الدعم منذ زمن بعدما توقفت السلة الغذائية الشهرية التي كانوا يحصلون عليها وباتوا في أمس الحاجة لأي وجبة أو مساعدة وسط الفقر الذي يعاني منه أهله، وخصوصاً بعد إصابة والده بمرض القلب وعدم قدرته على القيام بأي عمل.

زاد استغلال الأطفال خلال رمضان (برادلي سيكير/ Getty)
زاد استغلال الأطفال خلال رمضان (برادلي سيكير/ Getty)

وسبب موافقة ذوي الأطفال على إشراكهم في هذا النوع من العمل، هو الفقر بالدرجة الأولى، وخصوصاً بعد توقف دعم برنامج الأغذية العالمي لشريحة واسعة من السوريين عقب التخفيض السابع للبرنامج منذ بداية العام الحالي، إلا أن الأطفال يقعون ضحية لهذا الاستغلال. في هذا الإطار، توضح والدة سمير وتدعى فدوى حامض (42 عاماً)، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنها لم تكن راضية في البداية على ارتياد ابنها مكان البث كي لا يؤثر الأمر على دراسته، وخصوصاً أنه يمضي وقتاً طويلاً ريثما يعود، غير أن حصوله على وجبات طعام كل مرة جعلها لا تمانع بل وتشجعه على الذهاب لما تشكل لهم تلك الوجبة رغم صغرها من مساعدة وسند لأوضاعهم التي وصفتها بأنها "تحت الصفر"، كما أن فقر حالهم لا يمكنهم من شراء وجبة مثيلة رغم بساطتها.
للوقوف على شرعنة عمل الأطفال واستغلالهم بهذه الطريقة، يقول عضو المكتب التنفيذي لتجمع المحامين السوريين في تركيا وعضو مركز الكواكبي للعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان المحامي محمد حسام سرحان، إن هناك إجماعا في كافة القوانين المحلية والدولية على أن عمل الأطفال جريمة بكل حال ويعاقب عليها القانون. يضيف: "كل جهد يقوم به الطفل ويؤثر على صحته الجسدية أو النفسية أو العقلية هو جريمة يعاقب عليها القانون، والمسؤول عن حماية الطفل هي الدولة من خلال تفعيل قوانينها الداخلية لحماية الأطفال والقضاء على هذه الظاهرة".

@asd123asd763

 

♬ الصوت الأصلي - كن غيورا ولا تكن حسودا🇮🇩🇲🇾


وفي ما يتعلق باستغلال أطفال المخيمات، يوضح المحامي سرحان لـ "العربي الجديد" أنها أضحت ظاهرة منتشرة وعلنية كون أطفال المخيمات هم الأكثر حاجة مادياً من أقرانهم الذين يعيشون في أوطانهم، وهذا أحد أهم الأسباب التي تدفع الأطفال للعمل ويكونون عرضة للاستغلال، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتحدث المحامي سرحان عن الآثار السلبية المترتبة على هذا النوع من الاستغلال من خلال نشر صور الأطفال وحالتهم البائسة بهدف كسب التعاطف والحصول على المساعدات، إذ يهدد الاستقرار النفسي والاجتماعي للأطفال، ويعرضهم للإساءة والابتزاز من قبل أقرانهم أو المتابعين وتعليقاتهم التنمرية. يضيف أن ما سبق قد يؤثر على المستوى التعليمي للأطفال ويؤدي غالباً إلى الامتناع عن الالتحاق بالمدرسة والتفرغ للكسب المادي السريع بغض النظر عن حجم تلك المكاسب المالية وعائداتها سواء للطفل أو لمن يستغله. 
من جهتها، تقول الناشطة نجلاء المحمد لـ "العربي الجديد" إن البث المباشر يعد استغلالاً للأطفال وحاجتهم للمساعدة بسبب الفقر، إذ يجني القيّمون الكثير من التعاطف والدعم الذي قد يصل إلى آلاف الدولارات. في المقابل، توضح أنّها ليست ضد فكرة البث المباشر بالمطلق ومحاولة الحصول على الدعم، إلا أنها تؤكد على وجوب وجود ضوابط، وخصوصاً أن معظم الناس في المخيمات يعانون الفقر وقلة فرص العمل، إلا أنها تحث أصحاب البث على مقاسمة هؤلاء الأطفال كل ما يحصلون عليه من دعم، وليس فقط مساعدات عينية وبسيطة لا تكاد تسد الرمق.

وتتحدث عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بهؤلاء الأطفال، والتي تؤثر على تجمعهم لساعات أمام خيمة البث بانتظار البدء، أهمها تأخرهم عن المدرسة أحياناً وتغيبهم عن الذهاب أحياناً أخرى، عدا عن أن بعض المنظمات يمكن أن تحيد هؤلاء الأطفال حين تراهم على تيك توك، من الدعم الذي تقدمه بحجة أنهم مستفيدون من جهات أخرى. لذلك، لا ينبغي الاستهتار بما يفوت هؤلاء الأطفال في مقابل وجبة طعام صغيرة.
وبحسب سياسة الخصوصية الخاصة بـ "تيك توك"، فإنّها تلتزم بشكل صارم بضمان سلامة وإيجابية التجربة عبر المنصة لمن هم دون سن 18 عاماً، محددة عمر الاستخدام بـ 13 عاماً وما فوق للحصول على حساب. كما لا تسمح المنصة بالمحتوى الذي قد يعرض "صغار السن لخطر الاستغلال أو الأذى النفسي أو الجسدي أو التنموي، وهذا يشمل مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال وإساءة معاملة صغار السن، والتنمر، والأنشطة والتحديات الخطرة..." إلا أن الانتهاكات بحق الأطفال تحصل دون تدخل حقيقي ومباشر من قبل المنصة. 

المساهمون